الثورة نت/ عبدالملك العجري
قلنا في المقال السابق ان هناك مستويين للجزاء مستوى عاجل ومستوى اجل من الثواب(الجنة) والعقاب (النار)ومثلما ان العمل الصالح يحقق النعيم في الاخرة فانه كذلك يحقق مستوى من النعيم والرفاه ورغد العيش العاجل في الدنيا ..الم يخبرنا القران بانه “ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ” وقال تعالى ” فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا “..كل هذا النعيم والجنات والعيش الكريم والامن والبذخ والسعادة يقدمه القران مكافئات عاجلة لجمهور المؤمنين .. لكن هذا يولد في الذهن عدد من التساؤلات من مثل :
ما هو موقع الاعمال الصالحة لغير المؤمنين والإعمال التي حققت خدمات كبيرة للبشرية وحققت مستوى متقدم من الرفاه والتقدم الهائل في كل المجالات الإنسانية؟
كيف نجحت كثير من الشعوب الاقتراب من تحقيق النعيم العاجل مع انها غير مؤمنة بل وتتباهي حضارتها بالإعلان عن “موت الرب”؟
لماذا لم يمنعها هذا الموقف من الدين وإعلان التمرد على الرب من تحقيق كل الامتيازات التي وعد الله بها المؤمنين من نصر وغلبة وتمكين وتفوق وقوة وعزة ومنعة وحياة كريمة؟
ما أثر انفصال العمل الإنساني عن التعلق بالسماء في قدرته على تحقيق نتائج إيجابية تخدم البشرية؟
ولماذا الشعوب الإسلامية التي هي الاكثر تمسكا بدينها هي الأكثر تخلفا؟
قبل ان ندخل في المناقشة التفصيلية للتساؤلات السابقة نشير الى فكرتين الى كمدخل تمهيدي الأولى :هي ان الترابط الموضوعي بين الفعل الإنساني وبين نتائجه سنة وناموس كوني يستوي فيه المؤمن وغير المؤمن في تحقيق اصلاح الأرض وعمارتها او في تخريبها وافسادها , ومنظومة القيم الأساسية التي أوصى بها الأنبياء المؤمنين هي قيم إنسانية مشتركة وقيم هدفها تحقيق السعادة وإصلاح الاجتماع الإنساني وعلى قدر نجاح الأمم في التزام هذه القيم وتنفيذها في واقعها تقترب من تحقيق مجتمع صالح ومنتظم وقدرة هذه القيم على تحقيق نتائجها لا تتوقف على تحقق شرط الايمان وان كان انفصالها هذه القيم عن الاله يؤثر على سمو ونبل دوافعها و قدرتها على تحقيق افضل النتائج مستوى تحققها وسنناقش ذلك في تقييم تجربة الحداثة الغربية ,وبالمثل لا يغير الانتماء الرسمي للدين من النتائج السيئة للسلوك الإنساني السيء لأنها قيم ذاتية نابعة من الاعمال ذاتها لا تختلف نتائجها باختلاف الهوية الدينية لفاعلها كما سياتي في نقد اخفاق التجربة الإسلامية وعجز الشعوب الإسلامية عن الحد الأدنى من الامتيازات والمكافئات التي وعد القران بها المؤمنين .
والقضية الثانية في كتب التراث الإسلامي ارجع عدد من المفكرين والعلماء منظومة القيم الدينية للحكم على الفعل الإنساني وتمييز الحسن والقبيح الصالح والفاسد الى اربع قيم جذرية او ام لكل القيم الأخرى .. قيمتان اصليتان تعدان جذرا لكل القيم والافعال الحسنة الفرعية الأخرى كالحرية والمساواة والاحسان هما العدل والصدق ,وقيمتان اصليتان تعدان جذرا لكل القيم السيئة او تشتق منها كل القيم والافعال السيئة او القبيحة هما الظلم والكذب.
العدل مقولة أخلاقية كلية تنظم كل اشكال وانماط العلاقات الفردية والجمعية السوية والصالحة في ابعادها الثلاثة العلاقة بين الانسان والله والعلاقة ابين الانسان الفرد وأخية الإنسان والعلاقة بين الحاكم والمحكوم،اما الصدق كمقوله أخلاقية كلية فهو السردية التي تصف وتفسر العلاقات العادلة في ابعادها الثلاثة معتقدات تصورات أفكار رؤى ..الخ فالصدق هو ايدلوجيا العلاقات العادلة و والعلات العادلة هي التي تقوم على تصورات صحيحة وصادقة . و هما من العموم بحيث تغطيان كل مظاهر السلوك الإنساني الصالح.. الحرية والمساواة والإحسان لا تتحقق الا في العلاقات العادلة،
والظلم كمقولة كلية تشمل كل مظاهر وانماط العلاقات الفردية والجمعية المختلة في ابعادها الثلاثة السابقة والكذب كمقولة كلية هو السردية التي تبرر اختلال العلاقات في أحد ابعادها الثلاثة او فيها كلها سواء معتقدات او تصورات أفكار رؤى ..الخ فالكذب هو أيديولوجيا الظالم تقوم بتشويه فهم العلاقات الإنسانية وتشعن علاقات الهيمنة الاستبداد هو شكل من اشكال العلاقات الظالمة والمستبد يحتاج لتزييف الوعي وتقديم تصورات خاطئة تقدم هذا الشكل من العلاقة على انها امر طبيعي .
ومن ثم فان اي مجموعة إنسانية كلما كانت تجربتها قائمة على العدل والصدق في الممارسة والتصور في ابعادها الثلاثة الانفة كانت اقدر على تحقيق نتائج افضل وبقدر ما تختل في احد ابعادها تتأثر نسبيا او كليا قدرتها على تحقيق مجتمع انساني عادل و حر وتحقيق حياة كريم
و في المقال التالي الخطأ الذي وقعت فيه السردية الإسلامية الرسمية لطبيعة العلاقة بين الابعاد الثلاثة واثرها على اخفاق التجربة الإسلامية التاريخية وعجز الشعوب الإسلامية .وكيف سقطت الحداثة الغربية نتيجة لانفصال قيمها عن الاله في الشيئية والنظرة التسليعية للعالم بما في ذلك الانسان وكيف ان إزاحة الرب عن موقعه في مركز الكون وإعلان موته لادى في النهاية الى موت الانسان وكذلك اثرها على تضخم الذات والمركز الغربية الاستعلائية وتكريس التفاوت بين الشعوب و النزعة الاستعمارية والحدود الجغرافية لقيمها.