أكد الكاتب والباحث المصري المعروف سامح عسكر، ان التحالف السعودي الإماراتي فشل في اليمن، وعليه الاعتراف بالهزيمة.
وأوضح عسكر في ورقة بحثية نشرها مؤخرا، ان قيادة التحالف السعودي تحولت إلى قيادة (دفع أموال) ليس إلا، وكل ما تفعله هي شراء مواقف دول.
ويعيد “المستقبل” نشر نص الورقة البحثية للباحث المصري سامح عسكر، كما هي نظرا لاهميتها:
“منذ ما يقرب من 4 سنوات أعلنت السعودية هجومها العسكري على اليمن بتحالف عربي من 10 دول، وذلك بأهداف منها طرد الحوثيين من صنعاء وإعادة منصور هادي كرئيس والقضاء على النفوذ الإيراني اليمن، رفضت سلطنة عمان الانخراط في هذا التحالف وفضّلت أن تظل وسيطا حكيما في الأزمات مع تصريحات سياسية تعزز شكوكية الهجمة وأهدافها الحقيقية .
صرح قادة التحالف بأن العملية لن تستغرق أكثر من أسبوعين، مع حملات إعلامية بانتصار عسكري وقرب سقوط الحوثيين للأبد..في ظل حملات أخرى موجهة للخارج بأن دول الخليج ملزمَة بإعادة إعمار اليمن وبناء ما تهدم بفعل الحرب، إضافة لضمان الحد الأدنى من الأمن الداخلي بعدم استهداف مدنيين وتدشين خطوط شحن غذائية لمساعدة اللاجئين والمشردين..
مرت السنوات ولم يحدث شئ مما سبق، بل تعقدت الأزمة واستفحلت حتى حدثت مجاعة حقيقية في منطقة ساحل الحديدة بفعل الحصار السعودي ومنع الصيادين من مزاولة أعمالهم، في حيث أنفق التحالف مئات المليارات من الدولارات على السلاح لم ينفق دولار واحد على إعادة الإعمار، خصوصا في عدن التي تعاني من فقدان الخدمات الأساسية من كهرباء وتعليم ورعاية صحية، وبرغم انسحاب الحوثيين من عدن قبل 3 سنوات إلا أن المدينة لم تشهد أي تنمية أو جهد لتحسين حياة اليمنيين، وباتت عدن وباء اغتيالات يومية ومظاهرات وصراعات وتفجيرات لا تنقطع بفعل الصراع الإقليمي والخلافات بين دول التحالف نفسها.
شعب اليمن يتألم بشكل فظيع وكأنه منذ 4 سنوات يعاني من ولادة متعسرة لجنين مشوّه تتصارع عليه الأنياب والمخالب، فشل التحالف السعودي في الحسم العسكري أو في تأمين حياة المواطنين، وباتت طائراته تقصف بشكل يومي أبرياء ليس لهم ذنب في الحروب وآخرها مجزرة أطفال ضحيان بصعدة، ومجمع مدارس في الحديدة، مما دفع المجتمع الدولي للإدانة والتنديد بهذه الجرائم التي ترتكبها أغنى الدول العربية وأكثرهم نفوذا على المستوى الدولي.
هذا الوضع المحزن تبرره السعودية والإمارات بأنهم محاصرين بنفوذ إيراني معادي من كل الجوانب، شمالا في العراق وسوريا، شرقا بقطر وجنوبا باليمن، تبريرا لا يفهم منطق المفاوضات ولا دبلوماسية الحكام، فمع أقل مشكلة تجدهم يسحبون سفرائهم من إيران ويعلنون نقل المعركة لأراضيها، رغم تصريحات قادة إيران الإيجابية أحيانا واستعدادهم للتفاوض.
منذ أيام صرح وزير الخارجية الروسي لافروف: بأنه “لا يمكن منع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط” ، وإضافة أنه حق للدول كما أن للسعودية الحق في تشكيل نفوذها في آسيا الوسطى والقوقاز ما داموا قادرين على ذلك، وإضافة أن النفوذ الإيراني ينتشر من باب المظلوميات والبكائيات على اضطهاد الشيعة العرب، فكان من الأولى إثبات عكس ذلك وكفى ، لا أن يتمادى التحالف السعودي بإثبات صدق مزاعم طهران بأن السعودية والإمارات يضطهدون شيعة العرب ويقيمون حروبهم على أساس ديني وهابي.
أصبح الخوف محاطا بكل دولة خليجية تقريبا، فدول التحالف تشعر بالخوف من إيران ونوايا انتقام الأسد السوري، والمواطن اليمني يخاف من القصف السعودي والاغتيالات اليومية علاوة على خوفه الأكبر من شبح الجوع الذي دخل تقريبا كل منزل يمني بحسب منظمات إنسانية بأن أكثر من 12 مليون يمني باتوا مهددين بالمجاعة، حتى هذا الخوف تحول لكوابيس مخيفة وهواجس بالتقسيم والانشقاق الذي طال أكثر البيوت.
كانت الفضيحة التي بدأت بقصف هستيري لصنعاء منذ ما يقرب 4 أعوام ، تبعتها عمليات إبادة لأي تجمعات شعبية في شمال اليمن من جنازات وحفلات زفاف ومدارس، ظنا منهم أن هذه التجمعات وهمية لحقيقة عسكرية يخفيها الحوثيون، بالضبط كحجة إسرائيل بقصف مدرسة بحر البقر المصرية في الستينات بدعوى تخزين السلاح فيها، وكأن الجيش المصري عَدَم وجود خنادق أو مخازن تحت الأرض وبات يخزن أسلحته في مبانٍ يعلم جيدا أن العدو يترصدها..!
رفع ذلك أعداد الضحايا المدنيين حتى فاق ال 40 ألف بحسب تصريحات أممية، وأكثر من 100 ألف بإحصائيات داخلية، ليس من بينهم ضحايا الحرب العسكريون الذي سيفوق أعدادهم هذا الرقم، أو اللاجئين الأجانب من الصومال والقرن الأفريقي الذين لم يسلموا أيضا من القصف، وهذا يعني أن على المسافرين العاديين والمتنقلين أن يأخذوا تصريح من دول التحالف بصحة تنقلاتهم..مما يعني وقف الحركة الداخلية في دولة اليمن بشكل تام، علما بأن هذا الوقف لم يحدث أبدا في التاريخ..حتى في عز الحروب العالمية ظلت حركة الشعوب نشطة داخليا في زمن كانت فيه وسائل الدفاع الجوي ضعيفة، الآن بات على كل يمني أو يسكن حدود اليمن أن يحسب خطواته جيدا قبل الخروج من بيته..
إنها مأساه تجري فصولها منذ سنوات ولا تجد أذان صاغية بفعل المال الخليجي والمنطق النفعي البغيض الذي بات يحكم العالم، ولم عد له صدى عند صناع القرار، بل باتت كل دولة تنتقد سجل التحالف في المجازر وانتهاك حقوق الإنسان أن تعلن ذلك على استحياء خشية ما عرفوه بأنه نفوذ سعودي عربي، وفي الحقيقة بات العرب يكرهون هذا الدور لآل سعود، مما دفع حكامهم للمماطلة والمهادنة خشية فقدان قواعدهم الشعبية من ناحية أو فقدان الدعم المالي للسعوديين في ظل أزمة مالية تجتاح العرب وتؤثر على سعر العملة بشكل غير مسبوق تاريخيا..
هذا يفتح الباب لأسئلة منها، كيف يُسلم الإنسان دينه ورقبته ومصالحه لأناس لا يستحقون..فقط لمجرد ملكيتهم للمال؟..هل لهذه الدرجة وصل الضعف مداه ؟..أم أن هذا الضعف مرتبط بنظام عالمي أحمق يقوده رئيس مادي يحسب كل شئ بالأموال وحجم المدفوعات لخزينة واشنطن؟..وماذا عن خصوم هذا الرئيس الأمريكي ..كيف يسمحون بنظام عالمي متهالك لهذه الدرجة، وكيف يقبلون بذبح الشعب اليمني على مرأى ومسمع دون حسيب ورقيب؟
القصة بدأت –وكما حكينا في بحوث سابقة – بصفقة روسية مع السعودية بتمرير عاصفة الحزم في مجلس الأمن، مقابل كف أيدي الإمارات والسعودية عن التدخل في سوريا، حتى لو أجريت هذه الصفقة بشكل غير معلن، أو على غير هوى حكام المملكة أنفسهم، فقد بات واضحا أن المصلحة الروسية اقتضت في فترة ما أن عليهم إشغال السعودية في معركة خلفية بتفاصيل صعبة ومعقدة تمنعهم كليا من تشكيل تحالف قوي في سوريا ينافسهم، وقد حدث ذلك، حيث بدأ مؤشر النفوذ الخليجي يتضاءل في سوريا منذ اندلاع حرب اليمن، ورأينا متى دخل الجيش السوري لحلب والغوطة ودير الزور ودرعا في ظل انشغال دول الخليج بمعركة اليمن.
ربما لا نعرف الإجابة الدقيقة عن سر هذا القبول الروسي لحرب اليمن في مجلس الأمن سوى بتعبير الصفقة، وظني أن الجواب يتخطى هذا التعبير لشئون أخرى فلسفية لها علاقة بطبيعة النُظُم الخليجية المعتمدة على المال والدين، بيد أن الروس ربما رأوا أن سماحهم بحرب اليمن قد يعني تدمير كل هذه النُظُم الخليجية دفعة واحدة أو خلق بديل جديد عصري في ظل هواجس وكوابيس الدين والعرق والمذهب التي اجتاحت شعوب الخليج في سوريا، وآن الأوان لرد تلك الكوابيس لقلبهم مباشرة وفي عمق المنطقة الخليجية مما يشعل أكثر الصراع ويفقد الثقة بين المُكوّن الخليجي، وحدث ذلك فعلا بحصار دولة قطر وانشقاق مجلس التعاون لأول مرة في تاريخه بين ثلاث كتل كل منهم لا يتفهم وجهة نظر الآخر.
مصر ودورها في حرب اليمن والأزمة الخليجية؟
إن هذا الدور لا يعدو كونه متطفل ومستفيد ليس إلا، وأحسب أن الروس يعوا طبيعة النظام المصري الذي لا يملك سوى الكلام دون أي مواقف تفقد ثقة العسكريين فيه ليتكرر ما حدث في يونيو 2013 ضده شخصيا، فقط هو مستفيد من تجمع عربي ضد قطر – أيا كان حجمه – لتسويق رؤيته لها كداعمة للإرهاب، وفي اليمن مستفيد بمقايضة لخصت بدعم سياسي وإعلامي مقابل دعم مالي واستثمارات..
إلى هنا تحولت قيادة التحالف السعودي إلى قيادة (دفع أموال) ليس إلا، فكل ما تفعله هي شراء مواقف دول، حاولت شراء جنود في السابق لم يستجيب سوى السودان، أصبحت قيادتها متهمة بالطائفية وإشاعة الفقر والقتل في عموم اليمن، لم تنجح في دفع التهمة عنهم سوى بمزيد من الاحتيال السياسي وانغماس تام في الدفاع والتبرير دون تقديم أدلة واضحة أو خطة أو برنامج للخروج من الحرب.
لن نستعرض أخبار الحرب فهي تملأ قنوات الأخبار، فقط لمن يريد أن يسمع عن مأساة اليمن، وفي تقديري أن التحالف السعودي لم يعد ينظر للحرب كوسيلة حكم سياسي لبلد متمرد كاليمن، بل أصبح ينظر إليه بمقولة ..”إذا فشلت في كسب حليفك فاعمل على تدميره” ..وها هم يدمرون اليمن بعدما ثبت لهم منذ سنوات أن شعب اليمن يرفضهم، ومؤخرا ثار الجنوب في عدن على سلطاتهم مما يعني قرب إعلان وحدة شمالية جنوبية ضد التحالف ستأتي حتما..
أما الاستمرار في الكذب والخداع فلن يجدي نفعا، ويرفع من قدر الكارثة..حتى مع طموحات أمراء المملكة والإمارات بتكوين حلفاء داخليين لهم يكونوا جزءا من نفوذ ما بعد نهاية الحرب هو أيضا طموح مهدد بعدما أصبح مجرد ذكر الدولتين في اليمن – شماله وجنوبه – دافعا للاشمئزاز، وبات ذكر قياداتهم موجِبا للعن على ما أحدثوه من دمار وخراب ، مما يعني أن الانتساب لهم أصبح مشبوه ولم يعد خيار مفضل كما كان في بداية الحرب من بعض سكان عدن الذي رأوا التحالف يساعدهم على الانفصال والتحرر بشكل حقيقي عن سلطة صنعاء..
لقد فشلت السعودية والإمارات في اليمن، ولم يعد لهم خيار سوى الاعتراف بهذا الفشل، عاجلا أو آجلا ، فقط هم بحاجة لشجاعة من نوع خاص يصارحون بها أنفسهم قبل استفحال الكارثة وتٌسجّل كعلامة فارقة وصفحة سوداء في تاريخ أسرتين ملكا الرياض وأبو ظبي فترة من الزمن، حتى مع احتمالات التقسيم فلم يكن هذا من أهداف الحرب ، ولكن تقسيم اليمن بات أمرا واقعا حتى أن البلاد لم يعد بها حكومتين كما هو ظاهر، بل 4 حكومات، الأولى في صنعاء والثانية في عدن، والثالثة في الرياض، والرابعة في مأرب..وهذا سر التباين والتناقض والصراع الذي يحدث بين الجنوبيين الآن ودول التحالف ،بأن سلطاتهم الفعلية ليست بحكومة واحدة شرعية، بل ب 3 حكومات نافذة ومستقلة تماما عن بعضها.
أما عن جنوب اليمن فقد أصبح علامة خاصة لكيفية تدمير الدول، إقليم به عشرات الآلاف من المنازل والطُرق المهدمة بفعل الحرب، لم يقدم لهم دولار واحد للبناء والإعمار، بل يتم إنفاق المال الخليجي (للسلاح) وتجنيد أبناء الجنوب وطاقته العاملة في الدفاع عن حدود السعودية ضد هجمات الحوثيين، حتى أن الشاب منهم لا يمكث في العادة شهر واحد للتدريب أو عدة شهور ثم يُقتَل..هذا حال أبناء الجنوب الذين قتل منهم عشرات الآلاف في معارك نهم ومأرب والحديدة والحد الجنوبي للمملكة، كان يكفي هذا العدد إنشاء طاقة صناعية وإنتاجية بنفس القدر من المال لتحويل عدن إلى جنّة، لكن شاءت السعودية والإمارات تحويل هذه الجنة إلى قبر ووباء ،ظل وجوده شاهدا على أكبر أزمة إنسانية في العصر الحديث”..