من جديد، عاد اسم النائب السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني، والمفصول من حركة “فتح”، محمد دحلان، ليتصدر المشهد السياسي وحلبات الصراع الساخنة في المنطقة، بعد الكشف عن دور أمني جديد له في الحروب الدائرة بدول عربية.
اليمن كان المحطة الأخيرة لدحلان، الذي يعمل مستشاراً أمنياً لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بعد محطات عدة في دول عربية وأجنبية، أبرزها سوريا، والعراق، وليبيا، وحتى روسيا، وجميعها كان دحلان عاملاً مشتركاً فيها، ودائماً ما كانت تُطرح أسئلة عن دوره في تلك المناطق الساخنة، ولمصلحة من يؤدي هذا الدور.
موقع “بز فييد نيوز” الأمريكي الإخباري كشف في تقرير نشره الثلاثاء (16 أكتوبر)، عن ضلوع النائب دحلان في تسهيل الكثير من العمليات الأمنية السرية الدائرة باليمن، من خلال مسؤوليته عن جلب المرتزقة من الخارج وإيصالهم للأراضي اليمنية، لتنفيذ عمليات قتل واغتيال طالت رجال دين بارزين وشخصيات سياسية إسلامية.
تقرير “بز فييد نيوز” كان “الخليج أونلاين” قد انفرد بتأكيد بعض تفاصيله بتاريخ 19 سبتمبر الماضي، حين نقل عن مصادر مقربة من لجنة الاستخبارات بالكونغرس الأمريكي، أن دحلان أشرف شخصياً على جلب المرتزقة الغربيين، وعلى رأسهم الكولومبيون والنيباليون، للعمل لحساب الإمارات في اليمن.
وفجّرت مصادر “الخليج أونلاين”، حينها، مفاجأة من العيار الثقيل؛ بكشفها عن إقامة معسكرات تدريب سرية لهؤلاء المرتزقة في صحراء النقب الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، بعد اتفاق الجانبين الإماراتي والإسرائيلي على ذلك، وبإشراف كامل من دحلان.
الصندوق الأسود
تورُّط دحلان في الكثير من الملفات الساخنة والدامية بالمنطقة، وخاصةً التي تكون لدولة الإمارات يد فيها، وضع الكثير من علامات الاستفهام حول دوره الأمني والاستخباراتي في خدمة حكام تلك الدولة الخليجية.
أحد المقربين منه، ويقيم حالياً بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد أن غادر من قطاع غزة عقب سيطرة “حماس” على القطاع (2007)، يؤكد أن دحلان بالنسبة لدولة الإمارات بات “كنزاً ثميناً لا يمكن الاستغناء عنه”؛ نظراً إلى حنكته السياسية والأمنية والاستخباراتية الكبيرة التي يتمتع بها منذ أن كان رئيسَ جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، وكان يعد في تلك الفترة “أخطر وأقوى الأجهزة الأمنية الفلسطينية”.
وفي تصريحات خاصة أوضح القيادي المقرب من دحلان،(فضَّل عدم الكشف عن هويته)، أن الأخير أصبح الذراع اليُمنى لحكام الإمارات، وعلى وجه الخصوص ولي عهد أبوظبي، وبات بالنسبة لهم ورقة رابحة، من خلال الاستشارات الأمنية وتنفيذ بعض المخططات المتعلقة بالأجندات المحلية والعربية وحتى الدولية.
وتابع حديثه قائلاً: “وجود دحلان باليمن، وليبيا، وحتى سابقاً في سوريا وروسيا، قد يكون أمراً طبيعياً؛ لكون تلك الملفات مرتبطة بشكل كبير بحضور دولة الإمارات، وعادةً ما يمثلها دحلان سرياً أو علانية حسب طبيعة الملفات التي يحملها، سواءً كانت سياسية أو أمنية أو حتى استخباراتية”.
ويضيف: “حيثما يوجد دور أمني على وجه الخصوص لدولة الإمارات، ستجد دحلان هناك”، موضحاً أن دحلان بات “الصندوق الأسود” للكثير من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات، وهو يتمتع بعلاقات قوية جداً مع السعودية ومصر وفرنسا وبريطانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
وبسؤال “الخليج أونلاين” عن تورُّط دحلان في قضايا أمنية باليمن وجلبه مرتزقة من الخارج لتنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة ورجال دين وسياسة يمنيين، رفض القيادي في تيار دحلان الرد الصريح عن السؤال، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام التكهنات حوله، حين قال: “الأوضاع في اليمن كغيرها من الدول العربية، والحرب الدائرة هناك يقودها تحالف عربي والإمارات جزء رئيسي فيه، وأعتقد أن دحلان يعمل ضمن المنظومة الأمنية الإماراتية، وحسابات الحرب والسيطرة مفتوحة على مصراعيها”.
وبالعودة إلى التحقيق الذي نشره الموقع الأمريكي “بز فييد نيوز”، فقد كشف عن الكثير من تفاصيل العمليات السرية التي تجري في اليمن منذ سنوات، وضلوع شركات أمنية خاصة تعمل تحت يد الإمارات، في معظم حالات الاغتيال والقتل، وكشف كذلك النقاب عن تشكيل دحلان، بمساعدة الضابط الإسرائيلي الأمريكي المتقاعد أبراهام غولان، فريق اغتيالات وجيشاً من المرتزقة، للعمل في اليمن بتوجيهات من السلطات الإماراتية.
وذكر أن دحلان استضاف قادة ومسؤولي “قوات المرتزقة” على مأدبة غداء في أبوظبي، بمطعم إيطالي في نادي الضباط بقاعدة عسكرية إماراتية، وهو من أبرم الصفقات مع شركة الاغتيالات الأمريكية لتعمل في اليمن، بمقابل شهري قدره 1.5 مليون دولار.
وأوضح التحقيق أن دحلان يستأجر “المرتزقة” لتنفيذ مهمة أساسية؛ ألا وهي “عرقلة وتدمير” أنشطة حزب “الإصلاح” الإسلامي، الذي تعتبره الإمارات فرع “الإخوان المسلمين” باليمن.
يُذكر أن منظمات حقوقية وأممية دولية، أكّدت في عدد من بياناتها، أن التحالف السعودي-الإماراتي ارتكب “جرائم حرب” في اليمن، راح ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء، بينهم أطفال ونساء.
وتسلَّم دحلان رئاسة جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية في غزة، قبل سيطرة “حماس” على القطاع في عام 2007، وبقي خارج فلسطين منذ عام 2010، حيث فصلته حركة “فتح”؛ بسبب اتهامه بـ”التورط في مؤامرة للإطاحة بالرئيس محمود عباس”.
لماذا دحلان؟
“أن يقوم دحلان بعمليات أمنية سرية في اليمن، ويشرف على جلب قوات خارجية للقتال بأي بلد عربي، تحقيقاً لمكاسب سياسية وشخصية، هذا الأمر غير مستبعد، وهي المهمة التي بات يتقنها دحلان في الفترة الأخيرة”، يقول الكاتب والمحلل السياسي والخبير في الحركات الإسلامية مصطفى الصواف.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ”الخليج أونلاين”: “دحلان أراد أن يكون متعاوناً مع المخابرات العربية والدولية كافةً التي تدفع له، والحديث عن دوره الجديد في اليمن، يأتي ضمن هذا التحرك الذي يسير عليه لخدمة مصالح دولة الإمارات في اليمن”.
وعن سؤال حول سبب إقحام دحلان نفسه في الصراعات العربية الحساسة والدامية، يجيب المحلل السياسي: “دحلان يريد من خلال سعيه ليكون ورقة مخابرات رابحة في المنطقة، أن يحصل أولاً على المال؛ ومن ثم السعي ليكون له مكانة كبيرة ومرموقة”.
ويوضح الصواف أن “أيادي دحلان كانت سابقاً تلعب في تركيا ومصر وليبيا، واليوم وضعها باليمن”، مشيراً إلى أن كل ذلك خدمة لدولة الإمارات، التي يعمل مستشاراً أمنياً لولي العهد فيها.
بدوره، رأى البروفيسور والمحلل السياسي عبد الستار قاسم، أن دولة الإمارات تحاول “تلميع” دحلان وإظهاره كرجل قوي على الساحتين العربية والدولية، موضحاً أن علاقته القوية مع الدول العربية والأوروبية وتعاونه معهم في الكثير من الملفات الشائكة والمعقدة، سمحا له بالحصول على تلك المكانة.
وأشار المحلل السياسي إلى أن “السلطة الفلسطينية على الساحة العربية والدولية دورها مغيَّب بشكل كبير، ويبدو أن دحلان، وبحكم علاقته الكبيرة، يستغل هذا الأمر جيداً، بما يضمن بقاءه ضمن موازين القوى في الخارج”.
الجدير ذكره أن دحلان حُكم عليه غيابياً بالسجن ثلاث سنوات وغرامة مالية باهظة، من قِبل محكمة مكافحة الفساد برام الله في ديسمبر عام 2016، بعد إدانته مع اثنين آخرين، بسرقة أموال عامة، إلا أنه قال حينها، إن المحاكمة سياسية، نتيجة خصومته مع عباس، “وجاءت كمحاولة من الرئيس للتخلص من خصومه السياسيين”، بحسب قوله.
وجاءت هذه الإدانة بعد يومين من قرار الرئيس عباس رفع الحصانة النيابية عن خمسة من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، من ضمنهم دحلان؛ تمهيداً للمحاكمة، ما أثار معارضة ائتلاف منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.