حكم أمهز
مشاورات السويد من أجل حل الأزمة اليمنية، بحد ذاتها أمر إيجابي، سواء أعطت نتائج أم لم تعط. على الأقل تلقي ظلاً من الراحة النفسية المؤقتة على النفوس المتعبة من المجازر وآثار العدوان. لكن السؤال المطروح، هل فعلاً هناك أمل في أن تنتج هذه المشاورات حلاً؟
بمراجعة للمواقف السياسية للأطراف المعنية ما قبل المشاورات، يمكن تلمّس بعد ما ستؤول إليه اجتماعات السويد.
الإدارة الأمريكية وعبر مسؤوليها، أعطت قبل نحو شهر مهلة شهر لتحالف العدوان على اليمن، لإنهاء الحرب، ما فسّر على أنه مهلة للسيطرة على الحديدة ومينائها والساحل الغربي، لهدفين، الأول تحويل إنجاز السيطرة إن حصل إلى ورقة قوية يستخدمها الأمريكي والتحالف على طاولة المفاوضات في السويد ضدّ وفد صنعاء اليمني، والثاني، من خلال هذه الورقة، يفرض مشروع واشنطن القاضي بتقسيم اليمن إلى أقاليم.
وهذا ما تأكّد مع انطلاق الحملة العسكرية للتحالف بدعم أمريكي فرنسي على المستوى الجوّي واللوجستي والاستخباري، كما كشف موقع أون لاين الفرنسي.
حسابات ترامب وتحالف العدوان لم تتوافق مع الواقع الميداني، بل حوّلت القوات اليمنية المشتركة التصعيد العسكري في الساحل والحديدة إلى فرصة، حقّقت فيها إنجازاً، فصارت ورقة القوى بين وفد صنعاء بدل وفد الرياض. وهكذا خسرت أمريكا وتحالفها.
أيضاً ما قبل المشاروات، بذلَ ولا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، جهوداً مُضنية للدفاع عن وليّ العهد السعودي وتغطيته أمام الهجمة الدولية الشرسة التي تستهدفه على خلفيّة اتّهامه بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية في اليمن ومقتل خاشقجي بالمنشار وتذويب جثته في القنصلية السعودية في إسطنبول التركية.
فحاول ترامب تنظيف وجهه ويديه من هذه الدماء أمام قمّة العشرين، ونجح إلى حد كبير، وبرّأه قبل ذلك من جريمة قتل جمال خاشقجي، ليخلص إلى الإعلان أن العلاقات استراتيجية مع السعودية ولا يمكن أن تتأثر نتيجة قتل خاشقجي. لا بل إن السعودية وإسرائيل أصبحتا، توأمين بالنسبة لإدارته، لارتباط وجود الأولى بالثانية والعكس صحيح. وعليه يكون التوأمان قد تحوّلا إلى مثلّث إذا ما أضفنا إليهما إدارة ترامب. وهكذا فإن مصير هذا المثلث مترابط ببعضه، وينجح أو يخسر أو يفشل مع بعضه.
ووفقاً لهذه المواقف وأهدافها، فإن مشاورات السويد محكومة بالعرقلة من قِبَل الأمريكي وتحالفه العدواني على اليمن. ومع ما بدأ يظهر من نتائج أولية، فإن وفد الرياض بدأ بعرقلة المشاورات كما فعل في المفاوضات السابقة، فهو يصرّ على تجزئة الحل، بينما يطالب وفد صنعاء بحلٍ سياسي شامل. وهذا ما يُفسّر عدم التوصّل إلى وضع آليات لتنفيذ اتفاق إطلاق الأسرى لدى الطرفين، رغم إعلان وفد صنعاء استعداده لتسليم لائحة الأسماء إلى المبعوث الأممي خلال الساعات القليلة المقبلة.
ورغم الإعلان عن الاتفاق، فإن وفد الرياض يُصرّ على ما يصفه بإجراء بناء الثقة، مقابل تأكيد وفد صنعاء على ضرورة تحديد إطار المحادثات.
وهذا ما عثّر البدء بالبحث في جدول الأعمال الذي يشمل القضايا الأخرى.
في بلادنا العربية هناك مثل يقول (لو بدّها تشتّي”تمطر” كانت غيّمت) ولكن يبدو أنه لا غيوم حتى الآن في سماء ستوكهولم السويدية حتى (تشتّي) لاحقاً نتائج من المشاورات اليمنية. الأمريكي خاسِر حتى الآن في عدوانه على اليمن، ولا يريد أن يخرج مهزوماً مع تابعه السعودي من المعركة التي يعتبرها معركة مع إيران ومحور المقاومة وليست مع مَن يصفهم بالحوثيين. وفي نفس الوقت، هو لا يريد أن يتخلّى عن السعودية، ولا يريد أن تكون السعودية ضعيفة أمام إيران في المنطقة، فكيف سيقبل بحل للأزمة اليمينة على حساب هزيمة وانكسار السعودية؟
ما يجري في السويد ليس أكثر من مسرحية مشاورات، يسعى من خلالها الأمريكي إلى تهدئة الرأي العام الدولي ضدّ ما يرتكبه وليّ العهد السعودي محمّد بن سلمان من مجازر وجرائم في اليمن وغيرها. لأن قوّة الرأي العام الدولي ومواقف منظمات حقوق الإنسان الأممية والعالمية، أجبرت ترامب على هذا المخرج. وبالتالي فإن هدفه، ليس حفظ الدماء وإنقاذ ملايين اليمنيين من براثن الموت جوعاً، فهؤلاء بالنسبة إليه ليسوا أكثر من أرقام، ما يهمّه هو بيع الأسلحة، للسعودية ودول العدوان على اليمن، لأن التخلّي عنه، يشكّل إضراراً بالأمن القومي الأمريكي بحسب ما أعلن أكثر من مرة.
حيث قال تقرير صادر عن معهد كارنيغي إن عهد ترامب مجّد الديكتاتوريات واحتقر الحلفاء الليبراليين للولايات المتحدة.
*كاتب لبناني في العلاقات الدولية