اعتادت السعودية إصدار فرماناتها الملكية في ساعات الفجر. لكن «فرمان» أمس ضد قطر جاء بمثابة إعلان حرب دون بنادق. «المحمّدان» (ابن سلمان وابن زايد) يريدان ما هو أكثر من تأديب «الإمارة المشاغبة». جمعا خلفهما مصر والبحرين وأعلنا صراحة: لا مكان لقطر بدورها الحالي بيننا. هذا الشقاق الضخم الذي سيكون له تداعيات كبيرة، سيؤثّر في مصير «دُرّة» العمل السياسي والأمني والاقتصادي في الخليج، «مجلس التعاون الخليجي». وفي انتظار ما سيرشح عن «مبادرة» أمير الكويت في السعودية اليوم، يبدو أن الأزمة المستجدة قد تمرّ بعواصف جديدة لن تهدأ قبل انحناء «أمير الدوحة» أمام «الحاكمان بأمرهِما»
كما كان متوقّعاً، أغلقت السعودية والإمارات باب الوساطات مع قطر، وأعلنتا «الحرب المفتوحة» على «الإمارة المشاغبة». لم يتطلب الأمر أكثر من أسبوعين حتى تحولت الهجمة الإعلامية غير المسبوقة على الدوحة إلى خطوات عملياتية تمثلت في قطع العلاقات وإغلاق الحدود. كل المحاولات القطرية لتحييد السعودية عن بؤرة التوتر مع الإمارات باءت بالفشل، فيما بدا أنّ مساعي الكويت وعمان لاحتواء الخلاف ومنعه من الانفجار آلت إلى طريق مسدود.
هكذا أعلنتها الرياض وأبو ظبي صراحة: لا مكان لقطر، بصورتها الحالية، بيننا. إعلان يشكّل التصدع الأكبر في جدران البيت الخليجي منذ تأسيس مجلس التعاون عام 1981، ويفتح الباب على سيناريوات خطيرة قد لا يكون النزاع الدائر حالياً إلا الشرارة الأولى لها.
يقول الرجل الأول في السعودية، محمد بن سلمان، ومن ورائه حاكم الإمارات الفعلي محمد بن زايد، من خلال خطوات أمس، إنهما لا يريدان منافسة قطرية في أي ساحة من ساحات النفوذ، وإن الوقت حان لتسديد «الضربة القاضية» للدوحة بعد تضييق الخناق عليها في شرق أفريقيا وشمالها وجنوب الجزيرة العربية، فما الذي ستفعله قطر حيال «حرب الإلغاء» المعلنة عليها من قبل «الأشقاء»؟ الأكيد أن تنازع «الوكلاء» في كلّ من ليبيا واليمن وسوريا سيتسعر، لكن هل سيكون باستطاعة حلفاء الدوحة، قياساً إلى حجم القوة المحدود لدى راعيتهم، والتكتل الخليجي الذي تؤازره مصر في وجههم، الصمود قبالة كرة النار المتدحرجة؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.
الأكيد أيضاً أن ما جرى يحشد أسئلة كبيرة و«محرجة» حول مصير مجلس التعاون الخليجي، الذي لا تبدو أزمة سحب السفراء بين دوله عام 2014 إلا ضربة مخفّفة مقارنة بما يحدث اليوم. تقول الدوائر الإعلامية المحسوبة على قطر إن قرارات السعودية والإمارات والبحرين الأخيرة لن تؤدي إلى «ضرب الدوحة ومحاصرتها فقط، بل إلى تفكيك مجلس التعاون وضرب الوحدة الوطنية بين دوله، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي». فهل يراهن القطريون على موقف مساند لهم من جانب الكويت وعمان؟ فمساء أمس، اتّصل الأمير الكويتي صباح الأحمد الجابر الصباح بأمير قطر، وأعرب عن «تمنيه على أخيه العمل على تهدئة الموقف وعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها التصعيد، والعمل على إتاحة الفرصة للجهود الهادفة إلى احتواء التوتر بالعلاقات الأخوية بين الأشقاء». في موازاة ذلك، وصل الأمير السعودي خالد بن فيصل بن عبد العزيز، مستشار الملك سلمان، إلى الكويت عصر أمس، في زيارة لم يعلن عنها سابقاً. وقالت وكالة الأنباء الكويتية إن أمير البلاد استقبل ضيفه «حيث نقل هذا الأخير رسالة شفوية من الملك السعودي، تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة التي تربط بين البلدين والشعبين والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية». وعلى خلفية الأزمة ذاتها، يتوجّه الملك الأردني عبدالله الثاني، اليوم الثلاثاء، إلى الكويت، للقاء أميرها. وبعد منتصف ليل أمس، أُعلن عن زيارة اليوم لأمير الكويت إلى السعودية، كما أجّل الأمير القطري خطاباً له «لاعطاء فرصة لجهود أمير الكويت» حسب تصريح وزير الخارجية القطري لقناة «الجزيرة».
أميركياً، لا يزال موقف الولايات المتحدة محل التباس رغم إشادة الجيش الأميركي أمس بقطر بسبب «التزامها المستمر نحو الأمن الإقليمي». آخر التصريحات الصادرة من واشنطن شددت على ضرورة حل الخلافات الخليجية، مبدية استعداد الجانب الأميركي للمساعدة في ذلك. تصريح يغسل يد واشنطن ممّا أقدمت عليه كلّ من الرياض وأبو ظبي. لكن هل تُعدّ إدارة الرئيس دونالد ترامب بريئة مما يدور فعلاً، أم أن قرارات حليفتيها جاءت بضوء أخضر منها ضمن خطة مواجهة «الإرهاب الإسلامي» الذي تُدخل واشنطن تحت عباءته «الإخوان المسلمين»؟ وإذا كان الأميركيون راضين بخطوات السعودية والإمارات، فهل في رضاهم محاولة لتصعيد الضغوط على قطر تمهيداً لابتزازها؟ حتى الآن، لا يمكن الجزم بحقيقة الموقف الأميركي، لكن ما لا يجدر استبعاده أن تعمد الولايات المتحدة إلى ترك الصراع يتفاقم حتى بلوغه، ربما، النزاع العسكري، في سيناريو يعيد إلى الذاكرة مشاهد غزو الكويت عام 1990.
وأعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين وسلطات الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي وحكومة شرق ليبيا (غير المعترف فيها دولياً)، أمس، قطع العلاقات مع قطر، بدعوى دعم الأخيرة لـ«الإرهاب». كذلك أعلنت الرياض وأبو ظبي والبحرين إغلاق أجوائها مع قطر، وأمهلت الزائرين والمقيمين القطريين على أراضيها 14 يوماً للمغادرة. وأنهى تحالف العدوان على اليمن، كذلك، مشاركة الدوحة فيه. واتهم بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس» قطر بـ«احتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة، تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة، ومنها جماعة «الإخوان المسلمين» و«داعش» و»القاعدة»، والترويج لأدبيات ومخططات هذه الجماعات عبر وسائل إعلامها بشكل دائم». كذلك اتهم البيان الدوحة بدعم «الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران» في القطيف، وفي البحرين أيضاً.
وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية «وام»، من جهتها، إن «الإمارات تقرر قطع العلاقات مع قطر، بما فيها العلاقات الدبلوماسية، وإمهال البعثة الدبلوماسية القطرية 48 ساعة لمغادرة البلاد». وفيما لم يصدر عن عمان والكويت أي موقف حتى وقت متأخر من مساء الإثنين، استغرب مجلس الوزراء القطري قرارات السعودية والإمارات والبحرين، معتبراً أن الهدف منها هو ممارسة الضغوط على الدوحة «لتتنازل عن قرارها الوطني». ورأى المجلس، في بيان، أن «القرار غير مبرر، ويستند إلى مزاعم وادّعاءات وافتراءات وأكاذيب». وأكد أن «قطر ستبقى وفيّة لمبادئ وقيم مجلس التعاون الخليجي، ومتمسّكة بكل ما فيه مصلحة وخير شعوب دول المجلس». وطمأن البيان المواطنين والمقيمين في قطر إلى أن «الحكومة قامت منذ وقت سابق باتخاذ كل ما يلزم من احتياطات لضمان سير الحياة الطبيعية، وعدم التأثر بأي تداعيات يمكن أن تنشأ عن الإجراءات التي اتخذتها الدول الثلاث». وأوضح أن «المجال البحري سيظل مفتوحاً للاستيراد، كما سيظل المجال الجوي مفتوحاً للاستيراد والتنقل ورحلات الطيران، باستثناء الدول التي أعلنت إغلاق حدودها ومجالها الجوي».
وفي وقت سابق، أعربت وزارة الخارجية القطرية عن «بالغ أسفها واستغرابها الشديد» لقرارات الرياض وأبو ظبي والبحرين. وعدّت الخارجية، في بيان، «اختلاق أسباب لاتخاذ إجراءات ضد دولة شقيقة في مجلس التعاون دليلاً ساطعاً على عدم وجود مبررات شرعية لهذه الإجراءات التي اتخذت بالتنسيق مع مصر، والهدف منها واضح، وهو فرض الوصاية على الدولة».
دولياً، وفي موقف لافت، استبعد وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان، ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس، أن يؤثر قطع العلاقات مع قطر على «محاربة الإرهاب»، لكنهما حثّا الجانبين على حلّ خلافاتهما. وقال تيلرسون، للصحافيين في سيدني، «(إنني) لا أتوقع أن يؤثر هذا كثيراً، أو على الإطلاق، في الحرب الموحدة على الإرهاب في المنطقة أو عالمياً». ودعا تيلرسون دول مجلس التعاون الخليجي إلى «حل خلافاتها»، معرباً عن رغبة بلاده في «المساعدة في ذلك».
وفي حين أملت روسيا ألا يؤثر الخلاف الدبلوماسي الخليجي الحالي على «العزم المشترك في الحرب على الإرهاب الدولي»، جازمة عبر المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بأن «من مصلحة روسيا أن يكون الوضع في الخليج مستقراً وسلمياً»، حضّت إيران الدول الخليجية على «حل خلافاتها بالطرق الدبلوماسية». وغرّد مساعد الشؤون السياسية في مكتب الرئيس حسن روحاني، حميد أبو طالبي، بدوره، على «تويتر»، قائلاً: «ما حدث هو النتيجة الأوّلية لرقصة السيوف»، في إشارة إلى زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسعودية مؤخراً.
من جهتها، عبّرت تركيا عن شعورها بـ«الأسى» للخلاف بين قطر ودول عربية أخرى، حاضّة على الحوار لحل النزاع. ولفت وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إلى «(أننا) نعتبر استقرار منطقة الخليج من وحدتنا وتضامننا»، مشدداً على أن «الحوار يجب أن يستمر تحت أي ظرف لحل المشكلات سلمياً»، ومبدياً استعداد تركيا لتقديم «أي مساندة لإعادة الوضع إلى طبيعته».
(الأخبار اللبنانية)