منير شفيق
قضية فلسطين تختلف عن كل قضايا المستعمرات والكيانات العنصرية، وذلك بسبب السمةِ الأولى لقضية فلسطين وهي اقتلاعُ شعبٍ من وطنه، وإحلالُ غزاةٍ مستوطنين صهاينةٍ مكانَه. وقد تمّ ذلك بالقوةِ والبطشِ والجرائمِ الجماعية، والأنكى زعمُهم أن فلسطين وطنهم التاريخي.
ولا أحدٌ يدري أين هذا التاريخ؟
حدثت هذه العمليةُ؛ عمليةُ الاقتلاعِ والاحتلال، بعد احتلالِ فلسطينَ من قِبَلِ الاستعمارِ البريطاني، وإعلانه وعدَ بلفور عام 1917، ليفرضَ غزوَ حوالى خمسمائة ألف مستوطن صهيوني وتسليحهم وتدريبهم، ليخوضوا عام 1948م – وبدعمٍ من الدول الكبرى – حربَ إبادة ضد الشعب الفلسطيني، وقد جردته بريطانيا من السلاح. لقد تمكنوا من تهجير حوالى تسعمائة ألف، ما يُعادل ثلثي الشعب الفلسطيني في حينه – وهو ما عُرِف باللاجئين الفلسطينيين.
وقد صادروا بيوتهَم مفروشة، وأراضيَهم مزروعة، ومُدَنَهُم وقُراهُم معمورَة، ليصبحوا في الخيام، أغلبهم خارج فلسطين، وبعضُهم داخِلَها.
أما البلادُ العربيةُ – أشقاؤنا – فقد كانت إما تحت استعمارٍ مباشر، أو مكبلةً بمعاهداتٍ استعمارية، فلم تستطع أن تدفعَ هذا البلاء عنها وعن فلسطين، بل ما كان مسموحاً لها أن تفعلَ ذلك.
لم يحدث مثلُ هذا في أيٍّ من البلدان التي استُعمرت، ولم يحدث في جنوب أفريقيا، حيث قام كيانٌ عنصريٌ سيطرَ عليها، واضطهد شعبها، ومارس ضدَه التمييزَ العنصري (الأبارتهايد)، لكنه لم يقتلِعَهُ من وطنِه، ولم يَسكُنْ بيوتَه، ويجعل ثلثيه لاجئاً محروماً من العودةِ إلى ديارِه وأرضِه ووطنِه.
ولهذا فإن قضية فلسطينَ هي قضيةُ تحريرٍ الأرضِ من الكيان الصهيوني، وإعادة اللاجئين الفلسطينيين – الذين أصبحوا اليوم أكثرَ من ثمانيةِ ملايين، إلى بيوتهم وديارِهم وأراضيهِم التي أُخْرِجوا منها.
لقد قدمت قيادةُ م.ت.ف في عام 1993 من التنازلات الكثيرَ الكثير في اتفاق أوسلو الكارثي وصولاً إلى القَبول بحلِ الدولتين المُذل التصفوي، وحتى مع المساومة على عدم عودة اللاجئين، لكن الغُزاةَ المستوطنينَ الصهاينةَ أصروا على مشروعهم كاملاً، وهو الحلولُ في كل فلسطين، واقتلاعِ كلِّ شعبِها.
ولا تفسير َآخرَ غيرَ هذا المشروع لفشلِ التسويةِ وما سُمي بحلِ الدولتين، بل ولا تفسيرَ آخرَ لاستمرارِ احتلال الضفة الغربية، واستشراء الاستيطانِ فيها، وتهويدِ القدسِ وضمها، ودعوكُمُ من أوهامِ الذين يُطالبون بحلِ الدولةِ الواحدة.
فالعدوُ الصهيونيُّ شنَّ على شعبِ فلسطين حربَ إبادة، حربَ وجود، مستهدفاً تهويدَ كلِّ فلسطين واقتلاعَ كل الفلسطينيين، الأمر الذي أكد أن الحلّ الوحيد العادلَ والممكنَ هو تحريرُ كلِّ فلسطين من النهر إلى البحر، ومن رأس الناقورة إلى أم الرشراش.
وعلى الغُزاةِ أن يعودوا من حيث أتوا، ولا بأس أن يعودوا في بواخرَ وطائرات على الدرجة الأولى، أو درجة رجال الأعمال، ولا نريد أن يهيموا على وجوهِهِم، كما فعلوا بالفلسطينيين، وإنما نريد لهم أن يُستقبلوا في عواصِمَ الغربِ أحسنَ استقبال، وفي أرقى ما عرَفتهُ الحضارة من تقدم.
فهم لا يحبوننا ولا يريدون أن يعيشوا معنا، ونحن لا نحبهُّم لما فعلوا، ولا نريدُهم أن يعيشوا معنا. إن ما يريدونه إما كلُّ فلسطين لهم، وإما الحرب إلى ما لا نهاية. فلتكن.
ولهذا يجبُ علينا أن نقولَ لهُم: أن تكونَ فلسطينَ لكُم، فهذا ضربٌ من المُحال، وسَيمضي الصراعُ ونحن وإياكُم على صفيحٍ ساخنٍ مهما طالَ الزمنُ الذي سيكون لنا، فلا حلَّ إلاّ برحيلِكُم لتعيشوا في أمنٍ وأمان، في لندن وباريس ونيويورك.
ذلكُم قَدَرُهُم وهذا قدَرُنا.
مفكر وكاتب فلسطيني