جاء السماح للنساء السعوديات بالقيادة كقنبلة دخان تغطي على أمور أخرى، فلا تزال السلفية الجهادية حية داخل المملكة، والأكثر من ذلك، فقد يكون هناك انقلاب آخر قريبا داخل بيت آل سعود.
«فجأة، يشيد الغرب بالمصدر الأيديولوجي لجميع فروع السلفية الجهادية كنموذج للتقدم، لأن النساء السعوديات سيسمح لهن أخيرا بالقيادة، فقط في العام المقبل، وفقط بعض النساء، ولا تزال النساء تخضعن لكثير من القيود»، هذا ما كتبه «بيبي اسكوبار» في صحيفة «آسيا تايمز».
والمؤكد الآن هو أن توقيت الإعلان، الذي يأتي بعد أعوام من الضغط الأمريكي، تم حسابه بدقة استباقا لزيارة منتظرة للعاهل السعودي للبيت الأبيض (ربما مطلع العام المقبل).
وقد تم تنسيق هذه الخطوة الناعمة من قبل ولي العهد «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 32 عاما، الذي يقف وراء الحرب المدمرة في اليمن، ولم يضف الملك سوى توقيعه.
ويخفي هذا التكتيك مشكلة خطيرة في الديوان الملكي، وقال مصدر في مجال الأعمال في الخليج العربي ذو معرفة وثيقة بآل سعود، بعد أن عقد عددا من الاجتماعات الشخصية مع أعضاء الأسرة، لصحيفة «آسيا تايمز» إن «أسر فهد ونايف وعبد الله، أحفاد الملك عبدالعزيز آل سعود يشكلون تحالفا ضد صعود ولي العهد إلى العرش»
ولا عجب من ذلك، بالنظر إلى أن ولي العهد المخلوع «محمد بن نايف»، الذي يحظى بتقدير كبير في الأوساط العالمية، يخضع للإقامة الجبرية، وتم إعفاء شبكة وكلائه الضخمة في وزارة الداخلية من سلطاتهم.
ووزير الداخلية الجديد هو «عبدالعزيز بن سعود بن نايف»، البالغ 34 عاما، وهو الابن الأكبر لحاكم المنطقة الشرقية الشيعية في البلاد، الغنية بالنفط، ومن الغريب أن يخضع الأب الآن لسلطة ابنه، ويحيط «محمد بن سلمان» نفسه بعديمي الخبرة من الأمراء في العقد الثالث من العمر.
وكان الملك السابق، «عبد العزيز»، قد أنشأ خلافة السعودية على أساس الأقدمية بين أبنائه، ومن الناحية النظرية، إذا كان هناك شقيقان في نفس العمر، يتم الاختيار بالقرعة، وبالتالي تجنب إراقة الدماء الشائعة تاريخيا في العشائر العربية بسبب التنافس على الخلافة.
ويقول المصدر: «من المتوقع أن يكون حمام الدم وشيكا»، ولاسيما لأن «وكالة الاستخبارات المركزية غاضبة من أن الحل الوسط، الذي تم التوصل إليه في أبريل/نيسان عام 2015، قد تم إلغاؤه بإلقاء القبض على أهم عناصر مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، الأمير محمد بن نايف». وقد يدفع ذلك إلى «اتخاذ إجراءات قوية ضد محمد بن سلمان».
ضغوط شديدة
ويؤكد مصدر الخليج العربي لـ«آسيا تايمز» على أن «الاقتصاد السعودي يتعرض لضغوط شديدة بسبب حرب أسعار النفط مع روسيا» وقد يؤدي ذلك إلى إفلاس بعض الشركات الكبرى في المملكة.
وكان ولي العهد «محمد بن سلمان» قد أقدم على شراء يخت بقيمة 600 مليون دولار، بينما أنفق والده 100 مليون دولار في عطلة الصيف، في حين تعاني المملكة عجزا ماليا كبيرا وتفرض على المواطنين إجراءات تقشفية.
وتهدف «خطة بن سلمان» رؤية «2030»، من الناحية النظرية، إلى تنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن أرباح النفط والاعتماد على الولايات المتحدة إلى اقتصاد أكثر حداثة (وسياسة خارجية أكثر استقلالية).
ويعد هذا أمرا مضللا تماما، وفقا للمصدر، لأن «المشكلة في المملكة العربية السعودية هي أن شركاتهم لا يمكنها الاعتماد على عمالة من السكان المحليين، وتعتمد على المغتربين بنحو 70% أو أكثر من موظفيها».
وبجوار ذلك، تحولت حرب «بن سلمان» على اليمن، والسعي السعودي لتغيير النظام في سوريا وإعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير، إلى كوارث مذهلة.
وقد رفضت مصر وباكستان إرسال قوات إلى اليمن، حيث أسفرت الهجمات الجوية السعودية التي لا تتوقف بالأسلحة الأمريكية والبريطانية، عن كارثة غذائية تقترب من المجاعة وتفشي الكوليرا، ما أسفر عن أزمة إنسانية هائلة.
وكان تنظيم الدولة الإسلامية الأداة المثالية لدفع العراق نحو الانهيار، وأصبح من المعروف الآن أن تمويل التنظيم جاء في الغالب من السعودية، حتى أن إمام مكة السابق اعترف علنا بأن «قيادة تنظيم الدولة تستمد أفكارها مما هو مكتوب في كتبنا، ومبادئنا الخاصة»، وهو ما يشير إلى التناقض السعودي في نهاية المطاف.
فالسلفية الجهادية لا تزال حية داخل المملكة، حتى مع محاولة «بن سلمان» (الوهمية) للتحول نحو الاتجاه الليبرالي، وتتمثل المشكلة في أن الرياض لا يمكنها التحول ببساطة إلى الليبرالية، حيث تكمن الشرعية الوحيدة لـ«آل سعود» في المبادئ الدينية.
وهناك أيضا الحصار الاقتصادي على قطر، وهي مؤامرة رائعة أخرى من مؤامرات «بن سلمان»، ولم يؤد ذلك إلا إلى تحسين علاقات الدوحة مع كل من أنقرة وطهران، ولم تتم الإطاحة بأمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» ، وتم تعطيل قيام الرياض وأبوظبي بـ«عمل عسكري» ضد قطر.
سرقة الشعوب العمياء
في فيلم «عدو الدولة»، أحدث أفلام «ميتش راب»، الذي كتبه «كايل ميلز»، كان الرئيس «ألكسندر»، جالسا في البيت الأبيض، يضحك ويقول: «ينفجر الشرق الأوسط لأن هؤلاء السعوديون الأوغاد كانوا يتجملون بالأصولية الدينية لإخفاء حقيقة أنهم يسرقون شعبهم الأعمى»، ويعد هذا التقييم حقيقيا وعادلا.
فلا يسمح بأي معارضة على الإطلاق في المملكة، وحتى المحلل الاقتصادي «عصام الزامل»، المقرب جدا من السلطة، قد اعتقل خلال حملة القمع الحالية.
وبالتالي، لا تأتي معارضة «بن سلمان» فقط من داخل العائلة المالكة أو بعض رجال الدين الكبار، على الرغم من أن الرواية الرسمية لا تستهدف سوى أولئك الذين يدعمون «الإخوان المسلمين» و«الإرهاب» التركي الإيراني القطري.
وبالنسبة لما تريده واشنطن، فوكالة الاستخبارات المركزية ليست مولعة بـ«محمد بن سلمان»، على أقل تقدير، ويرغبون في عودة «رجلهم» بن نايف، أما بالنسبة لإدارة «ترامب»، فلديهم نهم نحو «المال السعودي، خاصة استثمارات البنية التحتية في مشروع حزام الصدأ».
(المصدر | فاينانشيال تريبيون- ترجمة: الخليج الجديد)