تتّجه السعودية نحو فرض وجودها العسكري في محافظة المهرة كأمر واقع على المجتمع المحلي في المحافظة الواقعة على الحدود مع سلطنة عمان. وكلما اتسع نطاق الرفض الشعبي لهذا الوجود في سواحل المهرة وصحاريها، تلجأ الرياض إلى اصطناع المزيد من الذرائع لتبرير بقائها وبسط نفوذها في المحافظة الاستراتيجية
أخيراً، استغلت الرياض سقوط طائرة عمودية في صحراء محافظة المهرة (شرقي البلاد)، مدعية أن الطائرة كانت في مهمة مطاردة إرهابيين. يشكّك الكثير من المهريين بروايات التحالف السعودي ــ الإماراتي ضد اليمن لأسباب سقوط الطائرة التي قالت الرياض إن سقوطها كان نتيجة خلل فني، ويعتبرون ما حصل عملاً مدبراً يراد به فرض المزيد من السيطرة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بعد أن تبددت ذريعة مكافحة التهريب في سواحل المحافظة ومنافذها. يدلّ هؤلاء على صوابية تلك الشكوك بالتصوير الكامل لحادثة إسقاط القوات السعودية للطائرة، في موقع سقوطها، وهو ما يوحي بأن الأمر كان مدبراً. يشار إلى أن تاريخ سقوط الطائرة تزامن مع عودة أبناء المهرة الرافضين للوجود السعودي إلى استئناف اعتصامهم المفتوح في مديرية المسيلة القريبة من منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان.
عبد الكريم السقطري، الناشط في «المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى» الذي يقود الاعتصامات المناهضة للوجود السعودي العسكري في المهرة، أكد في حديث إلى «الأخبار» أن ذريعة «الإرهاب» التي لجأت إليها الرياض «لا يقبلها المنطق، لكون المهرة من المحافظات الأكثر أماناً». ورأى أن لصق الإرهاب بالمهرة من قبل السعودية «يأتي في إطار الملفات المعدة مسبقاً لتبرير مساعيها للسيطرة على البوابة الشرقية (لليمن) لتحقيق أجندة كانت تسعى لتنفيذها منذ عقود من جانب، ولمواجهة مطالب المجتمع المهري الرافض للوجود العسكري السعودي ومحاولة إخضاعه لحكم الأمر الواقع»، وهو ما يراه «مستحيلاً». ولفت إلى أن الرياض «حولت الطائرة وطاقمها طعماً لتنفيذ خطة معدة سلفاً لفرض سيطرتها على المهرة».
في الأسابيع الماضية، عمدت الرياض إلى مواجهة الاعتصامات السلمية المناهضة لها باختراق المجتمع من الداخل وشق وحدة الصف الاجتماعي من خلال الاستقطاب وشراء الولاءات في أوساط القبائل. ووفقاً لمصادر مهرية، فقد أقدمت الرياض على توزيع الامتيازات المالية والعينية لأبناء القبائل الرافضة لوجودها، يضاف إلى ذلك تجنيس المئات من أبناء المهريين وتقديم الوعود بمنح الجنسية السعودية لآلاف الشبّان في المحافظة. وأشارت المصادر إلى أن الرياض بدأت بالتحرّك لتفكيك قبائل من الداخل وتفريخ أخرى مناهضة لها وتصعيد مشائخ موالين.
في موازاة ذلك، سعت الرياض إلى التمدد العسكري في المهرة، ونصبت عدداً كبيراً من النقاط العسكرية، ونشرت قوات على الخط الساحلي من الغيظة حتى منفذ شحن البري ومنفذ صيرفيت الساحلي، وهو ما أثار حفيظة المهريين الذين عادوا لاستئناف الاحتجاجات المتمثلة بالاعتصامات المفتوحة المطالبة برحيل القوات السعودية. ومع انتقال الاعتصامات من الغيظة، عاصمة المحافظة، إلى مديرية المسيلة، حاولت الرياض الدفع بالعشرات من الموالين لها لتنظيم وقفة احتجاجية جرت بالقرب من اعتصام المسيلة أواخر الأسبوع الماضي. وفي الوقفة التي جرت بحماية القوات السعودية اتهم الموالون للرياض الاعتصامات المناهضة بإقلاق الأمن والاستقرار في المحافظة، وأعلنت تأييدها للوجود السعودي وللحملة الأمنية المعلنة، الخميس الماضي، من قبل السلطات المحلية الموالية للرياض والقيادات العسكرية السعودية، تحت مبرر ملاحقة الخارجين عن الأمن والاستقرار ومنع حمل السلاح في المحافظة، وهو ما يعدّ تلويحاً بقمع الاعتصامات، من جانب، ونزع سلاح القبائل تحت ذريعة منع حمل السلاح في المحافظة، من جانب آخر.
جديدة القضية، قيام قبائل المهرة في الساحل والصحراء بعد تلقيهم بلاغاً من سكان منطقتي ضحية وطوف شحر، أكدوا فيه وضع السعودية علامات إسمنتية، بحدود 25 كلم، تمهيداً للشروع في إنشاء أنبوب نفطي، بتنفيذ وقفة احتجاجية، أول من أمس، بقيادة وكيل المحافظة السابق المقال بسبب معارضته تأييده لمطالب السكان، الشيخ علي سالم الحريزي، وهددوا باعتصام مفتوح في حال استكمال وضع هذه النقاط. ورداً على التصعيد السلمي، قررت القوات السعودية، أمس، القبض على الحريزي بتهمة «التحريض والإخلال بالأمن والاستقرار وعرقلة فريق المسح الأمني التابع للمركز السعودي لإعمار وتنمية اليمن»، وهو ما أثار حفيظة أبناء المهرة، فوجّه شيوخ وأعيان المحافظة رسالةحذروا فيها من المساس بحياة الحريزي. وكان «المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى»، بقيادة السلطان عبد الله بن عيسى آل عفرار، قد حذر من أن أي قرار يصدر عن حكومة هادي يعدّ «غير ملزم لأبناء المهرة، لكون تلك الحكومة خاضعة للرياض، ومن المتوقع أن تلبي أي مطامع ورغبات سعودية توسعية».
وتحت ذريعة «مكافحة التهريب»، وأخيراً «مكافحة الإرهاب»، تسعى الرياض إلى تحقيق أطماعها في المهرة التي تحتسب موقعاً استراتيجياً مهماً، ذا قيمة اقتصادية، حيث تشرف على الممرات الدولية للتجارة في البحر العربي، الذي يربط دول المحيط الهندي بالعالم من الجنوب، وتتصل بصحراء الربع الخالي، وتقع على حدود سلطنة عمان من الشرق. فالرياض التي دفعت بقوات عسكرية ضخمة أخيراً إلى المهرة، بدأت قبل أيام بإنشاء أنبوب نفطي في الأراضي اليمنية بالقرب من منفذ خراخير البري. ووفقاً لمصادر، فقد أوقفت قوات تابعة لـ«اللواء 11 مشاة» عمالاً يتبعون إحدى الشركات السعودية على حدود المهرة اليمنية، أثناء قيامهم بأعمال رصّ لتمرير الأنبوب النفطي. وجاء ذلك بعد تسرب رسالة موجهة من شركة «هوتا» للأعمال البحرية للسفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، رداً على طلبه التقدّم بالعرض المالي والفني لتصميم ميناء سعودي وتنفيذه، لتصدير النفط عبر بحر العرب ومن موانئ المهرة، كما ورد في إحدى الوثائق. تلك المطامع التي تكشّفت وقابلتها حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بالصمت، لا تنحصر في إنشاء ميناء نفطي بالقرب من ميناء نشطون، وأنبوب نفطي يضخّ النفط السعودي من بحر العرب وإليه، بل للرياض مطامع أخرى أبرزها إنشاء قناة بحرية تربط الخليج العربي، مروراً بالمملكة، ببحر العرب، للالتفاف على مضيق هرمز.
إلى جانب الموقع الاستراتيجي، تسعى السعودية إلى السيطرة على منابع الذهب الأسود في محافظة المهرة الغنية بالنفط، حيث تكتنز رمال الصحاري والبحار ثروة نفطية وغازية. وفقاً لتقارير رسمية صادرة عن مكتب النفط والثروة المعدنية في محافظة المهرة، بلغ إجمالي القطاعات النفطية في مختلف مناطق المحافظة 87 قطاعاً حتى نهاية عام 2013، منها 12 قطاعاً إنتاجياً، و26 قطاعاً استكشافياً، و14 قطاعاً قيد الموافقة على الاستكشاف بعد المسح، و35 قطاعاً مفتوحاً. ورغم ذلك، سعت الرياض، على مدى العقود الماضية، إلى إلحاق عشرات القرى والمناطق المهرية الواقعة في نطاق الربع الخالي. وعمدت إلى استدراج أبناء تلك القرى المتباعدة المحرومة الخدمات، ومنحت أبناءها الجنسية السعودية، لتضم بعد ذلك أراضيهم بهدف السيطرة على حوض الربع الخالي.
(الاخبار اللبنانية)