تواجه شركة علاقات عامة دولية اتهاماتٍ بالتواطؤ في «تبييض» جرائم حربٍ سعودية مزعومة في اليمن بعد توقيع اتفاقٍ لتمثيل التحالف العسكري الذي تهيمن عليه الرياض ويطلق عليه إعلاميا اسم «الناتو الإسلامي».
وبناء ما وصل إلى «ميدل إيست آي» من معلومات، فإنّ ولي ولي العهد السعودي الأمير «محمد بن سلمان» قد استأجر شركة بيرسون مارستيلر، الشهر الماضي، لتجميل صورة التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب.
ويضم التحالف 41 دولة ذات أغلبية مسلمة، وأسسته الرياض في ديسمبر/كانون الأول عام 2015، لمهمة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا ومكافحة التطرف الإسلامي في شمال وغرب أفريقيا.
غير أنّ اللواء «أحمد عسيري»، وهو شخصية رئيسية في تشكيل التحالف، وهو حاليًا موضوع تحقيق مبدئي في جرائم حرب من قبل الشرطة البريطانية، أخبر صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي أنّ نطاق عمليات التحالف قد يمتد ليشمل القتال ضد المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون تحالفًا بقيادة السعودية في اليمن.
وقال «عسيري» أنّ «كل الدول الأعضاء ستبذل جهدًا في مكافحة الإرهاب في التحالف، بصرف النظر عن طبيعة الجماعات الإرهابية، وهذا هو الهدف الرئيسي. وتتمتع كل دولة بخبراتها الخاصة التي يمكنها المساهمة في التحالف».
وتعتبر بيرسون مارستيلر المملوكة لشركة «دابليو بي بي» التي تتخذ من لندن مقرًا لها، أكبر مجموعة تسويقية في العالم، ولها مكاتب في جميع أنحاء الشرق الأوسط بما في ذلك الرياض وجدة. وبناء على المعلومات الواردة، فإنّ مكتب الشركة في لندن هو الذي يتولى مهام العقد الجديد.
وسيشهد العقد قيام بيرسون مارستيلر بالترويج للتحالف الإسلامي العسكري واجتماعاته المستقبلية.
غضب من قبل حملات حقوق الإنسان
وأثار التعاقد الجديد الغضب بين القائمين على حملات حقوق الإنسان.
وتشمل قائمة العملاء السابقين للشركة الحكومات العسكرية الأرجنتينية المسؤولة عن قتل الآلاف من الناس في السبعينات وأوائل الثمانينات.
وفي عام 2009، قالت «راتشيل مادو»، مديرة التلفزيون الأمريكي: «عندما يحتاج الشر إلى علاقاتٍ عامة، فإنّ بيرسون مارستيلر ستكون حاضرة بأقصى سرعة». وردًا على هذا التعليق، قال المدير التنفيذي للشركة آنذاك «مارك بن» أنّ مادو: «أخطأت كثيرًا في فهم طبيعة ماضي الشركة».
وقال «أندرو سميث» عضو حملة «ضد تجارة الأسلحة»: «آخر ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط هو سعودية أكثر عدوانية وسعيًا للتوسع، حيث يتمتع النظام السعودي وحلفاؤه بواحدٍ من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، وقد شن حربًا مروعة ومدمرة في اليمن خلال العامين الماضيين».
وأضاف: «كانت شركات الأسلحة في المملكة المتحدة متواطئة في هذا التدمير، والآن تحاول شركات العلاقات العامة في المملكة المتحدة أن تبيضها. لا يمكن مداراة حجم الكارثة الإنسانية أو تغيير الواقع الرهيب الذي يواجه الشعب اليمني. ولا ينبغي أن تشارك أي شركة تحترم نفسها في التربح من الحرب والاضطهاد».
وكان التحالف قد استخدم جماعات ضغط في الولايات المتحدة لضمان حضور كبار الشخصيات البارزة في مؤتمره الذي عقد في الرياض، في يناير/كانون الثاني الماضي، وحضره وزير الخارجية الأمريكي السابق «جون كيرى».
وقال «حسين عبد الله» المدير التنفيذي لمنظمة «أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين»: «إنّ السعودية والبحرين والعديد من الأعضاء الآخرين في هذا الائتلاف ماهرون في تحويل الانتباه عن انتهاكاتهم الممنهجة لحقوق الإنسان، ومشاركتهم في التحالف العسكري الإسلامي هي مثالٌ واضحٌ على كيفية استخدامهم لمكافحة الإرهاب لصرف الانتباه عن الإساءة والقمع».
ولقد عملت بيرسون مارستيلر، التي تفتخر «بحضورٍ عالمي مثير للإعجاب»، سابقًا لصالح السعودية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، في نيويورك وواشنطن عام 2001.
وعملت الشركة مع الأمير «بندر بن سلطان»، السفير السعودي آنذاك لدى الولايات المتحدة، على نشر إعلاناتٍ ترويجية في الصحف في جميع أنحاء البلاد تعفي السعودية من أي ارتباطٍ أو صلة بالمهاجمين، والذين كان من بينهم 15 مواطنًا سعوديًا.
لحظة حاسمة للتحالف
ويأتي التعاقد مع بيرسون مارستيلر في لحظة حاسمة بالنسبة للتحالف، حيث يستعد لعقد أول اجتماعٍ رئيسيٍ لوزراء الدفاع.
وتهيمن الدول ذات الأغلبية السنية وعلى رأسها السعودية على التجمع الجديد، الذي يأتي على غرار حلف الناتو، مما يثير القلق في إيران بأنّه تحالفٌ طائفي.
ويرأس التحالف قائدٌ سابق للجيش الباكستاني وهو الجنرال «رحيل شريف»، ويضم أعضاء مثل البحرين وتركيا ومصر ومالي وتشاد والصومال ونيجيريا، وهي مجموعة من الدول التي واجهت مؤخرًا انتقادات حول سجلاتها لحقوق الإنسان.
وقد نفت الشخصيات الرئيسية في التحالف، بما في ذلك وزير الدفاع الباكستاني، أنّه قوة طائفية، وسعت إلى التقليل من حدة التوتر مع إيران، المنافس الإقليمي للسعودية، والتي دعمت المتمردين الحوثيين في اليمن ضد القوات الموالية للرئيس «عبد ربه منصور هادي».
غير أنّ التحركات لنشر قواتٍ باكستانية على طول الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن، من المرجح أن تزيد من قلق طهران بشأن طموحات التحالف.
ويسبق استخدام المملكة العربية السعودية لشركات العلاقات العامة الغربية الصراع اليمني، وتوجد مخاوف طويلة الأمد بشأن استخدام الرياض لشركات العلاقات العامة في لندن وواشنطن لتشتيت الانتباه عن استخدامها لعقوبة الإعدام.
وفي العام الماضي، وزعت إحدى الشركات الأمريكية التابعة لشركة بوبليسيس غروب، وهي مجموعة وسائل إعلام فرنسية تمتلك علامات تجارية في المملكة المتحدة مثل ساتشي آند ساتشي، مقالًا، حاول فيه وزير خارجية المملكة «عادل بن أحمد الجبير» تبرير إعدام 47 شخصًا.
وادعت مقالة لصحيفة «نيوزويك» أنّ إحدى أكبر وكالات الإعلان في العالم ساعدت السعودية في «تبييض» سجلها في مجال حقوق الإنسان، بعد أكبر عملية إعدام جماعي في المملكة منذ أكثر من 30 عامًا.
وقال «الجبير» أنّ عملية الإعدام كان جزءًا من حرب السعودية على الإرهاب. وقال إنّ المملكة «اعتقلت متطرفين داخل حدودها، وحوكموا أمام محاكم متخصصة، والتي فرضت عقوبات نهائية بالإعدام على المدانين».
وقد نشرت صحيفة «الإندبندنت» مقالة بعنوان «السعوديون يحاربون الإرهاب.. لا تعتقدوا خلاف ذلك»، وهي مقالة ترويجية من قبل «كورفيس إم إس إل غروب»، وهي شركة تابعة لمجموعة بوبليسيس التي تعمل مع المملكة العربية السعودية لأكثر من عقدٍ من الزمان.
وقالت «مايا فوا»، وهي مديرة في مجموعة ريبريف لحقوق الإنسان، ومقرها لندن: «ليس سرًا أنّ حكومة السعودية لديها واحدًا من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، ففي السنوات القليلة الماضية وحدها، شاهدنا عددًا كبيرًا من حالات تنفيذ الإعدام في المملكة، ومن بينهم من حكم عليهم بالإعدام بسبب المظاهرات، في حين أنّ استخدام التعذيب لاستخراج الاعترافات هو أمرٌ روتيني هناك، ومما يبعث على القلق الشديد، أنّ شركات العلاقات العامة سعيدة للمساعدة في تغطية هذه الأنشطة، وبالتأكيد فإنّ أي شركة مسؤولة سترفض لعب مثل هذا الدور في تبييض الانتهاكات الجسيمة».
ويأتي استخدام مجموعات «قورفيس إم إس إل» و«بيرسون مارستيلر» بعد أن أطلقت سفارة السعودية موقعها الإلكتروني «أرابيا ناو» (Arabia now) عام 2015. وقد تم وصفه في بيانٍ صحفيٍ بأنّه «مركزٌ إلكترونيٌ للأخبار المتعلقة بالمملكة».
ويحوي الموقع مقالات وتدوينات إيجابية حول الثقافة السعودية ومكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية.
وقد وفر موقع «أرابيا ناو» تغطيةً واسعة للتحالف، بما في ذلك الإعلان في يناير//كانون الثاني عن انضمام سلطنة عمان لتصبح العضو رقم 41 في التحالف.
المصدر | ميدل إيست آي