بقلم/ عبدالسلام التويتي
على الرغم ممَّا يضخُّهُ الإعلام الإمبريالي الأمريكي من حملات تحريض شعواء ضدَّ الإسلام والمسلمين على حدٍّ سواء، فإن بشاعة وضراوة العدوان المتواصل على اليمن واليمنيين منذ ما يزيد على أربع سنين بكلِّ ما ينجم عنهُ -صباح مساء- من إراقة دماء المدنيين الأبرياء ومن تمزيق أشلاء الشيوخ والأطفال والنساء قد أيقظ الجوانب الإنسانية في نفوس ملايين الأمريكيين الذين بدؤوا يؤسسون -انطلاقًا من دافعهم الإنساني- لتشكُّل رأي عام أمريكي قوي ضدَّ استمرار اشتعال أوار تلك المعركة اللا إنسانية واللا أخلاقية التي كشفت وما تزال تكشف بشكلٍ مُقرف ما تختزنُهُ نفوس مُشعليها ومموليها ومؤيديها من مظاهر الحقد والأنانية.
ومن اللافت للانتباه أن زيادة وحدَّة تفاقُم الوضع الإنساني الناجم عن استمرار دوران عجلة العدوان قد أدى إلى اتساع رقعة التذمُّر في الأوساط الشعبية الغربية وفي طليعتها الشرائح المجتمعية الأمريكية التي بُحَّت حناجرها -خلال السنوات الأخيرة من الحِقبة الأوبامية والسنوات الأولى من الحِقبة الترامبيَّة الغبية- من كثرة مطالبة ومناشدة الرئيسين السابق واللاحق ومؤسسات الدولة وكافة دوائر صناعة القرار الأمريكي بالاحتكام إلى لغة العقل والمنطق التي تُحتِّم منع تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية إلى كلٍّ من الإمارات والسعودية لدواعٍ إنسانية حتى لقيت تلك المناشدات والمطالبات التي طال مداها صداها الإيجابي النسبي في أروقة مجلس الشيوخ والمجلس النيابي، وحتى وإن كان ذلك الصدى في بادئ الأمر- لم يكن ليتعدى كونهُ مواقف بعض أعضاء ذينك المجلسين التشريعيين بصورة فردية، فإنه لم يلبث -مع مرور الأيام وتزايد عدد الضحايا المدنيين في أوساط اليمنيين عامًا بعد عام- أن أخذ بالتضاعُف وآل إلى التآلُف، فإذا بتلك المواقف الفردية التي لم تكن تزيد -كأقصى حدّ- عن عدد أصابع اليد والتي اضطلع بها عدد محدود من النيابيين الأحرار قد حظيت بدعم وتأييد الكثير من الأنصار من إجمالي أعضاء الغرفتين التشريعيتين، فإنها قد تُرجمت -في الأخير نتيجة ما أحدثته من تأثير- إلى قرار صدر -بعد طول تشاور وتدارس من لفيف غير متجانس- بأغلبية أعضاء الكونغرس، قضى بعدم استمرار الولايات المتحدة -بأي مستوى من المستويات- في مشاركة السعودية والإمارات في ما تشنانه من حربٍ ظالمة ضدَّ اليمن، بما ذلك الدعم اللوجستي والفني، لما يُلحقه التورط في المشاركة في تلك المعركة اللا أخلاقية والخاسرة من أضرار مباشرة وغير مباشرة بالمدنيين من سكان يمن الحكمة والإيمان، ولما يسببه ذلك التورط من إحراج للأمريكان الذين يعتبرون أنفسهم الأوصياء الحصريين على حقوق للإنسان في أي مكان كان.
ولكون المعتوه ترامب رجل مال وأعمال وقد دشن الشهور القليلة الأولى من دخوله البيت الأبيض -لسوء الحظ- باغتراف مئات المليارات من الدولارات من نظامي السعودية والإمارات وما تزال شهيتة -وبكل تأكيد- مفتوحة لاغتراف المزيد والمزيد، فقد قابل هذا القرار المنطلِق أساسًا من معايير أخلاقية وإنسانية بحته – وبتصادُم فجٍّ مع كل القواعد الأخلاقية والقِيَمِيَّة الإنسانية المتعارف عليها دوليًّا وإنسانيًّا- باتخاذ حق النقض (الفيتو) مستندًا -في ما اتخذه من قرار فردي ممقوت- إلى مبررات هي أوهى بل أوهن من خيوط العنكبوت، من تلك المبررات التي تعكس ما تتسم شخصيته به من عتهٍ خبال -على سبيل المثال- ما يزعمه من ضرورة استمرار محاربة (القاعدة) و(داعش) اللتين تحظيان برعايته -على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي- مثلما حظيت برعاية كل الذي سبقوه في ولوج البيت الأبيض الأمريكي، باعتبارهما صناعة أمريكية بامتياز، وكونهما -على الدوام- شديدتي التقيُّد والالتزام في تنفيذ ما يسند إلهما من أدوار ومهام تصبُّ في اتجاه تشويه الإسلام.
والحقيقة أن السبب الحقيقي وراء وراء سقوط رئيس أكبر دولة في العالم هذا السقوط اللا أخلاقي الفظيع هو سبب مادي بحت، على اعتبار أن كافة علاقاته -انطلاقًا من خلفياته المادية- محكومة بالمصالح الدنيويَّة والمكاسب المالية، لا سيما وأن نظامي السعودية والإمارات يضخَّان إلى خزينته وإلى خزينة دولته -بشكلٍ يومي- مبالغ خيالية، وما دام ينال من ذينك النظامين العميلين ما يطلبه وفوق يطلبه منهما، فسيظل أكثر حِرصًا على استمرار عدوانهما مهما حصدت أسلحته الفتاكة المُباعة لهما بأغلى ثمن من أرواح أطفال ونساء وشيوخ اليمن.
وإن مقابلة هذا الترامب قرار الكونغرس الأمريكي المتعلق بالحرب على اليمن بهذه الصورة لتُعَدُّ مؤشرًا بالغ الخطورة، كونها -بالإضافة إلى ما تعكسه من صلفه وعنجهيته وغروره- تُترجم عزمه الأكيد على مواصلة أمريكا في المشاركة في الحرب على اليمن السعيد ريثما يشبع نهمه الشديد بالتهام نفط الخليج -وبما يشبه المستحيل- إلى آخر برميل، ولو (بَعْدَ عُمْرٍ طَوِيْل).