رصد الكاتب والباحث والمحلل السياسي المصري سامح عسكر ثلاثون حقيقة عن الحرب على اليمن والتي وصفها بـ “أكبر كارثة عربية في العصر الحديث”..
أولا: قامت ثورة 2011 ضد علي عبدالله صالح، ولكن انقسم الشعب لنصفين مؤيد ومعارض، ولم يتنحى صالح إلا بمبادرة خليجية عام 2012 قضت بتنازله عن الحكم لصالح نائبه عبدربه منصور كمرشح توافقي (مؤقت) لمدة عامين، أي تنتهي فترته عام 2014
ثانيا: انتهت فترة عبدربه منصور بدون تجديد ولا تدخل خليجي..فثار الشعب اليمني عليه في سبتمبر 2014 نتج عنها عزل حكومة بحاح لامتصاص غضب الثوار
ثالثا: ثوار اليمن آنذاك كانوا تحالف من حزب المؤتمر ورئيسه علي عبدالله صالح إضافة للحوثيين
رابعا: تعاطف الجيش اليمني مع الثوار وقرر الوقوف معهم كذلك والشرطة اليمنية، وتم الضغط على الرئيس اليمني لعقد اتفاق السلم والشراكة الذي قضى بمشاركة الثوار في الحكم، يعني الثورة أدت عمليا لخلع نظام رعته الدول الخليجية في مبادرتها عام 2012 وعليه أصبحت السعودية في وضع لا تحسد عليه..
خامسا: نقض الرئيس اليمني اتفاقه مع الثوار ولم يسمح بمشاركتهم في الحكم..مما أدى لانقلاب الجيش على الرئيس وقوفه في صف الثوار..وتم محاصرة كل القيادات الموالية له واعتقال كل الجنرالات المعارضين للثورة..
سادسا: الملك عبدالله كان في أواخر أيامه ولم تستطع السعودية فعل شئ مع كل التطورات في اليمن، وتمكن الثوار بالفعل وأمهلوا الرئيس اليمني مدة زمنية إما لتنفيذ الاتفاق وإما مغادرة البلاد..
سابعا: أعلن هادي تنحيه عن السلطة لعدم مقدرته فعل شئ ولعدم استجابة السعودية له وقوفها معه في الأزمة..
ثامنا: توفى الملك عبدالله ومسك سلمان الحكم..وقرر التدخل بدعم الرئيس المخلوع وإعادته لمنصبه، ونسق مع الإمارات لتهريبه من صنعاء إلى عدن..
تاسعا: بالفعل هرب عبدربه منصور إلى عدن بمساعدة بعض القبائل التي تلقت المال اللازم لتهريبه، وهناك تراجع عن تنحيه السابق وقال أنه ما زال في السلطة وطالب الحوثيين بتسليم السلطة وإخلاء القصر الجمهوري ومؤسسات الدولة..
عاشرا: كان منصور لا يدرك أن الحوثيين هم جزء من الثورة ضده وليسوا كل الثورة، فأدى ذلك لتحالف بقية الثوار مع الحوثي وزادت شعبيتهم جدا في الشمال ، وعاد الوضع إلى ما قبل عام 2011 ولكن بتغير جذري وهو تحالف الحوثي مع صالح ليصدق فيهم مثل (أعداء الأمس أصدقاء اليوم)
حادي عشر: قرر الحوثيون تأديب منصور واجتاحوا الجنوب وسيطروا على عدن ليعتقلوا الرئيس..لكن بتدخل مخابراتي إقليمي ودولي تم تهريب منصور إلى السعودية..وهناك نادى بتدخل عسكري ضد الحوثيين وحلفائهم..
ثاني عشر: أعلنت السعودية حرب اليمن بتحالف أكثر من 10 دول بهدف إعادة منصور إلى منصبه، والقضاء على الحوثيين الذين هددوا حدود المملكة وقتها.. وكان الحوثيون يتمرنون على الحرب بالفعل على الحدود في رسالة برد عسكري إذا قرر سلمان التدخل..
ثالث عشر: بعد ثلاثة أيام من الحرب أعلنت السعودية تدمير 80% من قوة وصواريخ الحوثي..التي هي بالأصل قوة الجيش اليمني الذي تعاطف مع الثوار في سبتمبر 2014، وبناءً عليه تم تدمير معظم مؤسسات الدولة اليمنية وبخاصة الجيش وتم قصف وزارة الدفاع والكليات العسكرية حتى المستشفيات والوزارات وبيوت المسئولين..
رابع عشر: بعد امتصاص الحوثيين للضربة بدأوا في هجوم مضاد واجتاحوا الجنوب السعودي وسيطروا على عدة قرى ومدن سعودية من ضمنها الرابوعة والخوبة ووصلوا إلى حدود نجران، وكان كل همهم تدمير آليات الجيش السعودي وتصوير ذلك لرفع روحهم المعنوية ودعم الجبهة الداخلية..
خامس عشر: بدأت الإمارات والسعودية بخطة جديدة وهي رشوة أهالي الجنوب وزعماء القبائل وصناعة حشد ديني برفع معدل الشعور بالخطر، وقد نجحت الخطة بوقوف بعض قبائل الجنوب معهم كيافع والضالع والصبيحي..وشكلوا مقاتلين محليين لقتال الحوثي وطرده من عدن بحجة (الخطر الفارسي الشيعي)..
سادس عشر: بعد 6 أشهر من الحرب نجح مقاتلي الجنوب إضافة للتحالف السعودي في طرد الحوثيين وصالح من عدن، لكن تبين بعد ذلك أن الحوثي وصالح انسحبوا بإرادتهم بغرض حل التحالف وخلخلته بدخول الإنفصاليين وقوى الحراك له، وهو ما تحقق بالفعل حتى أصبح التحالف في الجنوب هش للغاية ..يشبه تحالف الفصائل السورية المفككة ضد الأسد
سابع عشر: الآن بعد عامين ونصف من الحرب أصبحت المعركة بين طرفين اثنين الأول: تحالف سعودي إماراتي مع مقاتلين جنوبيين من عدن، ضد تحالف آخر بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح..أي أن السعودية تحارب الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح الذي تنحي بثورة عام 2011
ثامن عشر: اليمن منقسم الآن شمال وجنوب، الشمال يمثل 80% من عدد سكان اليمن فوق 25 مليون نسمة، هؤلاء كلهم مع الحوثي وقمار صناعية أو بوارج حربية أو صواريخ كروز وموجهة..
تاسع عشر: مقاتلي الجنوب أغلبهم مما يسمى (الحراك الجنوبي) هذا بالأصل يريد انفصال عدن عن اليمن وتكوين دولة مستقلة اسمها (جنوب اليمن) التي كانت مستقلة في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات..ثم قضى عليها صالح في حرب (الوحدة) عام 94، يريدون الآن إحيائها لعوامل تاريخية وثقافية بين الشعبين.
عشرون: يمثل الإخوان المسلمون وتنظيم القاعدة نسبة من مقاتلي الجنوب ضد الحوثيين، ويحركهم جهاز مخابرات آل سعود إضافة لأجهزة مخابرات دولية وولاءات قبلية ورشاوى لبعض أمراء الحرب.
حادي وعشرون: الرئيس اليمني المخلوع عبدربه منصور متحالف عمليا مع القاعدة والإخوان بوصفهم ألد خصوم الحوثي في الشمال، ولقتالهم عن عقيدة دينية سلفية مكافئة لعقيدة الحوثي الشيعية الزيدية، أي لا يمكن فض تحالف منصور مع الإخوان إلا والثمن سيكون الشرعية نفسها..
ثاني وعشرون: أدى تحالف الرئيس اليمني مع الإخوان لتذمر شعب الجنوب ذوي الميول الاشتراكية والشيوعية
ثالث وعشرون: الإمارات تدعم شعب الجنوب في تقرير مصيره ولأنه شعب علماني لا يدخل الدين في السياسة، لذلك تدعو الإمارات لانفصال عدن ، ولمصالح اقتصادية أخرى تمثلت بالسيطرة على جزيرة سوقطرى وميناء عدن المنافس الوحيد إقليميا لميناء دبي
رابع وعشرون: السعودية لا تريد انفصال عدن، وتسعى للقضاء فقط على الحوثي، لذلك هذا الملف هو نقطة الخلاف الثانية مع الإمارات بعد استعانة آل سعود بإخوان اليمن..وبالتالي نفهم أن حرب اليمن الآن تأخرت بسبب وجود تباين شديد وتناقض بين الحلفاء، بالسعودية تدعم الإخوان..الإمارات لا..السعودية ضد الانفصال..الإمارات نعم..
خامس وعشرون: شعب الجنوب يكره الإخوان والقاعدة..لكن لا يستطيع إعلان الحرب عليهم في عدن إلا بإذن وتوافق إقليمي بين السعودية والإمارات، وحتى الآن يوجد صراع خفي معهم تم إعلانه منذ يومين بمؤتمر جماهيري حاشد عرف إعلاميا (بإعلان عدن التاريخي) وفيه أن شعب الجنوب لا يعترف بشرعية هادي.
سادس وعشرون: الإمارات لا تريد هادي رئيس لأنه دمية في يد السعودية، وتبحث عن بديل يضمن بقاء الحرب ونزاهتها دوليا، وفور عثورها على البديل ستقرر الانقلاب ، والسعوديون يفهمون ذلك لذا فهم حريصون على أن يكون البديل الوحيد لهادي هو علي محسن الأحمر..وهو زعيم إخواني كبير..وبالتالي الإمارات ليس أمامها خيار سوى دعم هادي كرئيس-وهو ضد مبادئها- أو انسحابها من عاصفة الحزم..ووقتها ستحسب لها هزيمة عسكرية ويدخل الخليج كله في صراع وأزمة سياسية كبيرة..ربما تعصف ببعض أنظمة الحكم..
سابع وعشرون: ما تسمى (الشرعية اليمنية) ورئيسها المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي..ليس لها شعبية لا في الشمال ولا في الجنوب، الشماليون يكرهون عبدربه باعتباره خائن استدعى الأجانب لغزو البلاد، والجنوبيون يكرهونه لأنه ضد الانفصال..أي أن الحرب عمليا تقوم على وهم كبير وهو إعادة شخص مكروه لمنصب غير معترف به..وهو ما أسميه وأطلقت عليه في بداية الحرب (صراع بدون أفق سياسي) أي صراع عبثي وجرائمه لمجرد القتل..ولا فائدة مرجوة فيه..
ثامن وعشرون: كل ذلك ولم نتحدث عن الشمال الذي يضم 10 محافظات هي بنسبة 90% تحت سيطرة الحوثي وصالح..وكما قلت هي تمثل أغلبية السكان لذلك فخصوم التحالف العربي لديهم ميزة كبيرة مكنتهم من الصمود وهي (الظهير الشعبي)
تاسع وعشرون: إيران ليس لها نفوذ في اليمن..لكن هي مهتمة باستغلالها كورقة تفاوض ضد السعودية، وهذا ليس كلامي..بل كلام المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية في زمن أوباما..
ثلاثون: اليمن لديه أكبر نسبة سلاح في المنطقة، وجيشها كان من أقوى خمس جيوش عربية قبل الثورة اليمنية 2011، لكن تفكك جيشها وكثرة الصراعات أدى لتدمير دفاعها الجوي وطيرانها الحربي ومؤسساتها العسكرية..وما تنفق عليه دول التحالف العربي الآن في الهدم قد تنفق عليه أضعافه في البناء وإعادة الإعمار..لذلك اليمن بالنسبة للسعودية ودول الخليج (بؤرة استنزاف كبيرة) سواء انتصرت أو خرجت مهزومة أو ظل الوضع على ما هو عليه..
أخيرا: كان يمكن تفادي هذه الحرب من الأول بخطة سلام واقعية ومشاركة سياسية تضمن بقاء الحوثي وصالح في السلطة باعتبارهم جزء من النسيج اليمني، لكن طمع السعوديين في إقصائهم وغرورهم بقوتهم أدى إلى ما نحن عليه الآن من حرب عبثية تستهلك مقدرات الخليج، إضافة لتفشي المجاعة..هذا باب كبير آخر في الاستنزاف وتدمير للشعب يتحمل مسئوليته مشعلي هذه الحرب ومؤيدوها..
أما الدور الإقليمي والدولي والبعد الثقافي والاقتصادي فهذه جوانب أخرى تحتاج لصفحات من التحليل والشرح..لكن أكتفي هنا ببيان موجز غير مخل قدر الاستطاعة يعطي نبذة عن أعقد حرب والمرشحة لأن تكون أكبر كارثة عربية في العصر الحديث..