عباس الديلمي
بشيء من التصرف استعير هذا العنوان من الكاتب المصري صلاح عيسى، فقد كتب قبل واحد وعشرين عاماً أي في العام 1998م مقالاً عن الاحتلال الفرنسي لمصر وعنونه بالمقولة: “المدافع لا تقرأ القرآن” وهو بدوره- أي صلاح عيسى- قد استعار هذه المقولة من القومسيير الفرنسي المسيو “فورييه” عندما قالها للمصريين قبل مائتين وواحد وعشرين عاماً أي في العام 1798م، وقبل الدخول في موضوعنا نشير إلى مناسبة هذه المقولة “المدافع لا تقرأ القرآن” وملخصها هو: لقد دشنت الثورة الفرنسية شعاراتها البراقة عن حقوق الإنسان وحقوق الشعوب في اختبار من يحكمها، وعن المساواة والعدل و… و… وإلخ.. باحتلال مصر، ودخلت قواتها القاهرة وهي تقصفها بعشوائية، وتحرق أحياءً بأكملها دون مراعاة لساكنيها من الأبرياء والمدنيين* بعد ذلك شكل الفرنسيون مؤسسة أهلية أسموها “ديوان القاهرة” وتتكون من تسعة أعضاء من رجال الدين ومن التجار برئاسة شيخ الأزهر، ومهمة هذا الديوان هي مساعدة الفرنسيين في إدارة شؤون البلاد وأن يكون همزة وصل واتصال بينهم وبين المصريين..
وفي العام 1801م دعا الفرنسيون “ديوان القاهرة” للاجتماع مع المسيو “فورييه” لمناقشة ما هناك من مؤشرات من انتفاضة الشارع المصري في وجه الاحتلال.. وطلب فورييه من أعضاء الديوان تهدئة الشارع المصري وإشعاره أو تحذيره من أن الرد الفرنسي سيكون قوياً وبلا رحمة أو تمييز بين من اسماهم مفسد وغير مفسد “أي بين مقاوم وغير مقاوم” مذكراً بما حدث للقاهرة عند دخول القوات الفرنسية إليها من قتل ودمار عشوائي..
وأمام هذا التهديد والتدمير الشامل والقتل بلا تمييز، انبرى أحد الشيوخ من أعضاء الديوان وقال له: هذا لا يليق والعقاب لا يكون إلا على المفسد والله تعالى يقول “كل نفسٍ بما كسبت رهينة” وأضاف شيخ آخر: ويقول الله تعالى: ” وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى “.. فلم يجد المسيو فورييه ما يرد به على محاججته بالقرآن إلا أن قال: إذا أهاج المفسدون الفتنة فإن العقوبة ستعم والمدافع لا عقل لها حتى تميز بين المفسد والمصلح، فإنها لا تقرأ القرآن..
هكذا كان رد الفرنسي المحتل “بهذه السخرية” على من حاولوا كبح جماح تهوره وتهديده بالدمار والقتل الذي لا يميز أو يفرق، وأن ما ذكروه من آيات القرآن لا قيمة لها عنده لأن مدافعه لا تقرأ القرآن، وهكذا نجد أن من يرفع شعار ثورة التحرر والعدل والإخاء والمساواة وحقوق الشعوب، يسمي من يرفض احتلال بلده مفسداً: “إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يعقلون”..
ترى هل هذا هو المنطق الفرنسي والغربي عموماً، إلى يومنا؟!.. هذا ما نجد الإجابة عليه فيما حدث ويحدث من تصرفات الغرب “المزايد بالإنسانية وحقوقها” في بلدان عدة خاصة في سوريا والعراق وليبيا واليمن من قتل دون تمييز..
إنهم ولاشك- خاصة أمريكا حيث تمثال الحرية- ينظرون إلى ما يحدث في اليمن من هذا المفهوم، فمنذ العدوان التحالفي على اليمن وصواريخه تقتل وتدمر بلا تمييز, بل وتتعمد القتل للقتل فقط والدمار للدمار فقط من خلال استهداف تجمعات الأعراس والعزاء وحافلات نقل التلاميذ.. والمدارس والمستشفيات والمعاهد.. الأحياء السكنية ولسان حالهم يقول: “إن صواريخهم لا تقرأ القرآن” ولا الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية..
إنها نظرتهم إلى الغير.. خاصة وقد صارت مدافعهم وصواريخهم تدر عليهم ألوف المليارات المتدفقة من الأبقار الحلوبة، الباحثة عن زعامة تحت الحماية..
(*) لا ننس أن العاصمة السورية دمشق في مايو 1941م, قد تعرضت لما هو أبشع وأكثر جرماً وفظاعة مما تعرضت له العاصمة المصرية القاهرة من فوهات المدافع الفرنسية التي لا تقرأ القرآن، وهناك الكثير والكثير..