تشتهر الإمارات العربية المتّحدة بناطحات السحاب والرفاهيات والترف، لكنَّ حجمها الصغير يُخفي توسعاً هادئاً لجيشها الذي صقلته الحرب في إفريقيا وأماكن أخرى من الشرق الأوسط.
لكن دوي الطلقات النارية التدريبية الذي يتردد صداه في صحاري الإمارات بالقرب من القواعد العسكرية خارج دبي والمظاهر العسكرية الأخيرة في العاصمة أبو ظبي تُميط اللثام عن دولة مستعدّة، وعلى نحوٍ متزايد، لإبراز قوتها في خِضم المخاوف التي تساورها بشأن إيران، وفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز نقلاً عن وكالة أنباء أسوشيتد برس.
وتُظهِر القواعد الخارجية الجديدة لها في القارة الإفريقية أنَّ طموحات هذه الدولة، التي يسمّيها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بـ”إسبارطة الصغيرة”، أكبر من هذا بكثير.
عند باب المندب
وبحسب مجلة IHS Jane’s Defense Weekly، يبدو أنَّ الإمارات تبني مهبطاً للطائرات على جزيرة ميون أو بريم، وهي جزيرة بركانية داخل حدود اليمن تقع في ممرٍ مائي بين إريتريا وجيبوتي في مدخل مضيق باب المندب الإستراتيجي.
ويربط هذا المضيق، الذي يبلغ عرضه 16 كيلومتراً عند أضيق نقطة، البحر الأحمر وقناة السويس بخليج عدن ثم بالبحر الهندي، وتمرّ عشرات السفن التجارية بهذا الطريق كل يوم.
وقد وطأت القوات الإماراتية ومنظمات الإغاثة أيضاً جزيرة سُقطرى اليمنية الواقعة بالقرب من فم خليج عدن، بعد أن ضربها إعصار مدمر.
وتعرّضت الإمارات لأكبر خسائر حربية في تاريخها في حرب اليمن. وكان اليوم الأكبر من حيث الخسائر في شهر سبتمبر/أيلول 2015، حين وقع هجومٌ صاروخي على قاعدة عسكرية قتل أكثر من 50 جندياً إماراتياً بالإضافة إلى 10 جنود سعوديين وخمسة بحرينيين.
وفي الوقت نفسه، شاركت القوات الإماراتية في هجومٍ جرى يوم التاسع والعشرين من يناير/كانون الثاني، بأوامر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقُتل في الهجوم أحد أفراد قوة العمليات الخاصة البحرية الأميركية، و30 آخرين، من ضمنهم نساء وأطفال، ومُسلَّحون تُقدَّر أعدادهم بـ14 مسلحاً.
التوسُّع إلى إفريقيا
وخارج اليمن، تُعزِّز الإمارات تواجدها العسكري في إريتريا بميناء عصب، وفقاً للمركز وذكر مركز ستراتفور في ديسمبر/كانون الأول: “يُشير نطاق المشروع إلى أنَّ الجيش الإماراتي ينتشر في إريتريا لهدفٍ أكبر بكثير من مجرد مهمة لوجستية قصيرة المدى دعماً للعمليات في البحر الأحمر”.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية عمليات بناءٍ جديدة في مطارٍ كان مهجوراً، يربط ستراتفور بينها وبين الإماراتيين، بالإضافة إلى تطوير الميناء ونشر الدبابات والطائرات، بما في ذلك المقاتلات، والمروحيات، والطائرات بدون طيَّار.
ولم يستجب المسؤولون الإماراتيون لمُطالباتٍ متكررة بالتعليق على العمليات العسكرية أو التوسّع الخارجي.
وأشار تقرير سابق لصحيفة economist إلى سماح جمهورية “أرض الصومال” التي أعلنت انفصالها عن الصومال للإمارات بافتتاح قاعدة بحرية في مدينة بربرة والسماح بتحويل ميناءٍ يخدم جمهورية أرض الصومال إلى بوابةٍ للـ100 مليون شخص من سُكَّان أسرع اقتصادات إفريقيا نمواً، إثيوبيا.
وبعد ثلاثة أسابيع، كشفت الإمارات وفقاً للصحيفة عن اتفاقٍ آخر لاستئجار قواعد بحرية وجوية بجوارها لمدة 25 عاماً.
التواجد في ليبيا
وإلى الشمال، يُشتبه في شنّ الإمارات هجماتٍ جوية في ليبيا، والعمل في قاعدةٍ جوية صغيرة شرقيّ الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، بالقرب من الحدود المصرية.
وفي الوقت نفسه، يبقى تركيز الإمارات منصباً على الصومال. فقد أرسل الإماراتيون قواتهم العسكرية إلى دولة القرن الإفريقي من أجل المشاركة في بعثة الأمم المتحدة لحفظ
السلام في تسعينيات القرن الماضي، بينما أنقذت وحدة مُكافحة الإرهاب الإماراتية في 2011 سفينة تحمل علم الإمارات من القراصنة الصوماليين. وجرى استهداف هذه الوحدة بهجماتٍ شنّها مسلحون على صلة بالقاعدة من حركة الشباب.
التوسع العسكري الإماراتي إلى الصومال ممكنٌ أيضاً، بعد أن أبدى ترامب موافقته مؤخراً على توسيع العمليات العسكرية، بما في ذلك شن ضرباتٍ جوية أكثر عنفاً على حركة الشباب في الصومال. وبدأت الإمارات مؤخراً حملة كُبرى تستهدف جمع التبرعات من أجل المُساعدات الإنسانية هناك.
لم تصبح الإمارات العربية المتّحدة، وهي اتحادٌ من سبع إماراتٍ أو مشايخ، دولةً إلا في عام 1971. وكانت قبل ذلك محميّة بريطانية لعقود، وكانت العديد من تلك الإمارات تمتلك قواتها الأمنية الخاصة بها.
واليوم، تستضيف الإمارات قواتٍ غربية في قواعدها العسكرية، من ضمنها قوات أميركية وفرنسية.
ويُعتبر ميناء جبل علي في دبي أكبر مرسىً لسفن البحرية الأميركية خارج الولايات المتّحدة.
قررت الإمارات في الأعوام الماضية تقوية جيشها، جزئياً بسبب مخاوف من صحوة إيرانية في المنطقة، وذلك بعد إبرام الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية ومُشاركة الجمهورية الإسلامية في حروب سوريا واليمن.
المصدر: ترجمة وتحرير هافنتغون بوست عربي