تتعالى لهجة الإدانة في دوائر الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان، ضد حرب «التحالف» السعودي في اليمن، بعد إدراج الأمم المتحدة «التحالف» ضمن «قائمة سوداء» لمرتكبي الجرائم بحق الأطفال. ويبقى السؤال الأهم، ما هو سبب موجة الإدانات؟ وما هو تأثيرها على مستقبل التسوية في اليمن؟
نشرت الأمم المتحدة ملحقاً لتقرير حول الأطفال والنزاعات المسلّحة، يصدره الأمين العام للأمم المتحدة كل عام، تضمّن قائمة سوداء وَردَ فيها اسم «التحالف» العربي بين الدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق الأطفال. وسائل الإعلام العالمية تعاملت مع التقرير ــ وبالأخص ما أدرج فيه عن «التحالف» الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن ــ بالسرعة اللازمة.
وظهر أن الإعلام الغربي والعالمي ومراكز الأبحاث لم تعد قادرةً على «التعمية» وإغفال الحقائق عن الجرائم والفظاعات التي ترتكبها الرياض بحق الشعب اليمني. وكان الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، قد سحب العام الماضي ــ في سابقة خطيرة ــ قرار إدراج الأمم المتحدة للسعودية، ضمن «القائمة السوداء» بسبب قتلها لأطفال اليمن، وذلك تحت ضغوط سعودية وصلت إلى حد التهديد بإيقاف المساعدات المالية التي تُقدّم إلى الأمم المتحدة.
وسبق إدراجَ تقرير الأمم المتحدة «التحالف» ضمن القائمة السوداء، بيومين، تقديمُ عدد من أعضاء مجلس الشيوخ (من الحزبين الجمهوري والديموقراطي)، وهم: رو خانا، توماس ماسي، مارك بوكان ووالتر جونز، مشروع قرار يسعى إلى وقف مشاركة الجيش الأميركي في حرب السعودية في اليمن، معتبرين أن هذه الحرب منفصلة تماماً عن المعركة ضد تنظيم «القاعدة»، وأن الكونغرس لم يأذن بها أبداً. ويطالب هؤلاء الأعضاء بتصويت الكونغرس على سحب القوات الأميركية رسمياً من هذا الصراع «غير المأذون به».
وفي اعتراف صريح، كشف الأعضاء في مشروع القرار عن طبيعة مشاركة بلادهم في الحرب في الوقت الحالي، وهي تزويد الولايات المتحدة الطائرات الحربية السعودية والإماراتية التي تقوم بضربات جوية في اليمن بالوقود عبر الجو، فضلاً عن المساعدة في تحديد الأهداف. وأقرّوا في الوقت عينه بوجود حملة القصف والحصار التي تحول دون وصول الغذاء والأدوية إلى الشعب اليمني، وهو الأمر الذي يؤدي إلى أزمة إنسانية مدمرة.
تقرير الأمم المتحدة ومشروع قرار أعضاء الكونغرس، إلى جانب ارتفاع نبرة الإعلام تجاه جرائم السعودية في اليمن، تؤكد أن ما ترتكبه الرياض في اليمن لم يعد قابلاً للتعايش معه أو التعمية عليه. وتوضح أن تكرار مشاهد القتل الجماعي وصور أشلاء الأطفال والنساء فرضت نفسها على الأجندة الإعلامية الدولية والغربية، بعد طول ممانعة استهلكت فيها الرياض قدرتها بالحد الأقصى. بمعنى أن الأطراف الدولية المتماهية مع النظام السعودي، وخاصة واشنطن، باتت محرجة جداً أمام استمرار هذه الفظائع. ويأتي ذلك بعدما ثبت أن لا أفق سياسياً في المدى المنظور، وبعد الإخفاق المتكرر والممل في تحقيق نتائج عملية على الأرض، يمكنها تبرير التعايش مع القتل الوحشي والإجرامي بحق المدنيين.
هذا الواقع يفرض نفسه على واشنطن والعواصم الغربية وكذلك على مقاربة الأمم المتحدة للحرب على اليمن. ورغم ذلك كله، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن يفضي الحراك العالمي إلى إيقاف هذه الحرب التي تصفها بعض الدوائر الغربية بالعبثية؟ الجواب هو بالتأكيد لا. ولكن هذا الحراك يعدّ إشارة ملموسة على بدء مسار ضغط قد يفرض نفسه على الجانب السعودي، مع الإدراك كذلك أن الحرب باتت مطلوبة لذاتها، ربطاً باعتبار يقول إن أي تسوية ممكنه لا تحقق الحد الأدنى من الأهداف المعلنة للرياض لا يمكن قبولها، حتى تحقق الهدف المعلن من الحرب. كما أنه لا يمكن التعايش بعد عامين ونصف عام من الحرب، مع أي تسوية شكلية تبحث عن حفظ ماء الوجه السعودي.
في السياق ذاته، الجانب الآخر في صنعاء مطمئنّ إلى غياب رافعة ضغط عسكري عليه، وأن مآل التوجهات نحو فرض تسوية ترضي الرياض ــ بالحد الأدنى ــ بحاجة الى تحقيق نتائج عسكرية (للسعودية) غير متاحة في المستقبل القريب. وبالتالي تدرك صنعاء تلازم النتائج العسكرية والمسار السياسي، وتعنى بتحصين الجبهة الداخلية لتفويت الفرصة على «التحالف».
وعليه، يمكن القول إن كل الحراك الدولي، مروراً بمنظمات حقوق الإنسان والكونغرس الأميركي والإعلام العالمي، هو نتيجة الحرج الشديد للدول الداعمة لحرب السعودية، وليس بالضرورة أن ينعكس ضغطاً باتجاه تسوية ما، وإن كان يساهم في ذلك.
(لقمان عبدالله- الاخبار اللبنانية)