لم يسبق للسعودية أن واجهت سهام الانتقاد على مدى تاريخها، منذ تأسيسها في سبتمبر 1932، مثل الذي تواجهه منذ نحو خمسة عشر شهراً، وتحديداً حين تسلّم محمد بن سلمان ولاية العهد.
تلك الشهور هي التي أصبح فيها بن سلمان يتحكم بالبلاد بشكل واضح؛ وهو ما تشير إليه تحركاته وتصريحاته، وكذلك أقوال الأمراء المعارضين من آل سعود، وآخرين مقربين من العائلة الحاكمة.
وفق هذا، يمكن الترتيب على أن ولي العهد هو المسؤول الأول والمباشر عن دائرة الانتقادات التي تحيط بالمملكة منذ أكثر من عام، حسب مراقبين للشأن الداخلي السعودي.
وفي جانب غير بعيد، فإن الإمارات التي يقودها أيضاً ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، الذي يتدخل بصورة ما في الشؤون السعودية، لم تتعرض لهذا الكم الذي تواجهه الحليفة السعودية.
اليمن.. خسائر سعودية ومنافع إماراتية!
الحرب الدائرة في اليمن منذ 2015، وتسببت بمعاناة كبيرة للمدنيين اليمنيين، كبّدت السعودية، وما زالت، خسائر كبيرة؛ ففضلاً عن خسائر بشرية ومادية ما زالت الرياض تنفق مليارات الدولارات لشراء الأسلحة المستخدمة في حرب التحالف السعودي الإماراتي.
وحجة الرياض في نشوب المعركة تتمثل في “الدفاع عن شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي”، والتي تجاوزها الحوثيون وسيطروا على عدة مدن، أهمها العاصمة صنعاء.
وعن قرب، فإن الإمارات تقف بقوة إلى جانب السعودية في هذه المعركة، حتى إن اسم التكتل العسكري الذي يجمعهما تحوّل إلى “تحالف السعودية والإمارات”، بعد أن كان باسم “التحالف العربي”.
وعلى صعيد الخسائر، فإن تلك التي تلقتها الرياض، سواء مادياً أو بشرياً، تفوق الشيء ذاته بالنسبة للإمارات، حتى على صعيد السُّمعة الدولية التي باتت تلتصق ببلاد الحرمين.
فالسعودية تتعرض لهجمات بصواريخ باليستية يطلقها الحوثيون، وتعلن الرياض باستمرار التصدي لها، لكن عدداً من الصواريخ تمكنت من أهدافها، حسب ما تقول وسائل إعلام تابعة للحوثي.
والأمر يختلف مع الإمارات؛ فهي على الرغم من توغلها واستيلائها على مناطق يمنية، وانتفاعها من موارد البلد الذي أضحى تعيساً، لم تتعرض لضربات صاروخية إلا بشكل محدود.
“دهاء” بن زايد و”سذاجة” بن سلمان
في وقت سابق تحدث “ديفيد هيرست”، مدير تحرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عما سماه “مخطط الإمبراطورية الإماراتية”، حيث أشار إلى أن “اتساع نفوذ أبوظبي وصل إلى التلاعب بمصائر دول”، على حد تعبيره.
هيرست تحدث في مقاله عن سفير الإمارات بواشنطن، يوسف العتيبة، وقال: “بمقدورهم (الإماراتيون) أن يتدخلوا، ويُنصبوا حكاماً ديكتاتوريين، ويُدبروا انقلابات، وبمقدورهم استخدام القوة القصوى”.
بدوره فإن الأستاذ بشعبة الدراسات الدفاعية بكلية لندن الملكية، أندرياس كريغ، ذكر في مقال له بموقع “ميدل إيست آي”، في أبريل الماضي، أن الإمارات أنشأت “لوبياً” خاصاً بها ليس للتأثير في صناعة القرار الأمريكي فحسب، بل لتغيير كامل السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وأوضح أن “شبكة معقدة من المحافظين الجدد التي وحّدت بين اللوبيات الإسرائيلية وعملاء الإمارات، نجحت في خلق مطبخ قوي لا يمكن للجمهوريين ولا البيت الأبيض أن يتجاهلوه”.
وبحسب ما يشير تحقيق لروبرت مولر فربما تكون “الإمارات قد أصبحت الأكثر تأثيراً على سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، وربما أيضاً أصبح تأثيرها يضاهي تأثير اللوبي الإسرائيلي (أيباك)”.
ويشير إلى أن الإمارات أنشات “بشكل بارع وماكر شبكة من صناع القرار السياسي والباحثين والخبراء والحسابات الإلكترونية المفبركة بأمريكا، وتحاكي طرق بث الرسائل من قبل اللوبي الداعم لإسرائيل. وقد استخدم محمد بن زايد كل هذه البنية من أجل القبول بابن سلمان”.
“دهاء محمد بن زايد”، بحسب وصف الصحفي الشهير روري دوناجي، كان وراء ما سماه “خطة” لتنصيب بن سلمان ملكاً على السعودية، بدلاً من محمد بن نايف، في منتصف العام الذي شهد حصار قطر من قبل الدولتين الخليجيتين الحليفتين.
وقال دوناجي، في مقال له على موقع “ميدل إيست آي”، صيف 2016، إن بن زايد قدم نصائح لبن سلمان، تعتمد على استراتيجيتين اثنتين: “إنهاء حكم الوهابية في السعودية، وفتح قناة قوية من التواصل مع إسرائيل”.
هاتان النصيحتان كانتا من بين الخطوات التي سارت إليها السعودية بعد تولي بن سلمان ولاية العهد، وهو ما شهده المجتمع السعودي من إجراءات ألبست ثوب “التغيير والإصلاح”.
وأضاف: “هذه الخطة التي دعمها بن زايد مدبرة بشكل جيد من قبل شركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة، وساهم في ترويجها بقوة يوسف العتيبة؛ إذ سيتم التركيز على بن سلمان وتقديمه كبطل من قبل الصحافة والكونغرس، والأوساط الأكاديمية”.
أما هيرست فيقول: إن “العتيبة يعتقد بالفعل أن سيده محمد بن زايد قد سيطر على السعودية مع صعود بن سلمان، الذي يمثل كتلة الشمع اللينة المثالية لتنطبع عليها المخططات الإماراتية”.
– هكذا صنع المعلم تلميذه
صحيفة “واشنطن بوست” وصفت- في مقال سبق أن نُشر العام الجاري- الروابط التي تجمع وليَّي عهد الإمارات والسعودية بعلاقة المعلم (محمد بن زايد) بالتلميذ (محمد بن سلمان).
وكشفت مجلة “نيويوركر” الأمريكية، مطلع أبريل الماضي، عن تحذيرات مبكرة أطلقها محمد بن نايف، ولي العهد السابق، منبهاً فيها من مخاطر “مؤامرة إماراتية” لإثارة الخلافات بين أفراد الأسرة السعودية الحاكمة.
وكشفت المجلة عن رسالة وجهها بن نايف إلى الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، حذّر فيها من “مؤامرة يقودها بن زايد لإثارة الخلافات داخل القصر الملكي السعودي”.
بن نايف أكد في الرسالة أن “بن زايد يخطط لاستخدام علاقاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتحقيق مآربه ومخططه الرامي إلى التدخل في الشؤون الداخلية السعودية”.
ويبدو أن بن زايد كان موفقاً في اختيار بن سلمان كتلميذ له، إذ تقول صحيفة “نيويوركر” التي نقلت عن مسؤول أمريكي سابق روايته عن “كيفية بحث إدارة ترامب عن عميل لتغيير المنطقة، ووجدت ضالتها في بن سلمان، فقررت احتضانه ليكون عميلها لتحقيق التغيير في المنطقة”.
تحقيق “نيويوركر” تطرق أيضاً إلى دور سفير الإمارات بواشنطن في حملة الترويج لبن سلمان في الدوائر الأمريكية، مضيفاً أن بن زايد “هو من ساعده على تحقيق نفوذه لأنه رأى فيه صورة زعيم شغوف بمحاربة أعدائه”.
– بن سلمان “المتهور”
“قليل الخبرة والمتهور”، هذا ما دأبت وسائل الإعلام الغربية عليه في وصفها لمحمد بن سلمان، لكن أكثر ما ينطبق على شخصيته هو “السذاجة” السياسية التي جعلت منه “ألعوبة” بيد الآخرين، حسب وصف مراقبين.
ويعود هيرست للقول: “اجتمعت كل روافع السلطة الآن في يد شاب غير مُخضرم يهوى المجازفة، كان قد أسَّس لنفسه، في الوقت القصير الذي قضاه على رأس وزارة الدفاع، سمعة تلخصت في التهوُّر”.
وورط محمد بن سلمان نفسه في ملفات وقضايا المنطقة بصورة لم يكن للرياض أن تتورط فيها لولا اندفاعه للاستجابة لكل ما يُملى عليه، ولم يكن ليتصرف بهذه الطريقة لو لم يكن يتقاطع بتوجهاته وسياساته تماماً مع ولي عهد أبوظبي.
(الخليج أونلاين)