نشر موقع “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (مركز أبحاث يضم مسؤولين أوروبيين سابقين) تقريرا، سلط من خلاله الضوء على قضية اختفاء الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، التي تشير أصابع الاتهام إلى تورط السلطات السعودية فيها.
وقد أثارت هذه القضية حفيظة الدول الأوروبية التي دعت إلى ضرورة القيام بتحقيق مستقل وشفاف، والضغط على الحكومة السعودية، في حال تأكّد تورطها، لتحدث تغييرات على مستوى سياساتها الداخلية ودورها في منطقة الشرق الأوسط.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21” إن اختفاء جمال خاشقجي واحتمال وفاته يبعث برسالة مخيفة للعالم حول الوضع التي تعيشه منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن.
وسلطت هذه القضية الضوء على ظاهرة الإفلات من العقاب التي تنتشر الآن في جميع أنحاء المنطقة. ومن جهتها، نفت الحكومة السعودية تورطها في اختفاء خاشقجي، في وقت تزعم فيه مصادر قريبة من الحكومة التركية أن لديها أدلة تدين السلطات السعودية.
وبين الموقع أن ما تقوم به المملكة العربية السعودية يُعتبر انتهاكا للمعايير الدولية، التي شهدت بدورها تدهورا حادا على النطاق العالمي. ولعل أفضل مثال على ذلك هو حدث اعتقال السلطات الصينية لرئيس المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، فضلا عن استهداف روسيا المزعوم لمواطنيها في المملكة المتحدة.
وفي حال تأكّد تورط المملكة العربية السعودية في اغتيال مواطنها الذي فضل العيش في منفى اختياري، لن تكون هذه الحادثة إلا نقطة من بحر الانتهاكات العلنية التي تقوم بها المملكة في حق هذه المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة في ظل حربها على اليمن.
وبحسب الموقع، فإنه بغض النظر عن العلاقات الوطيدة التي تجمع المملكة العربية السعودية بالدول الأوروبية، يعدّ ما قامت به الحكومة السعودية مؤخرا سببا كافيا كي تعيد هذه الحكومات النظر في علاقاتها معها.
في سياق متصل، من المرجح أن تستمر الحكومات الأوروبية في إيلاء أهمية للمصالح الإستراتيجية والاقتصادية التي تجمعها مع المملكة العربية السعودية. لكن، في حال فشلت الدول الأوروبية في الضغط الآن بقوة على الرياض لتتحمل مسؤولية أفعالها، فستعتبر المملكة العربية السعودية هذا الفشل تشجيعا ضمنيا على اتخاذ قرارات سياسية أكثر خطورة.
وأوضح الموقع أنه على الحكومات الأوروبية، على الأقل، أن تطالب الحكومة السعودية بقبول إجراء تحقيق مستقل حول مصير خاشقجي. علاوة على ذلك، من المهم أن يكون هذا التحقيق موحدا ومنسجما حتى لا تتعرض هذه الحكومات لردود فعل من الرياض قد تكون في شكل عقوبات.
إلى جانب ذلك، يجب ألا تسمح الدول الأوروبية بإشراف السلطات السعودية على التحقيق في هذه القضية، الذي سيكون في الغالب غير حياديا؛ وهو الأمر الذي تقترحه كل من أنقرة والرياض.
وأورد الموقع أن ولي العهد السعودي الحالي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، يتمتع بدعم دولي كبير منذ سنة 2015. وترى الحكومات الغربية أن ابن سلمان يتبع مسارا إصلاحيا يتمتع بدعم محلي قوي، وهو الأمر الذي تحتاجه البلاد.
وقد ركزت إصلاحاته على تطوير التنوع الاقتصادي لتقليل اعتماد المملكة على عائدات النفط، فضلا عن دعم التحرر الاجتماعي. ونظرا لخوفها من فشل المملكة العربية السعودية في إدارة التحديات الداخلية بشكل فعال، دافعت الحكومات الأوروبية إلى حد كبير عن هذه الأجندة المحلية.
في المقابل، كان جليا منذ البداية أن هذه الرؤية الإصلاحية جاءت مصحوبة بإجراءات استبدادية قوية، حيث قام محمد بن سلمان بتضييق الخناق على الأصوات المعارضة داخل البلاد. وتشمل هذه الإجراءات الاستبدادية سجن بعض رجال الأعمال والناشطين الحقوقيين في مجال حقوق المرأة.
وأوضح الموقع أن اختفاء خاشقجي يتوافق تماما مع هذا التوجه الذي تبناه ابن سلمان، فقد كان خاشقجي مؤيدا سابقا للنظام الملكي السعودي، فضلا على كونه مستشارا سابقا لأحد الأمراء السعوديين. وفي وقت لاحق، أصبح خاشقجي ناقدا على نطاق دولي ومعارضا بارزا للحكومة السعودية حين اختار العيش في منفى اختياري منذ حزيران/ يونيو سنة 2017.
وفي حال تبيّن أن للرياض علاقة باختفائه القسري ومقتله المحتمل في تركيا، ستسلط هذه الحقيقة الضوء على مدى قدرة المملكة العربية السعودية على القضاء على معارضيها.
وأورد الموقع أن حملة الإصلاحات الداخلية في المملكة العربية السعودية قد رافقتها سياسة خارجية عدوانية تهدف إلى مواجهة الأعداء الإقليميين المحتملين للمملكة العربية السعودية.
وعندما يتعلق الأمر بالجهات الفاعلة المدمرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، توجه المملكة أصابع الاتهام لإيران وبعض البلدان الأخرى. لكن، من الواضح أيضا أن السياسات السعودية تلعب دورا مهما في تفاقم الصراعات الإقليمية.
وفي الختام، كشف الموقع عن كون الدول الأوروبية غير قادرة على لعب دور حاسم في تهدئة السياسات التي تنتهجها السعودية، في ظل دعم الإدارة الأمريكية غير المشروط للمملكة العربية السعودية، والذي يعتمد إلى حد كبير على الكراهية المشتركة لإيران.