سلط تقرير لموقع “Lobe Log” الأمريكي الضوء على الكارثة التي وضع ابن زايد السعودية فيها، بانسحابه من حرب اليمن وتركه ابن سلمان وحيدا عقب تعقد الأمور وهجمات الحوثي القوية على المملكة.
وفي الثامن من يوليو الماضي، أعلنت الإمارات انتقالها من استراتيجية «القوة العسكرية أولاً» التي تتبعها في اليمن، إلى انتهاج موقفٍ دبلوماسي. فضلاً عن إعادة توزيع وتقليص عدد القوات هناك.
وتُسلِّط الخطوة الإماراتية تلك الضوء على المشكلات الخطيرة في التدخل المستمر باليمن، وهو التدخل الذي انتهجته الإمارات والسعودية منذ مارس عام 2015.
ومن ناحيةٍ أخرى، تُشير تلك الخطوة إلى اختلافاتٍ حول الكيفية التي ينظر بها كلا البلدان لمساعيهما المشتركة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهي المساعي التي اعتبرها البلدان ضروريةً لمنع مجال النفوذ الإيراني المستقبلي في شبه الجزيرة العربية.
ويأخذ هذان الاعتباران أهميةً خاصة اليوم، مع وصول الحرب في اليمن إلى طريقٍ مسدود، وإصرار الحوثيين الواضح على الوصول بها إلى أهداف عسكرية ومدنية داخل السعودية نفسها، وفي الإمارات العربية المتحدة أحياناً.
وبالنظر إلى التحدي الحوثي الخطير على الحدود مع السعودية، فلا يمكن أن يُعَدَّ تحرك الإمارات هذا تطوراً إيجابياً بالنسبة للمملكة.
وفي الواقع، يُقال إن المسؤولين السعوديين خاب أملهم، وأنهم «توسطوا لدى الزعماء الإماراتيين في محاولةٍ لإثنائهم عن الانسحاب».
ومع فشل ذلك، تولت القوات السعودية القيادة في مدينة الخوخة ومدينة المُخا المرفئية إلى الجنوب منها، وبعثوا بقواتٍ إلى مدينة عدن الجنوبية، وجزيرة بريم المجاورة في مضيق باب المندب الاستراتيجي.
ومن الناحية الاستراتيجية، فإن الاستبدال والاستحواذ السعودي على هذه المواقع العسكرية المهمة، يعني أن الانسحاب الإماراتي أشد خطورةً مما أُعلِنَ عنه بالأساس.
إذ يهدد إخلاء الإماراتيين للقواعد العسكرية، الموجودة على شاطئ البحر اليمني، بفتح المنطقة لعمليات التسلل والتخريب، بغض النظر عن تأثير الحصار البحري الحالي الذي فرضته قوات التحالف بقيادة السعودية على الجزء الغربي من البلاد.
علاوةً على ذلك، سيؤدي الانسحاب من جنوب اليمن إلى كشف الغطاء الذي تمتَّعت به العديد من الميليشيات التي رعتها الإمارات، فضلاً عن فتحِه إمكانية التنافس والصراع فيما بينها. إذ أدَّى التدخل الإماراتي، وغزو عدن وغيرها من المناطق، إلى تحفيز الانفصاليين الجنوبيين الذين تعثرت جهودهم في السابق. إذ استولى «المجلس الانتقالي الجنوبي» الحالي، بقيادة عيدروس الزبيدي -حاكم عدن السابق الذي أقيل من منصبه بواسطة الرئيس منصور هادي عام 2017-، على مهام الحكومة في عدن لأسباب عملية. ويُخطط المجلس الآن لتطبيق حق تقرير المصير.
ودعمت الإمارات مليشيات مثل قوات «الحزام الأمني»، وقوات «النخبة الشبوانية»، و»النخبة الحضرمية»، التي تُعَدُّ جميعها جزءاً من الجيش اليمني صورياً، إلى جانب كتائب «ألوية العمالقة» و»أبو العباس» السلفية، بالإضافة إلى عناصر سابقة من قوات «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» التي زالت من الوجود عام 1990.
هذا بالإضافة لمحاولتها مرتين، في عام 2018 وعام 2019، السيطرة على جزيرة سقطرى اليمنية النائية في المحيط الهندي، حيث تحتفظ بقاعدةٍ عسكرية داخلها.
ويرى التقرير أن الدافع الأكثر منطقية لانسحاب الإمارات هو الابتعاد عن معركةٍ تبدو مسدودة الأفق، ضد خصمٍ عازمٍ على الحرب. ومع ذلك، يرى صناع القرار الإماراتيون أن هذه الحرب التي يصعب الفوز بها تقل وطأتها بالمغانم، التي تحقَّقت في صورة تكوين أصدقاء في جنوب اليمن، فضلاً عن حقيقة أنه من غير المرجح أن تحرم السعودية حلفاءها الإماراتيين من الوصول إلى المرافق البحرية في المنطقة. علاوةً على ذلك، وقد يكون لتباطؤ الاقتصاد الإماراتي الحالي تأثيره الخاص على القرار.
هناك شيءٌ واحد مؤكد بعد قرار الإمارات: وهو أنَّ السعودية في مأزق، إذ لا يمكنها أن تواصل تدخلها في اليمن إلى الأبد دون شركاء يُعتمد عليهم، ومسلحين بالمعدات العسكرية اللازمة، مثل الإمارات، ولا يمكنها أن تجمع قواتها وترحل ببساطة، لأن ذلك سيكون بمثابة هزيمة استراتيجية من شأنها أن تُمكِّن الحوثيين من بسط نفوذهم بالكامل على شمال اليمن، دون خطرٍ يهددهم.
لأمر باختصار هو أن السعودية ربما تعيد التفكير اليوم في العلاقة التي نشأت بين ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد، باعتباره القوة المؤثرة والداعمة. إذ ستُثار أسئلةٌ صعبة حول هذه العلاقة، وقيمة التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وقدرة السعودية على التعاون مع أصدقاء الإمارات في جنوب اليمن، والعديد من القضايا الأخرى التي تعاونت فيها الدولتان من قبل.
ومهما يكن، فإن إعادة الانتشار السعودي في المناطق التي أخلتها الإمارات في الجنوب قد تحدث تطورات عسكرية أو دبلوماسية أخرى.