د. هشام محمد الجنيد
اهتم قائد المسيرة القرآنية الأول السيد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – ضمن دروسه ومحاضراته التنويرية بالجانب الزراعي اهتماما كبيرا في البلاد العربية وفي بلادنا على وجه الخصوص وفي إطار النطاق الاقتصادي وغيره من الجوانب الصناعية والعلمية والطبية و.. و.. وانتقد الحكومات التي لا تهتم بالجانب الزراعي – الذي تتوقف عليه عزة الأمة واستقلالها – فحسب، بل تجاهد لتبقي شعوبها عبيدا لأعدائها بترك قوتهم الضروري تحت أقدامهم، وانتقد الأحزاب والعلماء والمثقفين الذين لا يهتمون بالزراعة. وهنا يشير السيد – رضوان الله عليه – في (مكارم الأخلاق : الدرس الثاني) إلى أن كمال الإيمان في مجال مواجهة الأعداء مرتبط به تماما ارتباطا كبيرا الاهتمام بالجوانب الزراعية، فتحقيق الأمة اكتفاءها الذاتي يجعلها قادرة على مواجهة أعدائها، وتقف مواقف مشرِّفة، وتصبح على واقع الحرية والعزة.
وأوضح مؤسس المسيرة القرآنية – رضوان الله عليه – أن من لا يهتمون بالزراعة هم في الواقع لا يحملون الروحية والتربية الجهادية التي تحث عليها الآية الكريمة في قول الله سبحانه وتعالى (لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة من الآية (104)، ولا يدركون خطورة تحركات العدو ووسائل الصراع معه، وبالتالي لم يعد لديهم اهتمام بمخططات الأعداء، ولم يعد لديهم اهتمام حتى بما يشاهدونه ويلمسونه منهم، ولم يعد لديهم اهتمام بما يجب عليهم أن يعملوه ضدهم.
وإذا وضعنا إسقاطاً لهذا المضمون في واقعنا اليمني، سوف يتبين لنا بجلاء تبعات مخططات الأعداء الناتجة عن موالاة المنافقين في السلطة أئمة الكفر في الأنظمة الشيطانية التي طالت أكثر من خمسة عقود في الشمال (سابقا) باستثناء فترة حكم الشهيد الحمدي – رحمة الله تغشاه – وأدت بأسلوب ممنهج ومنظَّم من قبل الحكومات المتعاقبة إلى إفقاد عامة الشعب الهوية الإيمانية، وبالتالي أدت إلى سهولة اتباع توجيهات الأعداء وهيمنة أدواتهم ومنها الصندوق والبنك الدوليين في الشأن اليمني الاقتصادي والمالي والإداري والاجتماعي، ومن هذه النتائج والتبعات على سبيل المثال لا الحصر: تحويل اليمن من بلد مستقل وحر إلى بلد تابع وذليل، وتحويل اليمن من بلد مكتفٍ ذاتيا في المنتجات الزراعية إلى بلد يعتمد على الواردات الخارجية وعلى وجه الخصوص مادة القمح، إضافة إلى الآثار السيئة لاستعمال المستوردات من المبيدات السامة والبذور.
ومن مظاهر غياب الإحساس بالروحية الجهادية هو التفريط والتخلي عن تبني الدولة سياسة زراعية وطنية ناجعة كفيلة بتغطية المنتجات الزراعية الوطنية الطلب المحلي، وقادرة على التصدير، وغياب وجود توجه وطني يهتم بتوثيق وتدوين علم الزراعة من واقع التاريخ اليمني في مختلف المحافظات وتدريسه – إلى جانب العلوم الحديثة في المجال الزراعي – في المؤسسات والمعاهد الزراعية من جانب- على سبيل المثال لا الحصر- الأوقات والفصول الشمسية وعلاقتها بمواعيد زراعة مختلف منتجات البلدة الطيبة.
أجهض النظام السابق في الشمال (سابقا) تجربة مكاتب الإرشاد الزراعي في جميع المحافظات والأرياف، ولم يعط أدنى اهتمام لدوره المباشر في قيام الجهات والهيئات الزراعية المعنية باستصلاح الأراضي الزراعية مثل الجوف ومارب وسهل تهامة وغيرها من المناطق الزراعية، لم يقم بتوفير الآلات والمعدات الزراعية اللازمة، ولم يستفد حتى من تجارب الدول الأخرى الزراعية مثل سوريا، نظرا لنجاح سياستها الزراعية وتميز طرق تعاملها مع المزارعين، بل وقف هذا النظام حجرة عثرة بغياب تشجيعه القطاع الخاص وغياب تقديمه التسهيلات الزراعية له لزراعة القمح والشعير والذرة وغيرها من الحبوب بما يؤدي إلى الاكتفاء الذاتي والتصدير.. غياب سياسة زراعية وطنية كفيلة بتوفير ثروة حيوانية من خلال الاهتمام بمزارع الألبان.. غياب قيام الدولة عن منع تصدير صغار المواشي من العجول.. غياب اتخاذ الدولة إجراءات صارمة إزاء ذباحة العجول الصغيرة – هذا الأسلوب ربما ممنوع في كل دول العالم عدا اليمن، لضعف أو غياب العناصر البروتينية وغيرها من العناصر اللازمة لأغراض الفائدة الصحية الناتجة عن عدم تناولها مختلف الأعلاف والمرعى وعن عدم تعرضها للشمس و.. و.. إلخ، ناهيك أن ذباحة العجول في سنها الشرعي ستؤدي ربما خلال عام إلى زيادة كميات اللحوم المباعة في الأسواق ورخصها.
لقد أدت الأوضاع الزراعية الرديئة وغيرها من الأوضاع ومنها أوضاع المجال العلمي والصناعي والطبي والعسكري إلى إيصال اليمن إلى مستوى الضعف العام وعزل الشعب اليمني عن تاريخه الأصيل وعن هويته الدينية، وقد مثلت تلك الأوضاع أحد الدوافع الرئيسية لتأسيس السيد حسين – رضوان الله عليه – المسيرة القرآنية، وكانت في الزمان والمكان المناسبين لإنقاذ وتنوير الشعب اليمني بل والأمة الإسلامية من المخططات الأمريكية الإسرائيلية.
وبناء على ذلك فالهدف الرئيسي للعدوان على بلادنا هو القضاء على منهجية المسيرة القرآنية، لإعادة اليمن إلى مربع التبعية والوصاية السعودية الإسرائيلية الأمريكية، لفرض الأقاليم وواقع التشتيت والتمزيق والحروب المستمرة، وإنهاء التوجه لبناء اليمن الحديث، وبالتالي نسيان وشطب فكرة مشروع وبناء الدولة العادلة القوية في إطار أمة إسلامية موحدة وعلى ضوء المنهج القرآني.
ولكن بفضل الله وفضل السير على منهجية المسيرة القرآنية حققت القيادة الحكيمة والقوات اليمنية المشتركة انتصارات في المجالات الميدانية والأمنية والسياسية والاقتصادية. وهناك توجهات زراعية وطنية نجحت في ظل العدوان وحققت نتائج مثمرة في زراعة القمح والفواكه.. والرؤية الوطنية هي إثبات عملي لمصداقية المسيرة القرآنية تحت قيادة علم الهدى السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.. نصره الله- وهي توجه وطني جاد تجسد إخلاص المجلس السياسي الأعلى ضمن مسؤولياته الوطنية بقيادة فخامة الرئيس المشاط، وهي خير دليل على التحدي والصمود للوقوف في وجه الحرب الاقتصادية، فهي إذن مسار وتوجه وطني جاد لبناء اليمن الحديث ومن منطلق قرآني، ومن أولويات الأهداف الاستراتيجية للرؤية الوطنية (2019م – 2030م) رسم سياسة زراعية وطنية كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي والتصدير لأجل عزة اليمن وحريته.
الوسومالتوجه الوطني نحو الزراعة من ثمار المسيرة القرآنية مقالات هشام الجنيد
شاهد أيضاً
الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون
المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...