ما وراء العلاقة بين البشير وسلمان.. وكم دفعت خزائن السعودية لاشراك مقاتلين سودانيين في اليمن
أخذت أبعاد العلاقة بين الرئيس السوداني عمر البشير، وملك السعودية الملك سلمان بن عبد العزيز، منحى جديدًا في التقارب، للدرجة التي جعلت المراقبين يصفون السودان بأنها صارت حليفًا استراتيجيًّا للسعودية.
وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت توترًا ملحوظًا بين السودان والمملكة، على خلفية الانفتاح السوداني على دولة إيران، ما كان سببًا وراء إيقاف المصارف السعوديّة، في عام 2014، الحوالات الماليّة إلى السودان، وهو ما حرم اقتصاد السودان من أموال المغتربين، الذين يتخطّون 500 ألف يعملون في المؤسّسات التعليميّة، والصحيّة، والخدميّة، والاقتصادية في السعوديّة، قبل أن يتحول الرئيس السوداني إلى داعم للمملكة، وتتطابق مواقف السودان مع المملكة في شؤونها الداخلية أو الخارجية.
خزائن السعودية تنتشل السودان من ديونها الخارجية
خلال زيارة الرئيس السوداني عُمر البشير الأخيرة للمملكة العربية السعودية، فتحت المملكة خزائنها لانتشال السودان من التعثرات المالية، والديون الخارجية التي تراكمت على البلد الفقير، إذ وقع المللك السعودي على أربع اتفاقيات لتمويل سدود الشريك، ودال، وكجبار في شمال السودان، واتفاقية أخرى تقضي بزراعة نحو مليون فدان من الأراضي على ضفاف نهري عطبرة، وستيت في شرق السودان.
وبلغ حجم التمويل المرصود للاتفاقيات الأربع مليار وربع المليار دولار، بجانب توفيره نحو خمسمائة مليون دولار لمشروعات المياه. الاتفاقيات بين الجانبين توسعت إلى مجالات الزراعة، إذ ارتفعت من 7% في عام 2013 إلى 50% في عام 2015، بجانب توفير تمويل لمشاريع للمياه بقيمة 500 مليون دولار، واستزراع مليون فدّان جديد على ضفاف نهري عطبرة، وستيت في شرق السودان.
وتُقدر حجم تحويلات المغتربيين السودانيين في المملكة العربية، بجانب الاتفاقيات والتحويلات الرسمية الأخرى بسبعة مليارات ريال سعودي، فيما توفر الاتفاقيات الجديدة التي وقعتها السعودية نحو 370 ألف فرصة عمل في مجال الزراعة، مقارنة بـ13 ألف فرصة عمل توفرها الحكومة السودانية.
وكانت المملكة قد أودعت مليار دولار في بنك سودان المركزي في بداية هذا العام، بينما توجهت بدعم موازنة للجيش والقوات النظامية الأخرى في صورة مساعدات عسكرية تصل إلى خمسة مليارات دولار، فضلًا عن توسيع التدريبات العسكرية المشتركة بين الجانبين التي تضمنت مناورات بحرية في البحر الأحمر، وفي المملكة العربية السعودية كذلك.
ثمن الدعم السعودي: قوات السودان في اليمن وبيع معلومات عن حزب الله
تجلت انعكاسات الدعم السعودي الرسمي للسودان، على سياسات عُمر البشير، التي التزمت بالخط الرسمي التي حددته المملكة لها، من دعمها عسكريًّا في حروبها الخارجية بقوات برية وجوية، فضلًا عن إغلاق الباب أمام إيران، العدو التقليدي للمملكة، والقضاء على أي مظهر من مظاهر التشيع داخل أرجاء البلاد.
ينكشف ذلك في مُشاركة السودان بقوات من الجيش في مناورات (رعد الشمال)، بمنطقة حفر الباطن شمالي السعودية ضمن 20 دولة، وهي واحدة من أكبر التمارين العسكرية في العالم، من حيث عدد القوات المشاركة، واتساع منطقة المناورات.
كما تشارك القوات السودانية ضمن قوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، والتي تقودها السعودية، لكسر شوكة الحوثيين الشيعة، إذ أثبتت القوات السودانية كفاءة قتالية عالية في العمليات البرية. الدعم السوداني العسكري تجلى أيضًا في منح الثوار السوريين أسلحت سودانية وصينية الصنع، حسبما أفادت صحيفة «نيو يورك تايمز» في شهر أغسطس (آب) 2013.
وابتعدت السودان عن إيران، عبر إعلان القطيعة رسميًّا، بعد سنوات من الود والحميمية، وظهرت هذه القطيعة في إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية في الخرطوم، وفي مناطق أخرى، زاعمةً أنها محاولات من إيران لنشر الطقوس الشيعية في السودان.
وقدر وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، عدد الجنود الذين شاركوا في عاصفة الحزم، بنحو ستة آلاف جندي من القوات الخاصة، والقوات البرية، وقوات النخبة، كما أعلن استعداد بلاده للمُشاركة بالمزيد من الجنود، والمساهمة العسكرية، حال احتياج قادة التحالف منا هذا الأمر.
أحد مظاهر هذا الثمن الذي دفعته سلطة البشير حيال المملكة، هو توليها دور نقل معلومات داخلية عن حزب الله، حسبما كشفت جريدة الأخبار اللبنانية، المُقربة من حزب الله، التي أوضحت كذلك «أن النظام السوداني باع للرياض معلومات تتعلّق بطريقة عمل الحزب عندما كان يستخدم الأراضي السودانية لإيصال السلاح إلى فصائل المقاومة في غزة، وهذه المعلومات يجري الاستناد إليها؛ لجمع أكبر قدر من المعطيات عن الحزب، واستثمارها في شتى الطرق، سواء لناحية فرض عقوبات على شخصيات لبنانية، وشركات يعتقد النظام السعودي أنها تابعة للحزب، أو لجهة استخدام هذه المعطيات للدلالة على (الطبيعة الإرهابية) لأعمال حزب الله في الدول العربية».
أدت مُضاعفة المملكة العربيّة السعوديّة لاستثماراتها الزراعيّة في السودان، والتي ارتفعت من 7% في عام 2013 إلى 50%، وما ترتب على ذلك من بناء سدود على النيل في السودان، إلى انتشار تخوفات سياسية من جانب السلطة المصرية من أن يؤثر ذلك في الحصّة المائيّة المتدفّقة من النيل إلى مصر.
ويعتقد الخبراء أن زيادة مساحات الأراضي المزروعة في السودان، سيكون على حساب الأراضي المزروعة في مصر، خصوصًا في ظل استبعاد الاعتماد على المياه الجوفية لزراعتها، لارتفاع تكلفتها المادية، وبالتالي سيكون أي استثمار زراعي داخل الأراضي السودانية معتمدًا بشكل رئيسي على الحصة المائية لمصر.
يزيد من هذه التوجسات، التوتر السياسي القائم بين مصر والسودان، خصوصًا في شأن ملف النزاع على منطقة حلايب وشلاتين، والأمر ذاته مع الموقف السودانيّ المؤيد لإثيوبيا في بناء سدّ النهضة، وأيضًا التوترات التي ما تزال قائمةً مع المملكة العربية السعودية، على خلفية عدم تسليم جزيرتي تيران وصنافير.
(ساسة بوست)