أحمد يحيى الديلمي
الفساد في الجانب الاجتماعي
الشأن الاجتماعي لا يمكن التطرق إليه ببساطة وسهولة دون إدراك قيمته الإنسانية السامية ، كون الحفاظ على هذا الجانب يعني السمو ورقي الأخلاق وصيانة القيم من التفسخ والانحلال ، وهو ملمح أشار إليه القرآن الكريم للدلالة على المؤثرات التي تعين الظالم على ظلمه عندما تتملك الناس حالة الانسحاق الذاتي ، ويعتبر الفقر مبررا للاستسلام والخنوع والذل فيمنح الظالم الفرصة للكبر والتجبر والإمعان في سحق إرادة البشر إلى حد الاستعباد ، قال تعالى عن فرعون (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين) الزخرف”54″ .
الملمح يكفي لأخذ الاعتبار وزجر من يسكت عن الحق أو يتماهى في الظلم والأكثر خطورة هو الذي يبرر شذوذ الظالم وأعماله البشعة ، وهؤلاء هم من يطلق عليهم البطانة فهم من يتعمدون شيطنة الشخص القابع في سدة الحكم ويدفعونه إلى ارتكاب أعمال مزرية تؤثر على النسيج الاجتماعي وتحدث خلخلة غير سوية في المجتمع ، لأن همه النهائي يكون البحث عن فرص للكسب الرخيص ولو على حساب لقمة عيش الغالبية العظمى من البسطاء والمساكين .
في كل حلقات الفساد أين ما صوبت نظرك تجد أن وراء هذه الأعمال وجوه قاحلة تحتمي بواجهات براقة كل همها استباحة السلطة والوظيفة العامة وتسخيرها للمراضاة وشراء النفوس وإفساد الضمائر بقصد إيجاد بيئة خصبة للصوص والمخادعين والأذناب ، حيث نجد أن وراء كل شخص من هؤلاء سجلاً حافلاً بجرائم النصب والتزوير والخداع مع أنهم يتشدقون بالوطنية والتماهي في حب الوطن وكلها مجرد شكليات ، في بلادنا هذه السلوكيات المنحرفة أصبحت عدوى وانتقلت إلى موظفي المنظمات المعنية بتقديم الإعانات الإنسانية للفقراء والمحتاجين ، ومن هنا يمكننا معرفة الاختلالات التي تراكمت في الواقع وكان لها دور كبير في تصاعد أمواج لدعاية في الآونة الأخيرة حول موضوع استغلال ما تقدمه المنظمات من مساعدات إنسانية ، بحيث تصاعدت هذه الحالات وفرضت امتعاض شديد في أوساط الأسر المحرومة رغم حاجتها الماسة لأي مساعدة عينية أو نقدية إلا أنها لا تنال شيئا بينما أسر تحصل على عدة حصص من منظمات مختلفة بما في ذلك المساعدات النقدية وأي معالجة تتطلب معرفة الدوافع والأسباب ، حيث نبدأ بموضوع الغذاء الفاسد وكيف أن المنظلمات امتعضت من احتجاج الجانب اليمني على ذلك دون أن تعلم بالعلاقة المشبوهة التي سادت بين الجهات المعنية في الدولة والمنظمات الدولية المانحة ، لأنه مرت سنوات والدولة تستحوذ على أي مساعدات تبيعها في السوق دون أن تدقق في مواصفاتها ومعرفة مدى صلاحية استخدامها ، ومن الصور التي ترسخت في الأذهان موقف أحد الموظفين في هيئة المواصفات والمقاييس بالحديدة الذي اكتشف عدم صلاحية احدى الشحنات للاستخدام الآدمي ورفع تقرير عن الأمر إلى الجهات ليجد نفسه في السجن بتهمة الاعتداء على قدسية منظمة دولية هي فوق الشُبهات عند ذلك صدرت أوامر عليا بعدم التعرض لأي مساعدات خاطب المسؤول المباشر نفس الموظف قائلا : ” من دفعك لما قمت به أنت بهذا العمل ستحرم الآلاف اذا فسدت العلاقة مع المنظمات المانحة (صدقة ولقمة بر ) .
كما حدثت حالة اضطراب شديد في كشوفات المستحقين وتكررت الاسماء ومرجع ذلك أن الاعداد تم في زمن النظام السابق من قبل عقال الحارات اعضاء المجالس المحلية التابعين لجهازي الامن السياسي والقومي وكلاهما كان تركيزهما على الولاء للنظام وتسخير مثل هذه المساعدات لضمان ذلك الولاء .
فيما يتعلق برواتب الضمان الاجتماعي خلافاً لما هو ثابت في القانون واللائحة كانت العملية تتم بشكل عشوائي وأوامر عليا حشدت الموارد في نطاق الهبات ورصدت عشرات الحالات للمشايخ والمؤلفة قلوبهم لضمان الولاء إذ كانت التوجيهات تُمنح لأشخاص بعدد من الأسماء ويترك الشخص نفسه أمر تحديدها وفي الغالب كان يحضر كشوفات بأسماء وهمية .
العوامل السابقة كان لها دلالات واضحة فيما آل إليه الوضع خاصة أن بعض الموظفين المحليين أخلصوا في رفع التقارير الموغلة في التشكيك لكسب رضا ممثلي المنظمات الأجنبية الذين استغلوا الوضع لجمع معلومات ظاهرها التأكد من سلامة البيانات وباطنها رغبات مشبوهة لا يمكن الغفول عنها ولا يستبعد حضور الجانب الاستخباراتي كون العملية تبدأ بتصوير المستحق عند صرف كل حصة والتركيز على النساء بشكل خاص بعد ذلك يتم الطلب من كل مستحق تصوير كل المستندات بدعوة الرغبة في تصحيح البيانات وكشوفات الصرف كما في القول المشهور (رب ضرة نافعة )المطلوب الاستفادة من برنامج مكافحة الفساد في وضع إطار عام للمعالجة العملية من خلال :
1 – استيعاب المخاطر المحتملة من عملية الاستهداف الخارجية والتغلب التدريجي على عوامل سوء الفهم والارتقاء بذهنية المواطن إلى مستوى فهم النوايا الخبيثة وما يضمره الآخرين من نوايا لليمن واليمنيين عبر آليات مشبوهة تحول الجانب الانساني إلى وسيلة لاستهداف الواقع الاجتماعي وإيجاد الثغرات الكفيلة بزعزعة الأمن والاستقرار .
2 – تحديد صيغة العلاقة مع المنظمات الدولية استناداً إلى رؤية وطنية محددة تمنع أي ازدواج في التعاطي بين المؤسسات الدولية المعنية وتنسيق الجهود بين وزارات الخارجية، التخطيط والتعاون الدولي ، جهاز المخابرات للتعاطي بأفق وطني جماعي.
3 – إعادة النظر في منظمات المجتمع المدني ووضع ضوابط تمنع التواصل المباشر بين أي جمعية مع الجانب الخارجي وتحريم أي فعل من هذا النوع باعتباره مساسا بالسيادة واستغلال للوطن .
4 – هيكلة صندوق الضمان الاجتماعي وصولا إلى إعادة النظر في كشوفات الضمان وتكليف فرق بحث خاصة تقوم بدراسة الحالات المدونة أو الطلبات الجديدة وفق معايير واضحة أهمها إثبات حالة الفقر والتأكد من الحاجة الماسة لراتب الضمان بعيداً عن هيمنة المشائخ أو أصحاب النفوذ وإلغاء كل الكشوفات المضافة بأوامر فوقية وصولاً إلى إسقاط فكرة أن راتب الضمان حق مكتسب يتوارثه الأبناء عن الآباء ، بينما الموضوع يمثل معالجة وقتية تنتهي بانتهاء السبب وهو الفقر .
5 – اعادة النظر في كشوفات المستحقين للحصص الغذائية ووضع كشوفات صحيحة تستند إلى مسوحات ميدانية تحدد منهم الفقراء المحتاجين حيث اتفق فقهاء الشرع على أن كل شخص يمتلك ما يساوي ستة عشر ريالا “مارية ريزا” “فرانسي” فضة لا يحق له التكفف وطلب الناس وتجب عليه زكاة الفطرة .
استناداً إلى نفس القاعدة مطلوب اتساع نطاق الوعي وتظافر جهود جهات الاختصاص مع رجال الدين والوعاظ ووسائل الإعلام والثقافة المختلفة لتوضيح ابعاد النظام التكافلي والتعريف بأن كل شخص يحصل على راتب الضمان ولديه موارد أخرى تكفيه وتوفر له لقمة العيش له ولأولاده يتعرض لمخاطر وعقاب إلهي شديد ، لأن استحواذه بهذا الشكل منع المحتاج فعلاً من الوصول إلى الغاية والحصول على نفس الاستحقاق ، مع التوسع في توضيح مقومات التكافل الاجتماعي كما هي ثابتة في الشرع القويم للارتقاء بذهنيات عامة المواطنين إلى مستوى فهم التعاليم السامية لتصبح سلوك حاكم يدفع المواطن الميسور والقادر إلى دعم المحتاج والفقير لنيل رضا الخالق سبحانه وتعالى وكالتزام أخلاقي تحتمه الأخوة في الدين ، مع توضيح الدور المعول على المواطن حيثما كان موقعه في دعم الجوانب الحياتية وتجاوز الظواهر السلبية المتجذرة في العقول ومنها أن المواطن مصدر لنقد مؤسسات الدولة واتهامها بالتقصير أو الانتظار للعطاء منها على قاعدة (إذا عطتك الدولة مرق لقيت طرفك ) أي أفتح ثوبك وهو مثل مجحف ويحتاج إلى محوه لأنه قاد الكثيرين خاصة ممن كانوا تابعين لأشخاص متنفذين إلى الحصول على أربعة مرتبات في وقت واحد ، بينما الفقير عديم الحيلة لا يحصل على أي شيء ، وهو ما يتطلب تنبيه الجميع إلى خطورة مثل هذه الأعمال بخطوات عملية ومبادرات ملموسة تجعل ثقافة الالتزام والاحساس بالمسؤولية الذاتية تجاه الوطن أساس لترجمة الانتماء الصادق للوطن وما يفرضه من أعباء وواجبات تجاه المجتمع وصولاً إلى بلورة وجود الدولة الضامنة القائمة على العدل والقادرة على حماية الحقوق وفرض الواجبات على اساس سليم محوره المساواة بين كافة اليمنيين دون تمييز أو افتئات .
المشكلة أن الافق الانتهازي لنشاط بعض الأحزاب وتعدد السيناريوهات تمكنت من الالتفاف على تطلعات وآمال أكبر قطاع من أبناء الشعب وتضامنت مع عوامل اخرى تمثلت في السلبية ودعوى حياد النخب السياسية ، بينما هي في الواقع تمارس أعمالا غير سوية وتفرض كوادرها على قلتهم في كل الاتجاهات على حساب الغالبية العظمى من أبناء الشعب .
هذه العوامل مجتمعة قادت إلى عدم تكون طرف محلي ثالث قادر على ضبط حالة الشد والجذب واقتراح الحلول التي تراعي المصلحة العليا للوطن وتضمن الحوار الجاد بين كل الأطراف على أساس احترام إرادة الجماهير وضمان الأمن والاستقرار ، إذ ظلت الأمور تتأرجح بن ارتفاع سقف مطالب هذا الطرف مقابل استماتة الآخر في الحصول على المكاسب ، مما أدى إلى شرعنة التدخل الخارجي واعتبار المنظمات الخارجية وإن كانت تعمل عمل الشيطان ، إلا أنه تم النظر إلى موظفيها باعتبارهم من صفوة الملائكة ، وهذا هو سبب حالات التردي في الزمن الحالي ، لأن الجانب الوطني رفض الاستمرار على نفس المنوال واقترح فرز المواد غير الصالحة عن الأخرى الصالحة بقصد إعادة غير الصالحة إلى المنظمة نفسها تتصرف فيها كيفما شاءت ، لأنها إنما تحولت إلى مصدر للشر وخلخلة الواقع الاجتماعي ، إضافة إلى إصابة اليمنيين بالأمراض الفتاكة المزمنة .
الصندوق الاجتماعي للتنمية
يعد الصندوق مؤسسة نموذجية من حيث الإجراءات الإدارية والنظام المحاسبي والدقة في كل ما يتعلق بإعداد لائحة المشاريع والرسوم التفصيلية وتقدير الكلفة وتحديد المواصفات لكل مشروع قبل إعلانه في مناقصة عبر الصحف الرسمية والتزام مبدأ الشفافية في كل الخطوات استناداً إلى دورة مستنديه نالت استحسان المنظمات والدول المانحة إلا أن الأمر لا يخلو من الاختلالات في الجوانب الأخرى ومنها :
1- الارتجال والعشوائية في اختيار المشاريع بفعل الأوامر العليا التي في الغالب يكون هدفها إرضاء وجهاء المنطقة لضمان الولاء أو الصمت إضافة إلى الوساطات والمجاملات ، أما النمط الثالث فيتمثل في تواطؤ موظفين بالصندوق مع المقاولين بأخذ مقترحاتهم عن المشاريع المطلوب تنفيذها وتأييد المقترح بمبررات تؤكد أهمية المشروع واستكمال اشتراطات إدراجه في قائمة الأولويات مثل اقتراح اللجنة المحلية وقرارها باعتبار المشروع بالغ الأهمية لإقناع قيادة الصندوق بالموافقة استناداً إلى دراسة الجدوى من قبل نفس الفريق المتواطئ ، هذه الثغرات ترتبت عليها الكثير من الاختلالات الماثلة في الواقع ومنها :
• تكدس مشاريع من نمط واحد في منطقة مقابل حرمان أخرى مجاورة .
• اعتماد مشاريع مثل برك المياه وغيرها باعتبار ها مواقع أثرية استناداً إلى اقتراح اللجنة المحلية إلى غير ذلك من الثغرات التي شوهت دور الصندوق وهو وضع مقلق يتطلب التصحيح من خلال القيام بمسوحات ودراسات أولية تحدد احتياجات كل منطقة ووضع سلم أولويات وخطط تنفيذية تركز على المشاريع الملبية لاحتياجات المواطنين ، فيتم تنفيذ المشاريع وفق رؤية وطنية شاملة مع التركيز على إمكانية توفير معدات الانتاج في الجانبين الزراعي والصناعي وبيان سلم الأولويات لتوجيه الجهود وتسخير الامكانيات في هذا الاتجاه وتمكين البشر للقيام بالمشاريع ذات الجدوى الاقتصادية الكفيلة بتجاوز الضعف الحاصل في البنية التحتية وانعدام الخدمات في المناطق النائية وصولاً إلى تخطي الاختلالات وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية في توزيع المشاريع .
منظمات المجتمع المدني
من الأشياء الخاطئة التي سادت في الأزمنة الماضية الاعتقاد بأن منظمات المجتمع المدني منافسة للحكومة وبنفس المنطق تعاطي النظام السابق وتمت صياغة القانون المنظم للنشاط الأهلي التطوعي ففرض وصاية السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية وتعاطى معها بشكل غير سوي أخضعها للبيروقراطية الخلل السائد في أجهزة الدولة ، والهيمنة والسيطرة الكلية من خلال صياغة نمط واحد للنظام الأساسي تزود به عند طلب الترخيص من الجهة المعنية ، وطالما أن لأجهزة الأمن دور في صياغته فإن المطلوب في النهاية الالتزام به والتقيد ببنوده لنيل الرضا والموافقة على منح الترخيص ، هذا الأسلوب التسلطي أدى إلى:
1 – تأطير النشاط في اتجاه واحد وحال دون الإبداع والابتكار .
2 – عدم تنوع الأنشطة وتراكم الخبرة .
3 – اغتيال النشاط الأهلي ومحاصرة النشطاء وعرقلة قيام المجتمع المدني بدورة المنوط به كرافد للتنمية ، مما حال دون تجذير التحول الديمقراطي بعد أن تحولت الجمعيات إلى هياكل خاوية تتلقى الأوامر وتنفذها ، فالأمن هو المعني بتحديد أنواع النشاط وهو المستفيد في الكثير من هذه الأنشطة مادياً ومعنوياً ، فتكون الهيئة المدنية الأكثر احترام والمسموح لها بالنشاط في مواسم محددة هي الأكثر انقياد وطاعة للأمن، لا الأكثر نشاط وإنجاز ولا الجمعيات والمنظمات التي تعمل بأفق وطني شامل ولديها برامج جادة للإسهام في التدريب والتأهيل وتنمية القدرات وهناك جمعيات ومنظمات ارتكبت خطأً تاريخياً بأن قبلت الانقياد لرغبات وأهداف المنظمات الدولية مقابل الحصول على المزيد من المساعدات ، قبلت بهذا التحول المريب لتصبح قناة استخباراتية لصالح نفس المنظمات تزودها بالتقارير والمعلومات التي تطلبها وان كانت تضر بالوطن والمواطن وإن جسدت رغبات الابتزاز أو التشطير وبث الفرقة استناداً إلى ما تقدم وغيره من الأخطاء والتجاوزات فإن المطلوب ما يلي :
1 – الاتفاق على توصيف ووضع معيار موحد لمنظمات المجتمع المدني .
2 – عدم السماح بالتواصل مع أي منظمات خارجية إلا من خلال قنوات رسمية في الدولة .
3 – وضع إطار عام للأنشطة وتحديد المدة الزمنية التي تفصل كل نشاط عن الآخر ، وأي جمعية تتخلف عن ذلك تسحب الرخصة منها ليكون المعيار هو العمل والإنجاز لا ملفات التجسس وتظاهرات إعلان الطاعة.
4 – جعل المنظمات النوعية نوافذ للعمل لا مجرد هياكل للنهب والسلب كما هو حال الجمعيات الزراعية التعاونية التي أصبحت مجرد واجهة للحصول على الاعفاءات ومن ثم المنافسة في السوق بمواد استهلاكية غير مجمركة لأنه يتم استيرادها كمدخلات للزراعة أو تربية الدواجن وغيره من الافتراءات التي لا وجود لها إلا في الملفات والخطط الوهمية .
الموضوع في هذا الجانب كبير جداً وبحاجة إلى معالجة عملية وصادقة تؤدي إلى رفع كفاءة المجتمع المدني وتفعيل دوره في البناء والتنمية .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله ..