عبدالرحمن الشبعاني
بقدر اشتياق القلم للكتابة عنه، بقدر احتياره كيف يكتب؟
ومن أين يبدأ؟
وأين ينتهي؟
وبأي أسلوب إنشاء يكتب؟
وأي العبارات والكلمات تتناسب للحديث عنه، وترتقي إلى مقامه العالي، وتفيه حقه؟!!
عن الصماد أكتب أيها القلم.
مقدماً، عذرًا فخامة الشهيد لضعف صناعتي، وقلة بضاعتي،، فلستُ أهلا للكتابة عنك، ولتقديمك للآخرين وأنت العلم الشامخ، والراية الخفّاقة، والهامة التي لا تعلو عليها هامة في هذا العصر، والمتقدّم الذي يستحيل تقديمه وهو السابق السبّاق إلى كل فضيلة..
لكني مضطر للكتابة طالبا الإذن من فخامتكم سيدي الرئيس الشهيد، الأستاذ/ صالح علي الصّمّاد.
هل أكتب عنك إنسانا؟
فأنت الذي اجتمعت فيك كل معاني الإنسانية بشهادة القاصي والداني.
أم أكتب عنك وطنًا؟
فأنت الوطن الذي افتقدك أبناؤه باستشهادك.. وعرف قدرك المخالف والموالف.
أم أكتب عنك قضية؟!!
فقضيتك أصبحت حديث العالم.
أم أكتب عنك مشروع دولة يمنية حديثة؟
فمشروعك الذي أطلقته قبل استشهادك بفترة وجيزة (يد تبني- ويد تحمي) لم يسبقك إليه أحد من الرؤساء والملوك والسلاطين،،
وسيكون منهجا تدرسه الدول والمنظمات والأكاديميات العالمية كمشروع نموذج لبناء الدولة المدنية الحديثة التي طالما تحلم بها شعوب العالم، وطالما فكّر لها واحتار كيف يخطط لها المفكرون والمنظّرون العالميون، وطالما ترقّب المترقبون لظهور مثل هذا المشروع، من رجل مقتدر عجزت الأرحام أن تلده،
فكنت أنت هو؛ أيها الصمّاد.
أم أكتب عنك خطيبا بليغا؟!!
فأنت الذي كانت تشتاق إليك المنابر لترتقيها وتعتلي على أقتابها.
فلقد كنت أستاذ فنّ الخطابة، ومهندس فنّ المحاضرات.
أم أكتب عنك مجاهدا صادقا في جهاده مع الله وفي سبيل الله؟!!
فميادين الجهاد المختلفة تشهد لك بذلك..
فأنت المجاهد بنفسه،
وأنت المجاهد بماله،
وأنت المجاهد بقلمه،
وأنت المجاهد بفكره وروحه،
وأنت المجاهد ببندقيته،
وأنت السبّاق في كل الميادين.
أم أكتب عنك زاهدا ورعا؟!!
فأنت قد جسّدت ذلك فعلا وقولا في كلماتك الخالدة التي تخلّلت زياراتك للمجاهدين المقاتلين الأبطال من أبناء الجيش واللجان الشعبية وهم في ميادين القتال وأنت الرئيس للجمهورية اليمنية، تاركاً كرسي الرئاسة مؤثرا الجبال والوديان والفيافي والقفار، وكلك اشتياق ولهفة وشغف للنزول إلى رجال الرجال والاختلاط بهم والحديث معهم،،
حينها عاتبك المعاتبون بقولهم: لماذا تركت القصر الرئاسي وجئتنا سيدي الرئيس؟
فكان جوابك هو المعبر عن كمال زهدك وورعك، النابع من كمال إيمانك الصادق قائلاً: (مسح الغبار من أحذية المجاهدين أشرف من مناصب الدنيا).
فوالله الذي لا إله إلا هو.. إن عيني تدمع -لا إراديّاً- في هذه اللحظات، لحظات كتابة هذه العبارة الخالدة، كما أنها تدمع كلما سمعتها من فمه الطاهر الصدوق.
أم أكتب عنك نزيها متعفّفا، ولا مستغلا لمنصب، كما كان حال الكثير ممن سبقوك المنصب من المستغلّين واللصوص؟!!
فلقد سبقتني وسبقتَ كل الكُتّاب السياسيين، والمؤرخين والروائيين، إلى التعبير عن هذا وأنت تعزّي أولادك وزوجتك وذويك قبل استشهادك بعشرة أيام أمام الملأ وأمام الرأي العام، -تلك التعزية التي لم ندرك وربما لم يدرك الكل أنها كانت عبارة عن تعزية مقدما، وكأنك قد رأيت لحظة استشهادك يقينا قبل أن تكون- في كلماتك تلك البسيطة وبلهجتك الشعبية المتواضعة قائلاً: (ما معنا شي نختلف عليه، لو يستشهد صالح الصماد غد، بعد شهر ما مع جهّاله وين يرقدوا، إلا يرجعوا مسقط راسهم بني معاذ في صعدة)…
وفعلا بعد استشهاده، وجد كل الناس أنه كان صادقا في مقولته هذه، فلم نجد له ملكية بيت يسكنه…
رئيس جمهورية منزله إيجار.. مثله مثل أي مواطن بسيط نازح.
هذا هو الرئيس الشهيد صالح الصمّاد..
«قدوة القادة، ومعلم القيادة، ونموذج العصر رسميا»
أعتذر إن توقفتُ عن الكتابة هنا، فلقد فاضت عيناي بأنهار الدموع، وبفيضانها توقفت عباراتي، وجفّت ونضبت ينابيع القلم.