عبد الباري عطوان
انتهت مهلة الأيام العشرة التي قدمها خصوم دولة قطر الى قيادتها لقبول 13 طلبا وتنفيذها، كشرط لرفع الحصار والعقوبات الاقتصادية والسياسية المفروضة عليها منذ شهر تقريبا، الرد القطري جاء صلبا متحديا، وعبر عنه وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في آخر مؤتمر صحافي عقده في روما، عندما قال “ان هذه المطالب صممت حتى ترفض”، والهدف منها “ليس مكافحة الإرهاب انما تقليص السيادة”.
هذا “العناد” القطري ليس مفاجئا، ويرمي الكرة في ملعب الخصوم، ويقول لهم هذا هو موقفنا، والامر متروك لكم، واتخذوا الخطوات التي تريدونها و”نحن مستعدون لمواجهة كل العواقب”، مثلما اكد الشيخ بن عبد الرحمن.
***
خصوم قطر يبقون اوراقهم قريبة جدا الى صدورهم، ولكنهم يظهرون وكأنهم في عجلة من امرهم، ويريدون الانتقال الى المرحلة التالية، فمن غير المتوقع ان يقفوا مكتوفي الايدي بعد كل التهديدات والتحذيرات التي اطلقوها، ويمكن ان نتكهن بوجود خطة محكمة جرى الاتفاق عليها، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتحدث عن هذا الخيار بكل وضوح السيد عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، عندما اكد ان “الطلاق” وشيك، والسؤال هو عن موقف الشريكين الآخرين في المجلس، أي الكويت وسلطنة عمان؟
ثانيا: الغاء اشتراك قناة “الجزيرة” وقنوات أخرى محسوبة على دولة قطر في القمر الصناعي “عرب سات” ومقره الرياض، و”النيل سات” ومقرة القاهرة، تماما مثلما فعلت السعودية مع القنوات الفضائية التابعة لإيران وسورية.
ثالثا: تقديم وثائق الى محكمة الجنايات الدولية حول تورط شخصيات قطرية، وبعضها أعضاء في الاسرة الحاكمة في تمويل جماعات ارهابية.
رابعا: وضع دولة قطر على لائحة المقاطعة الاقتصادية على غرار ما فعلت الدول العربية مع إسرائيل قبل مرحلة معاهدات السلام، وتخيير الشركات الدولية بين التعامل مع قطر او مع التحالف الرباعي المضاد لها (السعودية، والامارات والبحرين ومصر).
خامسا: سحب الودائع الإماراتية والسعودية من البنوك القطرية (18 مليارا) وتجميد ودائع قطر في الدول الأربع.
اللواء أنور عشقي وفي نقاش مع برنامج “حديث الساعة على راديو “بي بي سي” عصر امس السبت، وكنت مشاركا فيه، قال وهو المقرب من دائرة صنع القرار في المملكة العربية السعودية، ان هناك شقين من العقوبات والخطوات التي يمكن ان تتخذ في حق قطر اذا لم تنفذ المطالب جميعا: الشق الأول معلن، وهو تشديد المقاطعة، اما الشق الثاني فهو سري لا يمكن الإفصاح عنه.
ما ذكرناه آنفا من خطوات وعقوبات قد يلخص الخطوات العلنية، بطريقة او بآخرى، لكن الجانب السري فربما يتعلق بالخطوة النهائية، أي الخيار العسكري في حال “صمود” قطر في وجه العقوبات الاقتصادية.
ما يجعلنا نتوقف عند احتمالات اللجوء للخيار العسكري، هو ما لم يقله اللواء عشقي صراحة وقاله مواربة، وهو ان القوات التركية التي تتدفق الى قطر ليس الهدف منها التصدي لاي تدخل عسكري خارجي، وانما لمواجهة أي اضطرابات داخلية بالنظر الى معداتها وتسليحها.
هذا الكلام يوحي بأن هناك مخططا للتحريض على انقلاب داخلي، ابيض او احمر، قد يكون من قبل احد اجنحة العائلة الحاكمة، او بعض القبائل القطرية القوية، مثلما حدث في محاولة انقلاب عام 1996.
هناك تفسير آخر ينسخ ما تقدم او يكمله، وهو ان الدعم اللوجستي الثقيل للقوات التركية التي يتضخم عددها وعتادها أسبوعا بعد أسبوع، قد يأتي من ايران القريبة، وان هناك اتفاقا ثلاثيا قطريا تركيا إيرانيا جرى التوصل اليه في هذا الصدد اذا استدعى الامر، ويفسر هذا التشدد القطري.
***
وجود قوات تركية “سنية” ربما يثير حساسية السعودية والامارات، ولكنه قطعا لا يغضب أمريكا، وخصوم قطر بالقدر نفسه لو استعانت الأخيرة بقوات او مستشارين عسكريين إيرانيين مثلما هو الحال في سورية مثلا.
القيادة القطرية تدرك جيدا انها ستواجه أياما صعبة، ولكنها قررت رفض “وثيقة الاستسلام” وبنودها الـ13، وتصعيب مهمة خصومها بكل الطرق والوسائل، وعدم الصراخ أولا في “مسابقة” عض الأصابع.
لن يطول انتظارنا لمعرفة السيناريوهات العلنية والسرية المتوقع البدء في تطبيقها في الساعات والأيام المقبلة، لكن الامر المؤكد ان الخليج كله وقع في مصيدة “اللا استقرار” التي اعتقد انه سيكون في منأى عنها، وتدخل بقوة لابقائها بعيدة عن محيطه الجغرافي والديمغرافي.. والأيام بيننا.
(رأي اليوم)