في وقت يسود فيه الارتباك والغموض المشهد السياسي والأمني، لا يزال المشهد الإنساني على حاله. موجة الكوليرا لم تنحسر، والحصار لم يُرفع، والمجتمع الدولي ومنظماته ووسائل إعلامه لم تتحرر من سطوة المال السعودي. الشيء الوحيد الذي يتغيّر هو عدد ضحايا الوباء القاتل.
بعد أسبوع من إعلان تحالف العدوان على اليمن انتهاء دور قطر فيه، لا تزال ارتدادات الخلاف الخليجي على مجريات الصراع الجاري هناك تتبلور.
يزداد تخوّف المحور المعادي لصنعاء من تزعزع التحالفات التي شكلها على الأرض، والتي هي أصلاً على خلاف دائم وتسبّب خسائر كبيرة مادية وبشرية في أكثر من جبهة، كما يدور الحديث عن انقسام لا مفرّ منه في ظلّ تبدّل الأوراق والحسابات وتصاعد وتيرة الاتهامات المتبادلة بين السعودية والإمارات، وبين وقطر، إلى درجة أصبحت فيها وسائل إعلام الأخيرة المدافع الأول عن حقوق المدنيين اليمنيين تحت القصف والحصار!
فلكل صراع خليجي ــ خليجي، مهما كان بسيطاً، انعكاس واضح على الميدان اليمني، ولا سيما مع تداخل أطراف دولية في الصراع، ترى في البلد الفقير الذي يحتاج أكثر من نصف سكانه إلى مساعدات إنسانية «عاجلة»، ساحة ملائمة للاستقطاب والتجاذبات الإقليمية. هـذا الانعكاس يمكن ترجمته على الأرض عبر الخسائر الضخمة التي يتكبّدها «التحالف»، وعجز القوات الموالية للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي عن تحقيق أي تقدّم أو إنجاز، إلى جانب تزايد الحديث عن سوء في التنسيق والتواصل في ما بينها وفقدان ثقتها بعضها ببعض.
ويوم أمس مثلاً، جُرح عدد من الجنود في القوات الموالية لهادي جراء اشتباكات داخل معسكر قوات الشرطة العسكرية في مديرية التواهي في عدن، وذلك بسبب اقتطاع قائد المعسكر جزءاً من رواتب الجنود.
وبينما ينتظر العالم تفكّك أو ترابط التحالفات، يستمر وباء الكوليرا في التفشّي، حاصداً أكثر من 923 مدنياً في عشرين محافظة منذ نيسان الماضي، وفق ما أعلنته «منظمة الصحة العالمية». وقالت المنظمة إنه تم الإبلاغ عن أكثر من مئة وعشرين ألف حالة يُشتبه في إصابتها بالوباء، مشيرة إلى أن معظم هذه الحالات تمّ تسجيلها في أمانة العاصمة صنعاء، حيث سجّلت 21538 حالة، تبعتها محافظة الحديدة بـ14107 حالة، وحجة بـ13279 حالة، وعمران بـ13148 حالة.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة «الإنقاذ» في صنعاء عبد الحكيم الكحلاني، لـ«الأخبار»، إن «المرض لا يزال ينتشر ويزداد اتساعاً»، محذراً من تعاظم الكارثة الإنسانية نتيجة الفجوة الكبيرة بين الاحتياجات على الأرض والمساعدات الإنسانية من المنظمات التي تجد صعوبة في إرسال شحنات أكبر في وقت أقل.
ووفق الخبراء والأطباء، فإن السبب الرئيسي لموجة الكوليرا الحالية، وهي الثانية في أقل من عام بعدما سبقتها موجة أولى انحسرت في آذار الماضي وحصدت 103 أشخاص، هو العدوان السعودي، الذي إضافة إلى عمليات القصف المنهجي لأهداف غير عسكرية، وبالأخص المصادر الاحتياطية لتغذية مياه الشرب ومخازن معدات الحفر والتنقيب، يفرض حصاراً برياً وجوياً وبحرياً منذ آذار 2015.
وكان المتحدث باسم منظمة «يونيسيف» في اليمن، محمد الأسعدي، قد أشار في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «نصف حالات الإصابة بالكوليرا هي من الأطفال»، مؤكداً أن الكوليرا واحد من الأوبئة التي «يمكن تجنّبها»، لكنه في ظل الحرب والحصار يتسبّب في «موت طفل يمني دون الخامسة كل عشر دقائق». ورغم وجود علاج، من المتوقع أن يرتفع عدد الضحايا بصورة كبيرة نتيجة تواصل الغارات الجوية للعدوان، إضافة إلى منع وصول المساعدات الإنسانية (ثلث المحافظات اليمنية على شفير المجاعة).
ووفق أحدث الإحصاءات الرسمية، تمّ تدمير أكثر من 307 خزانات وشبكة مياه، إضافة إلى مئات الآبار، الأمر الذي ترك أكثر من 85% من السكان يعانون من أجل الحصول على المياه للشرب والاستحمام، طبقاً للأمم المتحدة.
وتزامناً مع مناشدة صنعاء للضغط على السعودية والدفع بها نحو الرفع الفوري للحصار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الطارئة، أعلن تحالف «القوات البحرية المشتركة»، الذي يضم الولايات المتحدة ودولاً أخرى بينها المملكة المتحدة وفرنسا والمملكة السعودية، تعزيز انتشاره غرب ميناء عدن، بعد هجمات قال إنها طاولت سفناً تجارية أخيراً، آخرها الهجوم المزعوم على ناقلة نفط تحمل علم جزر مارشال لدى مرورها في باب المندب مطلع الشهر الجاري.
وقال التحالف في بيان إن «الهجمات الأخيرة ضد سفن تجارية في خليج عدن وباب المندب تظهر أن مخاطر النقل في هذه المياه لا تزال موجودة… في مواجهة هذه التهديدات، ستعزز القوات البحرية المشتركة وجودها لتأمين السفن التجارية وغيرها».
بالعودة إلى تداعيات الخلافات الخليجية على الجبهات اليمنية، شهدت حضرموت، المحافظة التي باتت تشكل اليوم مسرحاً للصراع بين الأقطاب الإقليمية والدولية، ميدانياً، عودة لتنظيم «القاعدة»، بعد عام من إعلان تحرير مدينة المكلا من قبضة التنظيم الذي فرض سيطرته على المديريات الساحلية للمحافظة في 2015.
وتبنّى «القاعدة» الهجوم على معسكر للقوات الموالية لهادي في مديرية دوعن، البوابة الغربية لمديريات وادي حضرموت والصحراء، وقال في بيان إنه «استهدف معسكراً لقوات النخبة الحضرمية بسيارتين ملغومتين وبالأسلحة النارية، في وقت مبكر من صباح الإثنين (الماضي)»، مشيراً إلى أن «عدداً من جنود المعسكر قتلوا، وتم تدمير عدد من العربات»، فيما لقي أحد مقاتلي التنظيم حتفه.
ووقع الهجوم في محيط بلدة بضة في محافظة حضرموت، وهي المنطقة نفسها التي تعرضت لهجوم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري من التنظيم نفسه الشهر الماضي. ويرى المراقبون في الهجوم رسالة، خاصة أن في «القاعدة» ورقة ضغط تُدار بواسطة «أدوات محلية» عبر حلفاء «استراتيجيين».
وتزامن الهجوم على منطقة بضة مع الموعد الذي كان مقرراً لعقد الاجتماع الأول لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» في مدينة المكلا (الثلاثاء)، قبل أن يُعلن تأجيله إلى موعد آخر. ورغم التقارير التي قالت إن التأجيل جاء «نتيجة لعدم تمكن بعض قيادات المجلس وأعضائه الموجودين في الخارج من الحضور إلى المكلا في الموعد المحدد»، فإنه يطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الصراعات، المحلية في المظهر والإقليمية في الجوهر، في حضرموت، وهل هي مرتبطة بالأزمة الخليجية الحالية.
أما في تعز، فلا تزال الأنباء متضاربة حول سيطرة قوات هادي على القصر الجمهوري، بعد احتدام المعارك الشرسة منذ مطلع الأسبوع الجاري، بين هذه القوات من جهة والجيش اليمني واللجان الشعبية الموالية لحركة «أنصار الله» من جهة أخرى.
إلى ذلك، أعلنت «القوات البحرية» التابعة لـ«أنصار الله» استهداف سفينة حربية تابعة لقوات «التحالف»، قالت إنها كانت «تقوم بأعمال عدائية قبالة سواحل مديرية المخا» جنوب غرب محافظة تعز. ونقلت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» في صنعاء، أمس، عن مصدر تأكيده «استهداف السفينة التابعة لقوى العدوان، فيما أوضح مصدر آخر أنها القطعة البحرية العاشرة من ضمن البوارج والسفن الحربية التي استهدفها الجيش واللجان، إضافة إلى أكثر من 10 زوارق حربية منذ بدء الحرب.
(الأخبار اللبنانية)