> العامل الأساسي الذي أوقف خطورة التضليل الاقتصادي والضلالة وبنفس الوقت كان أساسا للتوجه نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة هو السير على المنهج الذي رسمه الشهيد القائد
د / هشام محمد الجنيد
لقد أنار روح الله الشهيد القائد / حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه في درس (لتحذن حذو بني إسرائيل) بأن الأعداء : (من أهل الكتاب من اليهود والنصارى اشتروا الضلالة ، نبذوا الكتاب وراء ظهورهم ليستبدلوا به الضلالة ، وأنهم بنفس الوقت يريدون من الآخرين أن يضلوا) قال الله تعالى في سورة النساء (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) الآية (44) . وأوضح روح الله رضوان الله عليه : (فلنرجع لنتلمس آثار إضلالهم في واقع حياتنا ، تلك نقطة عرفنا .. قضية بيع الدين بالدنيا . أليست هي السائدة في أوساط المسلمين ؟ . هناك فيما يتعلق أيضا بجوانب كثيرة لأن عبارة الضلالة تعني أنهم عندما يريدون أن نضل السبيل كل وسيلة سيسلكونها .) . وقد استخدموا كل الوسائل والمؤامرات . ومن القرآن الكريم فضح الشهيد القائد الكثير من مؤامرات الأعداء في مختلف المجالات . ومن مظاهر هذه المؤامرات التضليل السياسي ، لإخفاء وجوب تركيبة النظام السياسي على أساس مبادئ الدين السياسية ، لإخفاء واجبات نظام الولاية . حتى يسهل للأعداء من خلال المنافقين في النظام سهولة تمرير مخططاتهم ومنها التضليل الاقتصادي ، ومن أجل سوء تدبير الدولة الشأن الاقتصادي والمالي وفي ظل استشراء الفساد المالي والإداري ، وهو الأمر الذي أدى تلقائيا إلى بقاء البنية الاقتصادية ومختلف المجالات ضعيفة . وعلى هذا الأساس علينا أن نعرف من هم الأعداء ؟ . أن نعرف ماذا صنع هذا العدوان في بلادنا إزاء الشأن الاقتصادي ومن بوابة إخوانهم المنافقين في السلطة ؟ . أن نعرف ما هي الأهداف التي يسعى إليها هذا العدوان الإجرامي من وراء مخططات التضليل الاقتصادي ؟ . وعلينا في المقابل أن نعرف ماذا يجب علينا كمؤمنين أن نعمله ؟ . وكيف علينا أن نواجه مخططات الأعداء الاقتصادية وغيرها ونصدها لكي نبني دولة مدنية حديثة قوية اقتصاديا لا بل قوية في مختلف الميادين ؟ .
سخر النظام السابق السياسة الاقتصادية في مسارات وسبل متعارضة مع المبادئ والأسس الاقتصادية الإسلامية نتيجة موالاته الأنظمة الرأسمالية الغربية وعلى رأسها أمريكا ، حيث أبرمت الحكومة اليمنية في مطلع شهر مارس من العام 1995م مع ممثلي الصندوق والبنك العالميين – التابعة معظم أرباحهما لليهود الأعداء للإسلام وللإنسانية – اتفاقا يفضي إلى تطبيق برامج هيكلية اقتصادية ومالية وإدارية . وتتجلى سياسة التضليل الاقتصادي في أن ظاهر هذه البرامج والتوصيات (الإكراهات) تهدف إلى معالجة الاختلالات الهيكلية المشار إليها ، بينما هي في باطنها وواقعها تهدف إلى تكريس الاختلالات في التوازنات الاقتصادية والمالية والإدارية . وهو الأمر الذي ألقى بظلاله على بقاء الجوانب العسكرية ضعيفة والتوازنات الاجتماعية غائبة ، وأبرز مظاهر هذه الأخيرة هو ديمومة ظاهرة الفقر واستمرار انتشارها .
ومن مظاهر سياسة التضليل الاقتصادي التي فرضتها الأنظمة العدوانية الرأسمالية والمؤسسات المالية الدولية التابعة لها وتحت سقف النظام أن جعلت توجه الدولة الاقتصادي قائما على أساس الحرية الاقتصادية ووفق نظام رأسمالي ديكتاتوري احتكاري مبررة في ذلك أن القطاع الخاص فقط هو الكفيل بأعمال البناء والتنمية الاقتصادية . وقد كان واضحا التضليل الاقتصادي في توصيات هذه المؤسسات وفي السياسة الاقتصادية للدولة ووسائل الإعلام الرسمية ، حيث لم يقم القطاع الخاص بدوره بالتنمية الاقتصادية للبلد ، ناهيك عن أن استثمارات هذا القطاع محصورة في مجالات خدمية وانتاجية غير استراتيجية وذات طابع استهلاكي وربحي سريع ، وهو الأمر الذي أدى إلى عدم تنوع وتوسعة وقوة الناتج المحلي الإجمالي وأدى إلى ضعف حاد للصادرات الوطنية . وعلى هذا الأساس لا يمكن للقطاع الخاص الإقلاع بالمشروع الاقتصادي والتنموي كما كان مرسوما له شكلا . والأهداف الكامنة من وراء هذا التوجه التضليلي هي : تجريد الدولة من مسئولياتها الاقتصادية الواجبة عليها لبقائها في دائرة التبعية والضعف الاقتصادي والعجز المالي المزمن ، ولسيطرة المتنفذين والشركات الأجنبية على القرار السياسي والاقتصادي وعلى الثروات السيادية (السيطرة على المال العام) ، ولاحتكارهم أيضا أهم أنشطة القطاع الخاص الإنتاجي والخدمي والتجاري ، ولبقاء ظاهرة الفقر وزيادة توسعها وضعف القدرة الشرائية . وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى رسوخ التخلف والضعف العام للدولة والمواطن .
إن مخطط بقاء الدولة ضعيفة في مختلف الأصعدة كان عملا عدوانيا مدروسا وممنهجا من مختلف الزوايا ، مخطط يساعد الأعداء وفق حساباتهم على سهولة تنفيذ مخططاتهم التدميرية الفتنوية في فترات لاحقة وعن طريق مليشيات الفكر الوهابي داعش وأخواتها والجماعات المسلحة وأذنابهم المرتزقة في السلطات والأحزاب ، وهي التي بدأت منذ العام 2011م . ما يعني أن هناك تنسيقاً وتكاملاً بين مخططات وأهداف العدوان التالية : مخططات وأهداف سياسة صناعة الأصوليين المتطرفين الإرهابيين ومخططات وأهداف السياسة الرأسمالية الاحتكارية ومخططات وأهداف أدوات أنظمة الدول الرأسمالية الغربية – ومنها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرها من المنظمات الدولية – وغيرها من السياسات والمخططات والأهداف العدائية الهادفة إلى إطفاء نور الله (الإسلام) وسلب ثروات الشعوب وحرياته وقتل المجتمعات والشعوب الإسلامية . وقد كان وما زال تركيز الأعداء اليهود الفاسقين بوجه خاص على اليمن وعلى الشعب اليمني.
وتماشيا مع هذا الاتجاه اللا وطني الهادف إلى بقاء المركز المالي للدولة ضعيفا وضمن برامج الصندوق والبنك الدوليين ، فقد تم تفويت منشآت حكومية تابعة للقطاع العام وبيعها للقطاع الخاص تنفيذا لتوصيات ممثلي المؤسسات المالية الدولية في خصخصة المنشآت العامة والاعتماد على استئجار الدولة منشآت حكومية إدارية ، وكأن الدولة غير قادرة على بناء منشآت ومبانٍ حكومية ! . ومن منشآت القطاع العام التي لم يتم تفويتها ، فقد تم إهمالها وتجاهل تطويرها بل وإيقافها . ومن المؤسسات التي لم تخضع لمسطرة نقلها بالبيع من القطاع العام للقطاع الخاص ، فقد كان مستوى التسيير المالي والإداري لها متدنيا جدا ويشوبه الفساد المالي والإداري ، والغاية تصب في ذات الهدف العام وهو الصد عن التوجه الاقتصادي والتنموي لبقاء الاختلالات في التوازنات الاقتصادية المالية للدولة قائمة بصورة مستمرة . إذن الغاية من التفويت والإهمال ومحاربة التطوير والاستئجار تصب في ذات المسار العام للتضليل الاقتصادي بجعل المركز المالي للدولة ضعيفا حتى لا يكون هناك مجال للاهتمام بتطوير الجوانب العسكرية ومعالجة الاختلالات في التوازنات الاجتماعية لمكافحة الفقر وغيرها . وتنفيذ تلك الأهداف كان ضمن فلسفة عامة فحواها هيمنة الفساد المالي والإداري وتخلي النظام عن توجهه الوطني نحو مشروع بناء الدولة .
ومن القطاعات التي لم يتم خصخصتها مثل قطاع الكهرباء ، فيرجع الأمر إلى خوف كبار التجار من المغامرة في الاستثمار في هذا القطاع لصعوبة حماية خطوط الكهرباء الرئيسية في ظل ضعف الملف الأمني وغيرها من العوامل . إلا أن أساليب الالتواء كانت واضحة من قبل المتنفذين على القرار السياسي والاقتصادي من خلال استئجار الدولة طاقة كهربائية من مولدات تابعة لذات المتنفذين على السلطة في سياسة هادفة ومشجعة بشكل غير مباشر من الدولة إلى استغلال المتنفذين عائدات النفقات بأضعاف المرات مما كان يجب إنفاقه إذا كانت المولدات تابعة للدولة . وهل كانت هذه الأخيرة عاجزة عن شراء مولدات ؟! . والغاية من هذه الطرق الإلتوائية تصب في ذات الهدف العام وهو إبقاء الوضع الاقتصادي والمالي متدهورا وضعيفا ضمن سياسة عامة مبطنة هادفة إلى محاربة التوجه نحو بناء دولة مدنية حديثة .
ومن أوجه التضليل الاقتصادي على سبيل المثال لا الحصر : في قطاع الكهرباء وبحسب المعلومات أن إيرادات الكهرباء وفقا للقانون كانت لا ترحل إلى خزينة الدولة ، وهو ما يعني فسادا منظما وممنهجا . لأن الأصل في هذا القطاع كونه ضمن الاستثمار العام أن ترحل عائداته أو نسبة منها للخزينة العامة . ناهيك عن الإهمال المتعمد في هذا القطاع في إيرادته وفي خدماته الرديئة وفي الحجم الضئيل المخزي للطاقة المتولدة ، فهو معيار فاضح ودال على غياب وجود إرادة حقيقية للدولة في مجال الصناعات الوطنية وغيرها من مسائل التنمية . أي يصب في ذات فلسفة التوجه العام للدولة المتضمنة غياب الإرادة الحقيقية للتوجه نحو مشروع بناء الدولة . والهدف من هذا الفساد الممنهج في هذا القطاع كنموذج لبقية القطاعات التي شهدت فسادا منظما وتحت رعاية الدولة وبأساليب غامضة في التنظيم هو لإبقاء المركز المالي للدولة في حالة عجز مزمن ، لإبقاء الاقتصاد الوطني ضعيفا .
ودون التطرق إلى تفاصيل مكامن الفساد المالي والإداري المهولة في القطاعات النفطية والغازية والسمكية من زاوية سياسة التضليل الاقتصادي للأنظمة العدوانية وأتباعها المنافقين في السلطة ، ققد كانت مؤامرات الأعداء تبدو واضحة في هذه القطاعات من خلال العقود ، فما هو على الواقع ليس كما هو على العقود . حتى مضمون العقود هو بيع وتنازل الدولة عن ثروات الشعب لشركات الأنظمة الرأسمالية العدوانية . حيث لم يحرص النظام على تسخير سلطاته إزاء استغلال وتنظيم الثروات الوطنية كما يجب أن تكون لقوة وحداثة الدولة المدنية ولمنفعة الشعب ، بل حرص على حرمان الشعب من التمتع بثرواته ، حرص ذلك النظام على تسخير الشعب في خدمة المتنفذين في الحكومة ، حرص على استغلال الأعداء للثروات الوطنية . وما زالت الأنظمة الرأسمالية العدوانية حتى الوقت الحاضر تستغل هذه القطاعات وعائداتها لسيطرتها على المحافظات الجنوبية والشرقية ولسيطرتها على المياه الإقليمية الوطنية في البحر الأحمر ، وتمثل هذه النقطة أهم العوامل الرئيسة في ارتفاع حدة الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة إلى هذه المستويات التي نعيشها .
كانت المحصلة العامة للسياسات التضليلية الاقتصادية المنفذة أن أصبح رأسمال المتنفذين بل أحد المتنفذين يمتلك أكثر من احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية ، ليصبح تدويل المال العام تحت سيطرة الأغنياء المتنفذين على السلطة ، الأمر الذي ترتب عليه غياب هيبة الدولة بغياب عدالة الحكم واتباعها سبل الأعداء والإضلال عن سبيل الله . حيث ظل حجم احتياطي الدولة من العملات الأجنبية سنويا في حدود أربعة إلى ستة مليارات من العملات الأجنبية ، وحجم هذا الرصيد يشكل نسبة زهيدة جدا من حجم الفساد المالي المهول سنويا الذي يتوزع على المسيطرين على ثروات البلاد خارجيا وداخليا وتحت غطاء إعلامي رسمي تضليلي نفاقي مفاده الدولة تخدم الشعب ! .
إن تلك الأوضاع قد أكدت أن هيبة الدولة كانت غائبة بغياب العمل الإداري المؤسسي ، بغياب تطبيق القوانين واللوائح ، هيبة الدولة كانت غائبة بغياب وجود رؤية وطنية وخطط استراتيجية وتنفيذية نتيجة فقدان روحية الإحساس بما يجب القيام بتنظيمه وإصلاحه وإنتاجه . هيبة الدولة كانت غائبة بغياب وجود الإرادة والإخلاص للبناء والإصلاح نتيجة غياب الإلمام بالثقافة القرآنية المحفزة لوجوب العمل بمبادئ الإسلام الاقتصادية والمالية وغيرها . وقد خلقت هذه المعطيات والتوجهات دولة ضعيفة في مختلف المجالات اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وماليا وعلميا وتكنولوجيا وغيرها من المجالات .
لقد مثلت تلك الأوضاع من أهم الأسباب لإعلان اليمن الاستقلال في قراره السياسي في 21 من سبتمبر من العام 2014م . ما يعني أن السبب الحقيقي لشن العدوان السعودي الصهيوني الأمريكي البريطاني الإماراتي الحرب على بلادنا يهدف في المقام الأول إلى إخماد وإنهاء أهداف الثورة السبتمبرية العظمى لإنهاء العمل الثوري والجهادي المنظم على أساس المسيرة القرآنية ، ولعودة اليمن تحت وصاية وهيمنة النظام السعودي الصهيوني الأمريكي ، ولإدارة اليمن عن طريق موظفين وليسوا وكلاء كما يتوهم بن سلمان وأمثاله من الأدوات الرخيصة الموظفة تحت إمرة الإدارة الشيطانية الأمريكية الصهيونية .
والله ولي النصر والتوفيق
نسأل الله أن ينصر إخواننا المجاهدين الجيش واللجان الشعبية والمقاومة الإسلامية في المنطقة على أعداء الإسلام والأوطان والإنسانية ، إنه سميع الدعاء.