محمد الوجيه
أربع سنوات من العدوان السعودي الأمريكي على الشعب اليمني يرافقها الحصار الجائر الجوي والبري والبحري.
أربع سنوات من القصف المتواصل وتدمير المساكن على رؤوس المدنيين اليمنيين، وتدمير شامل وممنهج للبنية التحتية اليمنية والحضارة اليمنية العريقة.
أربع سنوات من جلب المرتزقة والإرهابيين من كل حدبٍ وصوب لقتل أبناء اليمن وتفكيك النسيج الاجتماعي.
أربع سنوات من التواطؤ الأممي والدولي بل والعربي وتُرك اليمن يصمد ويقاوم وحده لا شريك لانتصاراته.
هذا العدوان وبعد أربع سنوات يواجهه أبناء اليمن بصمودٍ لا مثيل له ضربوا دروساً في المقاومة والاستبسال والتضحية والفداء.
وحشية العدوان جعلت من اليمن بلداً مصنعاً للأسلحة، تطوير صواريخ باليستية وصناعة طائرات مسيّرة، وها هي معسكرات العدو خاوية على عروشها، جنودهم يفرون من المعارك، مواقعهم تحت سيطرة الجيش واللجان الشعبية، دباباتهم محترقة على الطرقات، وبوارجهم مدمرة عرض البحار، وطائراتهم تسقط في وديان وشعاب وجبال اليمن.
وفي ميزان الربح والخسارة نجد أن اليمن هو الرابح، ربح المعركة وقبلها الحرية والكرامة والاستقلال، بينما السعودية نجدها الخاسرة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً بل وأخلاقياً فسجلها اليوم ممتلئ بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية واستخدامها شتى أنواع الأسلحة المحرمة دوليا.
بالحديث عن الخسارة الاقتصادية السعودية فقط، نجد أن السعودية لأول مرة منذ إنشاء صندوق الاستثمار السعودي يتوجه نحو الاقتراض بمبلغ 11 مليار دولار هو إجمالي القرض من البنوك العالمية، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يلجأ البلد المصدر الأول للنفط للاستدانة؟ المتابع لموازنة النظام السعودي خلال الأربع السنوات الماضية يجد عجزاً مالياً في كل سنة منذ 2015م ويعود هذا العجز في الموازنة للحرب على اليمن التي تقودها السعودية.
اتهمت الرؤية الاقتصادية 2030 لولي العهد السعودي محمد بن سلمان من قبل مختصين بعدم الواقعية، لكن الإصرار عليها يدفع الرياض للبحث عن المال بأي طريقة إن لم يكن بالاستدانة فبفرض الرسوم والضرائب على القيمة المضافة والقيمة الانتقائية وسياسة التقشف من خلال قطع الحوافز والمكافآت والعلاوات السنوية بل وصل الأمر إلى قصقصة للرواتب الأساسية وخفضها بنسبة تصل الى 15 % وكذلك فرض رسوم عمالة على عموم المقيمين ما دفع بمغادرة أكثر من مليون أجنبي.
وفي ذات السياق وضع ولي العهد محمد بن سلمان يده على أموال كثير من الأمراء والوزراء ورجال الأعمال بل صادر حرياتهم حيناً من الزمن في خطوة اختلط فيها الاقتصادي بالسياسي لكنه حصد من خلال ذلك أكثر من 100 مليار دولار، إلا أن السعودية وبينما تجمع تلك المليارات بيدٍ تتفلت من يدها الأخرى مليارات وراء الحدود، الحرب في اليمن نزيف حاد في الموارد السعودية المنهكة أصلاً، في العام الماضي 2018 بلغ إجمالي الموازنة السعودية قرابة 261 مليار دولار خصصت منها أكثر من 80 مليار للقطاع العسكري أي بما يزيد عن %30 من أجمالي الموازنة.
تعاني الإدارة السعودية برأي محللين من تخبط وعشوائية في السياسات والقرارات لا تتجلى فقط في عدم الحسم بين خياري الحرب أم التنمية بل في انتهاج سياسات ومواقف غير متسقة تترك انطباعات سلبية لدى المستثمرين إزاء مصداقية صانع القرار السعودي وقابلية سياساته الاقتصادية للاستمرار إضافة لذلك تخوف المستثمرين ورجال الأعمال على حريتهم في الحركة ونقل الأموال.
مع مجيء الملك سلمان لتولي السلطة مطلع العام 2015 ، وبروز ابنه محمد كولي للعهد، شهدت المملكة تحولات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، ولا يغيب عن المتابع للاقتصاد السعودي أن نصف تريليون دولار ذهبت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طالب السعودية بدفع نصف ثروتها مقابل الحماية، بل انه وبعد أن قبض هذه الأموال الطائلة ما زال يهددهم بأنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بكرسيهم وبطائراتهم لأسبوع واحد لولا الحماية الأمريكية لهم.
في السعودية الأمر لم يعد عجزاً مالياً في الموازانة السعودية بسبب سياسة بن سلمان واتخاذ قرار الحرب العبثية على اليمن والتي كلفته تريليونات من الدولارات، وانما انعدام الأمن لهذا النظام أصبح مهدداً حقيقياً لبقائة، إذ أن السعودية لم تنجح بحماية نظامها وصورتها أمام العالم رغم الإنفاق على الدفاع والتسليح حيث احتلت السعودية المرتبة الثالثة على مستوى العالم في مشتريات السلاح، ولكن نجد أن الصواريخ الباليستية اليمنية والطيران المسّير اليمني قد اخترقا الأجواء السعودية وضربا أهدافاً حيوية واقتصادية وعسكرية واستراتيجية في العديد من المدن السعودية، ووصلت هذه الصواريخ والطائرات المسيّرة إلى عاصمة العدوان الرياض والى ما بعد الرياض كمحافظة ينبع الصناعية والتي تبعد عن الحدود اليمنية بقرابة 1500 كم.
مراكز الدراسات والصحف الدولية المختصة بالاقتصاد تقف اليوم أمام دراسة تراجع الاقتصاد السعودي خصوصا بعد مرور أربع سنوات من العدوان على اليمن وانعكاس الانتهاكات السعودية بحق المواطنين من اعتقالات وضرب وتحرش واغتصاب وكذلك احتجاز الأمراء والوزراء ورجال المال والأعمال وتسوية القضية بنهب %70 من ثروتهم مقابل الإفراج عنهم، ما أدى إلى عزوف المستثمرين من الاستثمار داخل السعودية.
فالرؤية الاقتصادية 2030 التي طرحها ولي العهد السعودي لأجل تنوع مصادر الدخل ليست واضحة للكثير، إذ أن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقول إن مساعي الحكومة السعودية لتنويع مصادر الاقتصاد في هذا البلد الغني بالنفط تتسبب في خلق مشكلات جديدة.