وجه رئيس الجمهورية الاسبق رئيس المؤتمر الشعبي العام الزعيم علي عبدالله صالح رسالة هامة الى الداخل والخارج، وذلك بمناسبة توليه السلطة قبل 39 عاما.
وكشف صالح، في ثنايا رسالة نشرها على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عما دار بينه وبين السياسي اليمني المخضرم المرحوم الدكتور عبدالكريم الارياني، قبل وفاته.
وفيما يلي نص الرسالة التي وجهها صالح:
“بسم الله الرحمن الرحيم
بعد مرور 39 عاماً منذ أن تحمّلت مسئولية قيادة الوطن والتي استمرت مدّة ثلاثة وثلاثين عاماً ونيف بتكليف من شعبنا اليمني العظيم وبإرادته عبر ممثليه في مجلس الشعب التأسيسي (البرلمان) الذي انتخبني في الـ17 من يوليو عام 1978م رئيساً للجمهورية.. وقائداً عاماً للقوات المسلحة، في ظروف أقل ما يُقال عنها بأنها كانت قاتمة وحالكة الإظلام، نتيجة الأوضاع المفعمة بالتعقيدات والمخاطر الناجمة عن حالة الفوضى التي عمّت البلاد والإضطرابات والصراعات، لا أملك إلّا أن أتوجّه بالحمد والشكر لله -جلّ جلاله- الذي أمدني بالعون.. وكتب لي التوفيق في تحقيق ما استطعت عليه لوطني وشعبي، وهذا الحمد والشكر مقرون بأسمى آيات الإمتنان والتقدير لكل أبناء شعبنا اليمني الأبي ولتلك الجماهير الغفيرة التي توافدت إلى العاصمة صنعاء من أغلب محافظات الجمهورية، وفي مقدمتها تلك المسيرة الحاشدة التي قدمت من تعز لمطالبة مجلس الشعب التأسيسي بإنتخاب علي عبدالله صالح لقيادة الوطن.
كما أنني أجدها مناسبة بعد مرور هذه الفترة الزمنية للتذكير بأني كنت فعلاً -بعد أن استخرت الله سبحانه وتعالى- قد حملت كفني في يدي وأعلنت قبولي ورضوخي لإرادة الشعب بتحمّل المسئولية، مدركاً الحجم المهول للمخاطر والصعوبات والمعوّقات التي كانت محدقة بالوطن.. وبَمَن سيتحمل مسئولية قيادة مسيرة الإنقاذ، والإنطلاق صوب آفاق الأمن والإستقرار.. والنهوض الحضاري الشامل. وأهم ما أعتز به في تلك المرحلة المفصلية من تاريخ شعبنا أني لم آت لقيادة الوطن على ظهر دبابة أو بإنقلاب عسكري كما جرت عليه العادة، فقد جاءت السلطة إلينا ولم نركض وراءها أو نبحث عنها، ولم ننتزعها بقوة السلاح أو بالطائرات والمدافع ولا بإغراءات الدولارات والدنانير والريالات، ولا بالرشاوي والوعود أو بالتهديد والوعيد أو بالإرهاب والعنف، وإنما بإرادة الجماهير وممثليهم في البرلمان، وتلك كانت الإنطلاقة الأولى أو اللبنة الأساسية لترسيخ نهج الديمقراطية كخيار وطني ارتضاه شعبنا أسلوباً لحكم نفسه بنفسه، ولن يتراجع عنه، وهو ما يحتم على الجميع في كل الظروف والأحوال إحترام إرادة الشعب الذي يجب أن يعود إليه الحاكم والمحكوم في القضايا المصيرية، بإعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة ومالكها، مهما كانت التحديات والمغريات والغطرسة من أية جهات جاءت، لأن جميعها مصيرها الفشل.
يا أبناء شعبنا اليمني العظيم.. داخل الوطن وخارجه..
أتحدث إليكم اليوم.. أنا المواطن علي عبدالله صالح كأخ لكم.. عرفتموه واختبرتم صدق ولائه لله، ولوطنه ولشعبه وتمسّكه بالثوابت الوطنية المتمثلة في الثورة والجمهورية والوحدة والدستور والحرية والديمقراطية والسيادة والإستقلال.. بذل كل جهده وطاقاته من أجل إنقاذ الوطن.. ثم الإرتقاء به والإهتمام بالشعب رجاله ونسائه.. أطفاله وشبابه.. معتبراً الجميع إخوة ورفاقاً، تحمّلنا معاً مسئولية النهوض بالوطن وتحقيق التطوّر والإزدهار المنشود في كل الجوانب والمجالات.. وعلى وجه الخصوص رفيق دربي وشريكي الفاعل والأساسي في عملية بناء الدولة وتحقيق التنمية وترسيخ الأمن والإستقرار وتحقيق الوحدة، والدفاع عنها الشهيد العظيم الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني -رحمة الله تغشاه- وإلى جانبه الدكتور المرحوم عبدالكريم الإرياني الذي استمر في عطائه وتفانيه من أجل تحقيق الأهداف الوطنية التي رسمناها معاً وعملنا على تنفيذها حتى اللحظة التي وجد فيها نفسه داخل السعودية ومشاركاً بالحضور في مؤتمر قمة شرم الشيخ المشئومة على بلادنا التي أيّدت العدوان على شعبنا بطلب من الفار هادي، وقد عبّر قبل موته -رحمه الله- عن ندمه الشديد لاعناً ذلك اليوم الذي ذهب فيه إلى الرياض والظروف التي أرغمته على ذلك، مدركاً بأنهم كانوا يريدون أن يجعلوا منه مطيّة لتبرير العدوان على وطنه وشعبه، بالإضافة إلى أولئك الرجال المخلصين الذين ظلوا متمسكين بمبادئهم وثابتين على مواقفهم، لم يتحوّلوا ولم يتغيّروا ولم يتبدّلوا ولم ينحرفوا ولم يرضخوا لكل أنواع الترغيب والترهيب، وفي المقدمة العلماء والساسة والقادة العسكريون والأمنيون وكل رجالات الدولة، والإداريون والمشائخ والأعيان والمفكّرون والأدباء والشعراء والإعلاميون والصحافيون، وكل فئات المجتمع..
واستطعنا جميعاً تحقيق ما كان يطمح إليه شعبنا -ولو في حدّه الأدنى- في الأمن والأمان والتنمية الشاملة وبناء الدولة، وترسيخ النهج الديمقراطي، وإستخراج ثروات الوطن بقرارنا الوطني المستقل الذي انتزعناه من بين أنياب الذئاب المفترسة والتي كانت -ولازالت- لاتريد لشعبنا ووطننا الخير والتقدّم وإمتلاك حرية قراره. لم يكن العمل الوطني طيلة الثلاثة والثلاثين السنة التي تحمّلت خلالها مسئولية قيادة الوطن يسير في مسار واحد، وإنما كان يسير في عِدّة مسارات، لقد كان همّنا الأساسي هو العمل على إنهاء حالة التصدّع التي كانت تعيشها البلاد، وتوحيد الجبهة الداخلية وحشد كل الطاقات والجهود الوطنية لمواجهة تحدّيات البناء والتطوير، وإنهاء المشاكل التي كانت قائمة في المناطق الوسطى، وترسيخ الأمن والإستقرار، ومن ثم التوجّه نحو تحقيق التنمية الوطنية الشاملة إقتصاديّاً وإجتماعيّاً، والإهتمام ببناء الإنسان، وإستخراج الثروات، وبناء مؤسسة دفاعية قوية قادرة على حماية المنجزات والمكاسب الوطنية والدفاع عن سيادة وإستقلال الوطن.. وصولاً إلى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الهدف السامي والإستراتيجي للثورة اليمنية الخالدة (26سبتمبر و14 أكتوبر) والمجسّدة لتطلّعات اليمنيين ونضالاتهم الطويلة من أجل الوحدة. وبهذه المناسبة أوجّه التحية لكل أبناء الشعب اليمني العظيم دون إستثناء..
والتحية موصولة للمؤتمريين والمؤتمريات وحلفاء المؤتمر وأنصاره.. وأدعو إلى فتح صفحة جديدة تسودها الإخوّة والمحبة، وأؤكد لكم أنني سأكون مُصْلحاً ومُصَالِحاً ومعي رفاقي في المؤتمر الشعبي العام، هذا التنظيم الشعبي الرائد، وبأننا سنظل واقفين وصامدين ضد العدوان، في الوقت الذي ننشد فيه السلام.. سلام الشرفاء الشجعان.. لا سلام الإستسلام. وأدعو كل الأطراف اليمنية أيّاً كانت مسمّياتها أو مكوّناتها في الداخل أو في الخارج أن تكون القدوة في التضحية وأن تقدّم التنازلات للوطن، وأن يبتعد الجميع عن التمترس والمكابرة تحت أي مبرّر أو دوافع، فلابد من التضحية سواءً بالسلطة أو الجاه أو المال، وكذا التخلّي عن التبعية للخارج، لأن مبدأ الولاء الوطني لا يتفق بأي حال مع العمالة والتبعية أيّاً كان شكلها أو نوعها، فالوطن فوق الجميع، والتاريخ لن يرحم من سيظل متمسّكاً بمصالحه الذاتية على حساب مصالح الوطن، فليضحي الجميع بمناصبهم ومصالحهم وبما امتلكوه من مال وإمكانيات وجاه من أجل الوطن، كما ضحّينا عام 2012م بتخلّينا عن السلطة طواعية وبقناعتنا وتسليمها بالطُرق السلمية والديمقراطية حقناً للدماء وصوناً للأرواح وحفاظاً على الوطن، وأن يعتبر الجميع هذه التجربة قدوة، فلا تأخذكم العزّة بالإثم، وتظلون في المكابرة والعناد فالدم الذي يُراق يمني، والأرواح التي تُزهق يمنية والخاسر الوحيد هو الوطن اليمني أولاً وأخيراً، وعلى الذين يستمرؤون المتاجرة بدماء الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ وشباب تحت شعارات زائفة لا تُغني ولا تُسمن من جوع، تُملى عليهم من الخارج وبأموال خارجية أن يدركوا بأنهم مدانون، فليتعظ الجميع من كل العِبر ويبتعدوا عن المكابرة.
وأوجّه هذا إلى الجميع بدون استثناء.. وأخص أولئك الذين شاخوا والذين على وشك الشيخوخة والمتطفلون سياسيّاً أياً كانت إنتماءاتهم ومناطقهم. وأدعو إلى مصالحة وطنية شاملة لا تستنثي أحداً، والوقوف وقفة رجل واحد من أجل الوطن وإنقاذ مايمكن إنقاذه، لأن الموقف الوطني الموحّد والصلب سيجعل الأشقاء ومن تحالف معهم يحسون بحجم جرمهم الذي ارتكبوه في حق اليمن واليمنيين وسيرضخون لموقفكم الوطني الصادق والموحّد، وسيراجعون حساباتهم، ويتوقفون عن قتل اليمنيين أطفالاً ونساءً شباباً وشيوخاً، وتدمير كل مقدرات اليمن الوطنية من مستشفيات ومدارس وطرق عامة وجسور ومنازل المواطنين ومصانع ومزارع وجامعات ومطارات وموانئ ومحطات توليد الكهرباء ومشاريع مياه الشرب، والآثار والمعالم التاريخية الحضارية والسياحية. وستتمكنون -أيها اليمنيون الأحرار- بموقفكم الموحّد من الوقوف نداً لند مع دول الجوار التي تعتدي عليكم في مفاوضات مباشرة معهم والوصول إلى حلول مُرضية للجميع لا ضرر فيها ولا ضِرار. أقول هذا وأنا خارج السلطة ولا أطمع للعودة إليها ولا أفكّر فيها لا من قريب ولا من بعيد، كما تروّج له وسائل الإعلام سواءً الخارجي أو الداخلي ومواقع التواصل الإجتماعي، بهدف إثارة الفتنة. حافظوا -أيها اليمنيون الأحرار- على ثورتكم: ثورة 26سبتمبر وثورة 14أكتوبر ومكاسبهما العظيمة، وتمسّكوا بالنظام الجمهوري كنهج حكم ديمقراطي شوروي يمتلك الشعب فيه حريته وإرادته، ولا تفرّطوا بوحدتكم التي تحقّقت في يوم الـ22 من مايو عام 1990م بنضالكم وتضحياتكم وإرادتكم وبطرق سلمية وديمقراطية، والتي تعتبر تاج المنجزات وأغلى المكاسب الوطنية. مرّة أخرى أجدّد لكم التحية والتقدير، والشكر موصول لكل من عمل معي بإخلاص وجد وتفانٍ من أجل إنقاذ الوطن من براثن الصراعات الدموية التي شهدها في فترة الستينات والسبعينات، والأمل معقود على الجميع في أن تتضافر جهودهم لإنقاذ وطن الثاني والعشرين من مايو العظيم من المآل الكارثي والمأساوي الذي وصل إليه، ليظل وطناً شامخاً موحّداً ينعم في ظله كل أبناء الشعب بالأمن والأمان والإستقرار والعدل والمساواة.. تسودهم روح الإخاء والمحبة والتكاتف.
وابتهل إلى الله -جلّت قدرته- أن يرحم شهداء الوطن ويسكنهم الدرجات العلى في الجنة، ويعجّل بالشفاء لكل الجرحى الذين قدّموا أرواحهم ودماءهم رخيصة دفاعاً عن سيادة وإستقلال الوطن وسلامة أراضيه. وفي الختام.. أوجّه التحية والتقدير لكل المجاهدين من الجيش والأمن واللجان الشعبية.. ورجال القبائل الشرفاء، الذين يسطّرون أروع ملاحم البطولة والفداء في جبهات الحدود وميادين القتال دفاعاً عن الوطن وسيادته وإستقلاله، وعن كرامة الشعب وعزّته وأمنه وإستقراره. وإنه لنصر قريب بإذن الله..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
علــي عبدالله صالــح رئيــس الجمهوريـة الأسبـق رئيس المؤتمر الشعبي العام”