عبدالوهّاب الوشلي
ليست سياسة التقسيم الجغرافي والفرز الطائفي والاصطفاف السياسي وتغذية النعرات المقيتة من فيدرالية، وطائفية، ومناطقية، وعنصرية، وإثنية، سوى أدوات بغيضة وظفتها الإدارة الأمريكية في سياق سياسات خارجية خبيثة. غايتها؛ إيقاد نار الصراعات الإقليمية، وتسجير لهيب الاقتتال الأهلي، وتسعير شرار التناحر البيني، بمختلف مظاهرها التدميرية؛ كي يتسنى لقوى الطغيان الدولي العزف على وتر التناقضات الرجيمة، وتجسيد الأغراض الشيطانية من تقسيم الأقاليم السيادية، وتجزئة الكيانات السياسية، وتمزيق نسيج المجتمعات الوطنية؛ إلى تغييب الهويات الجامعة، وتغريب الثقافات الحقيقة، وتفتيت القواسم المشتركة.
ليس هذا فحسب؛ لقد دأبت السياسة الأمريكية دهراً طويلاً على تقنيع الأطماع القبيحة بعناوين وشعارات جذابة، على غرار الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية، وسائر القيم الليبرالية. وذلك لتحقيق المصالح الأمريكية، وبسط السيطرة الهمجية، وفرض الهيمنة الاستعمارية، وإخفاء الأهداف الإجرامية. كما سعى أيضاً، نظام القطبية الأحادية الذي تفردت به الولايات المتحدة الأمريكية جاهداً إلى تكريسٍ كبير، وترويجٍ هائل لقيم العولمة الكونية، وأدوات القوة الناعمة؛ كي يتمكن من تدجين الشعوب وترويضها، وتقويض سيادة الدول واحتلالها، والتدخل السافر في شؤونها؛ ناهيك عن اختراق القوانين، وتطويع المبادئ والقواعد والنظم الأساسية المقيدة لعلاقات الدول في تعاملاتها الدولية.
ما أكثر ما نسجته الإدارات الأمريكية المتعاقبة في المنطقة من مؤامرات، وحاكته من مخططات، ورسمته من سياسات، وصاغته من استراتيجيات، وسخرته من أدوات، واجترحته من فظائع. أقبحها سلوكاً، وأشنعها إجراماً، وأبشعها فعلاً، وأحقرها أسلوبا؛ صناعة الإرهاب، وتعزيز التطرف، ونشر الفوضى، وغزو البلدان، واحتلال الأوطان، وإضعاف الأنظمة، وتفكيك الجيوش، وقتل الشعوب؛ فضلاً عن تدمير الأواصر الإنسانية، وتمزيق الروابط الاجتماعية، وشرذمة الكيانات السياسية، ونهب المقدرات الاقتصادية، واستهداف التراث الثقافي، وتشويه العقائد الدينية، واستباحة القيم الأخلاقية.
فمن الصومال والعراق وليبيا وسوريا واليمن إلى غيرها من الدول التي اكتوت شعوبها بنار فظاعة الإجرام الأمريكي، ووحشية الإرهاب الداعشي من قتلٍ شنيع وتنكيلٍ فظيع وفعلٍ إجرامي وتهجيرٍ قسري في إطار سياسة الفوضى الأمريكية الخلاقة، ومخطط التدمير الصهيوني المقيت لعناصر ومقومات ومقدرات وجيوش البلدان، ووحدة وتكامل وسلامة أراضيها، وأمن واستقرار وسكينة أوطانها.
إنها الولايات المتحدة الأمريكية؛ منبع الشر ومظهر الطغيان ومصدر المصائب وأساس الكوارث والمآسي والجرائم الإنسانية. وهي ذاتها أمريكا؛ حاضنة الإرهاب السياسي، وداعمة التطرف الوهابي، وحامية الكيان الصهيوني، وصاحبة السياسات الشنيعة، والتصرفات القبيحة، والفظائع الإجرامية التي احترقت بلهيب أفعالها وبشاعة ممارساتها المنطقة والشعوب العربية الأصيلة.
كما أنها أيضاً السياسة الأمريكية المتغطرسة التي تنظم اليوم اللقاءات الدولية، وتحشد الجهود الإقليمية، وتروج العناوين العريضة، وتبرز الشعارات الرخيصة، وتقنع السياسات الحقيرة، وتصوغ الأهداف الماكرة في إطار مؤتمر وارسو البائس؛ لتعزيز الاصطفاف الثلاثي، الخليجي الصهيوني الأمريكي؛ وحياكة المزيد من المؤامرات على شعوب المنطقة؛ وتصفية القضية الفلسطينية، بمساندة أعراب الخليج ووكلاء الصهاينة من يعتدون اليوم على اليمن، ويجلسون على طاولة واحدة مع قادة الكيان الصهيوني ومسؤولي الإدارة الأمريكية. ما أكثر العبر وأقل الاعتبار، فالعبر قد بلغت في الكثرة الغاية، والاعتبار قد بلغ في القلة النهاية.