عبدالفتاح علي البنوس
أن تتنازل من أجل الوطن فهذا منتهى الرقي والسمو والشعور بالمسؤولية ، وهو مدعاة للفخر والاعتزاز ، فأنت تقدم التنازل وتبذله من أجل ما هو أغلى وأثمن وأسمى وأرفع وهو الوطن ، من أجل الوطن يرخص كل غالٍ ، ويهون كل ما هو صعب ، إذا لم تقدم التنازلات من أجل وطنك وشعبك ، فيا ترى لمن عساك أن تقدمها ؟؟!! على مدى التسلسل المرحلي والزمني لجولات المفاوضات والمشاورات اليمنية الهادفة إلى إحلال السلام وحل الأزمة اليمنية وإيقاف العدوان ورفع الحصار المفروض على بلادنا برا وبحرا وجوا، قدم الوطن عبر الوفد الوطني حزمة من التنازلات التي قدمت في سبيل إحداث إنفراجة تنهي معاناة الملايين من أبناء شعبنا الذين تجرعوا الغصص والآلام والمتاعب والصعاب وهم يواجهون تحالفا عالميا مشبعا بالوحشية والإجرام .
كل هذه التنازلات التي قدمت والتي سجلتها جولات المفاوضات تحسب للوفد الوطني ، وللقوى الوطنية التي تؤمن بالسلام وتسعى من أجله ، ليست معيبة ولا فيها منقصة للوفد الوطني والقوى الوطنية ، بل على العكس من ذلك تماما هي قيمة أخلاقية سامية وراقية ، وخلال مشاورات ستوكهولم قدم الوفد الوطني تنازلات كبيرة من أجل الوطن والشعب ، تنازلات اعتبرها البعض بأنها كانت مجحفة في حق شعبنا ووطننا ، والبعض ذهب إلى اعتبارها بمثابة الانصياع لمطالب قوى الغزو والاحتلال ومرتزقتهم ، على الرغم أنها كانت تنازلات إيجابية لا يوجد فيها ما يمس انتهاك السيادة الوطنية ، فما قدم من تنازلات هي من أجل الوطن والشعب ، هي من أجل الحديدة والحفاظ عليها وحماية مقدراتها ومنشآتها الحيوية والاستراتيجية ومن أجل سلامة سكانها وللحيلولة دون تضخم حجم الكارثة الإنسانية التي تواجهها الحديدة وأهلها .
التنازل من أجل الوطن لا ربح فيه ولا خسارة ، ولا يمكن الحديث عن رابح وخاسر ، مادام التنازل من أجل الوطن ، والخاسر هو من تنازل عن الوطن وخانه وتآمر عليه وتحالف ضده وارتمى في أحضان الغزاة والمحتلين والمرتزقة ، هؤلاء هم مدعاة الخزي والعار والفضيحة ، هؤلاء هم من يجب تعريتهم والهجوم عليهم وفضحهم على الملأ أمام الله وخلقه ، هؤلاء هم من يجب توجيه سهام نقدنا لهم والتنديد بفعالهم ومواقفهم العميلة المشبعة بالخيانة والعمالة والارتزاق ، أما من قدموا التنازلات من أجل شعبهم ووطنهم فهم من يجب أن ترفع لهم القبعات إحتراما وتقديرا وإجلالا ، هؤلاء من يستشعرون معاناتنا ، ويحسون بأوجاعنا ، ويتألمون لألمنا ، هؤلاء من نتشارك معهم في هذا الوطن مرارة العدوان وتداعيات الحصار .
بالمختصر المفيد ،التنازل من أجل الوطن ، سلوك محمود ، وقيمة سامية ، وخلق فاضل ، ورقي وطني عال ، ولا يوجد ما يشعرنا بالإنزعاج أو تأنيب الضمير تجاه ذلك ، وهذا أقل ما يمكن أن يقدم للوطن في هذه المرحلة العويصة ، ومن ظن بخلاف ذلك فما عليه إلا أن يراجع حساباته ، ويعيد النظر في تحليلاته ومواقفه ، وسيدرك ولو متأخرا بأن الوطن يستحق أن نضحي من أجله بأنفسنا ، لا أن نقدم مجرد تنازلات حقنا للدماء ، ومن أجل السلام والأمن والإستقرار ، وإنهاء لمعاناة شعب ، وأزمة وطن شارفت على إنقضاء عامها الرابع .
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله .