على ضفاف البحر المتوسط تتضامن روسيا مع سوريا دفاعا عن مصالحها كدولة عُظمى في أعالي البحار التي تمتد من البحر الأحمر الى البحر الأسود ، حيث يسعى حلف الناتو بقيادة الإمبريالية الأميركية والبريطانية الى خنق روسيا داخل البحر الأسود وخارجه!!
يُعلّمنا التاريخ ان روسيا القيصرية والبلشفية كانت تخوض معارك سياسية ودبلوماسية وعسكرية مع بريطانيا وتركيا العثمانية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأميركا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين ، دفاعا عن مصالحها في أعالي البحار، وهو ما يفسِّر اتهامها من قبل وسائل الإعلام الإستعمارية بالبحث عن منافذ بحرية في (المياه الدافئة).
صحيح ان ظهور حركات التحرر الوطني ضد الإستعمار العالمي في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين ، وفّر لروسيا السوفييتية مكاسب تاريخية في الصراع الدولي على أعالي البحار ، حيث أمكن للبحرية الروسية السوفييتية تحقبق أحلامها القديمة ، بالتواجد في المضائق والموانئ المصرية والليبية والسورية والجزائرية واليمنية ، لكن إنهيار الإتحاد السوفييتي وإختلال ميزان القوى في النظام العالمي لا يعني نهاية التاريخ ، وانتصار عهد الإستعمار.
لا ريب في أن صمود سوريا أمام الحرب العالمية التي تتعرض لها منذ ست سنوات ، وصمود الشعب اليمني في وجه أبشع وأحقر عدوان وحصار تشنّهما جيوش 17 دولة ، أوصلا رسائل خطبرة الى روسيا ـــ من سوريا واليمن ـــ بأن الحرب الكونية على هذين البلدين الصامدين تعيد انتاج الصراع القديم على أعالي البحار.
تُخطئ روسيا كثيرا عندما تتصرف في سوريا واليمن بشكل متناقض ، يشبه حاطبَ ليلٍ يسكبُ الماءَ ـــ وسط الظلام ـــ في قربة مثقوبة.
صحيح ان روسيا تجترح مواقف بطولية على منافذ وضفاف البحر الأبيض المتوسط دفاعا عن المصالح المشتركة لتي تربطها بسوريا وحلفائها.
لكن روسيا تُضيعً رصيدها في الدفاع عن مصالحها في أعالي البحار ، بسبب مواقفها السلبية إراء الحرب العدوانية على اليمن ، إبتداءً من مشاركتها في تمرير القرار 2216 سيئ الصيت ، وإنتهاء في توصيل اربعمائة مليار ريال ـــ طبعها البنك المركزي اليمني في مطبعة تجارية بمدينة سان بطرسبورغ ـــ الى صانعي ميليشبات القاعدة وداعش وأنصار الشريعة الذين استثمروا هذا المدد المالي الكبير ، لتمويل خطط الاندفاع نحو باب المندب والمخا والحديدة واريتريا ، وهو ما سيؤدي الى استهداف المصالح الروسية لاحقا ، لولا دماء وتضحيات اليمنيين الذين يخوضون معارك الدفاع عن السيادة والإستقلال في السواحل الغربية اليمنية الني نُطل على باب المندب والبحر الأحمر.
ويبقى القول أن صُنّاع السياسات الإستراتيجية قي روسيا اليوم ، يتجاهلون الدوافع الإستراتيجية التي كانت تقف وراء إهتمام حكومة روسيا البلشقية في عشرينيات القرن العشرين بمدينة الحديدة ، حيث قامت ــ في ذلك الوقت ـــ بإرسال أول مولِّد للكهرباء وأول كاميرا للتصوير السينمائي الى هذه المدينة التي دشّنت وضع حجر أساس الصداقة بين روسيا السوفييتية واليمن قبل مائة عام.. كما شاركت روسيا البلشفية مع إيطاليا ، في إحباط المخطط البريطاني السعودي الذي كان بستهدف إحتلال ميناء الحديدة عام 1934.
*كاتب ومفكر ومحلل سياسي يمني