احمد ناصر الشريف
بعد ان فرضت السعودية ما أصطلح عليه بالمبادرة الخليجية التي تقدم بها المؤتمر الشعبي العام لتقاسم الحكم بين القوى السياسية واجهاض ثورة الشباب التي اندلعت ضد النظام عام 2011م ظل الاعلام السعودي يمن على اليمنيين بماتقدمه السعودية من مساعدات للشعب اليمني ضرته اكثر مما نفعته فقمت يومها بكتابة هذا المقال ونشرته في صحيفة : الجمهورية ردا عليهم.. وقد استحسنت اعادة نشره لأن الظروف التي دفعتني لكتابته مازالت قائمة اضافة الى مايتعرض له الشعب اليمني من عدوان ظالم تقوده السعودية للعام الخامس على التوالي وكله يندرج في اطار مساعدة السعودية لليمن.. الى المقال:
(كم بودنا لو أن جيراننا في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم السعودية أن يتعاملون معنا على أساس المثل الصيني الرائع: (لا تعطيني سمكاً ولكن علمني كيف أصطاد السمك!) لأراحوا أنفسهم وأراحونا.. فلا نريد منهم قروضا ولا مساعدات ولا تسهيلات للعمالة اليمنية ولا الموافقة على قبول اليمن عضوا في مجلس التعاون الخليجي.. وإنما نريد منهم ان يفتحوا لنا أسواقهم بنية طيبة ونحن اليمنيين بفضل ما تمتلكه اليمن من خيرات ومساحات خصبة من الأرض الزراعية وتعدد المناخات مستعدون أن نغرقها بالفواكه والخضروات وبعض المنتجات الزراعية الأخرى والأسماك بأسعار أقل بكثير من تلك التي يدفعونها مقابل استيرادها من دول بعيدة مثل: أمريكا والهند وتركيا وغيرها من الدول.. ومن حقهم أن يضعوا شروطا لمواصفات الجودة كما يريدون.. فالمزارع اليمني في هذه الحالة عندما يتأكد أن ثمرة جهده ستجد لها رواجاً وأسواقاً تباع فيها سوف يلتزم بأية مواصفات للجودة يتم تحديدها له.
وبذلك يكون جيراننا في دول مجلس التعاون الخليجي قد تعاملوا مع جيرانهم في اليمن وفقا للآية الكريمة: (الأقربون أولى بالمعروف) وفي نفس الوقت ستعود العمالة اليمنية إلى بلادها- والتي تسبب لهم وجع رأس وصداعاً مزمناً لم يستطيعوا التخلص منه حيث يعاد إلى اليمن يوميا المئات من العمال المرحلين لأسباب متعددة – لتزرع أرضها المباركة وتمول الأسواق الخليجية بكل مالذ وطاب من الفواكه والخضروات التي تنتجها ارض السعيدة وما أكثرها.. لكن لأن العين حمراء على اليمن وشعبها إضافة إلى وجود نوع من التخوف من استقرار اليمن وبناء دولة وطنية حديثة فيه يسودها النظام والقانون يتعايش في ظل رايتها الجميع سواسية في الحقوق والواجبات فإن البعض – لا يريدون لليمن أن تستقر بحيث تبقى ضعيفة وممزقة ويظل الشعب ماداً يديه إلى الغير حتى لا يستغني عن مساعداتهم وهي مساعدات تضره اكثر مما تنفعه بفعل ما يرافقها من منٍ وأذى ..مع إن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم:( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى) وللأسف الشديد انه يوجد من أبناء جلدتنا في الداخل اليمني من لا يريد لبلده أن تستقر بحكم تعوده المتاجرة بمشاكلها وقضاياها ويستلم مقابل ذلك ثمنا بخسا من الخارج والداخل بدليل مايقوم به هذا النفرمن تعاون مع من يعملون ضد بلدهم ضمانا لاستمرار مصالحه وهي أعمال تتنافى مع ما عرف عن المواطن اليمني عبر تاريخه من أخلاق عالية وتقاليد عريقة مستمدة من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف والتي تعكس الشهامة العربية الأصيلة وهذا يؤكد أنها تصرفات وافدة ودخيلة على مجتمعنا اليمني.
كما أن هناك جماعات يعرفها الشعب اليمني جيدا يستلمون موازنات ثابتة تصرف لهم شهرياً وسنوياً من الخارج وخاصة من السعودية في سبيل وقوفهم حائلا دون تطور اليمن وتقدمها.
ونظرا لحجم هذه المبالغ الكبيرة التي تصرف لهم بالعملة الصعبة لو تم رفد الموازنة العامة بها من مصدرها الأساسي ووظفت التوظيف السليم لتم حل كل مشاكل اليمن الاقتصادية.. وهنا يطرح السؤال نفسه: هل تقوم حكومات اليمن المتعاقبة من خلال استشعارها للمسؤولية التي وضعها الشعب اليمني على عاتقها بالبحث عن حلول لإخراج اليمن من أزماتها والطلب من دول الجوار فتح أسواقهم أمام منتجات الأرض اليمنية التي اذا ما وجدت من يشتريها وأصبحت مربحة للمزارع اليمني فإنها ستصبح منافسا قويا لشجرة القات التي كانت وماتزال سببا في تأخرنا وتشكل منبعاً للفساد وضياع الوقت وإهداره في مضغها؛ واذا ما وفق المزارع اليمني بوجود أسواق لبيع منتجاته فإن شجرة القات ستتلاشى تدريجيا وتنتهي من حياتنا إلى الأبد.
أما اذا ظلت حكوماتنا منشغلة بالتقاسم الوظيفي بين أعضائها من ممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية المشاركة فيها فهذا التصرف غير المسؤول يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث عقب قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو1990م حيث ضاع وقت حكومتها خلال السنوات الأولى من عمر الوحدة في تقاسم الوظائف وسياسة المراضاة لينفجر بعد ذلك الوضع برمته وإذا ما لم نحسن التعامل مع الفرص المتاحة واستغلالها جيداً فإنها لن تعوض أبداً حتى بعد عشرات السنين.. ولذلك نقول لكل القوى السياسية خاصة تلك التي رضيت أن تكون شريكة في تحمل المسؤولية إننا بحاجة إلى إدارة واعية تعمل على تغليب مصلحة اليمن أولاً وان تركز على مشاريع البناء والتنمية للشعب كله لا أن تعمل على تنمية الذات الحاكمة كما كان يحدث في السابق حيث تحول الشعب اليمني إلى طبقتين أحداهما وهي الأقلية تتمتع بغنى فاحش والغالبية العظمى تعيش تحت خط الفقر وهو ما جعل الطبقة الوسطى التي تشكل أماناً تختفي تماماً.
بقي ان نقول إن حل مشاكلنا الاقتصادية وبناء دولتنا الحديثة يعتمد على انفسنا أولاً وأخيراً وليس على مساعدة الخارج لنا.. وعلينا أن نعتبر بما عانيناه خلال العقود الماضية بسبب اعتمادنا على غيرنا ولا نريد لهذه التجربة المريرة أن تتكرر خاصة بعد أن قدمت لنا هذه الفرصة على طبق من ذهب للخروج مما نحن فيه وأصبحت الكرة في مرمى اليمنيين جميعا شعبا وحكومة وقيادة واعني بذلك الاستقلال بقرارنا السياسي الذي ظل مرهونا عقودا طويلة بيد الخارج .. وكان الله في عون اليمن وشعبها.