“المستقبل” خاص
بين اثقال قرار الرياض غير المعلن ابعاد المطلوب للعدالة بتهمة الخيانة العظمى عبد ربه منصور هادي من اراضيها وارغامه المكوث في عدن وإثقال التداعيات الميدانية المفاجئة للحرب التي قادها في ما سماه تحالف العدوان والمرتزقة ” معركة تحرير تعز” بدا هادي محاصرا أيضا بدوامة استحقاقات أكثر تعقيدا افرزتها معادلة مراكز القوة في المحافظات الجنوبية والتي صارت تمضي بلا هواده في بوصلة تتجاذبها عدة رؤوس.
يتصدر هذه القوى رأسي تحالف الحرب المملكة السعودية ودولة الامارات ثم رؤوس مراكز قوى الداخل (الحراك الجنوبي ـ تنظيمي القاعدة وداعش ـ حزب التجمع اليمني للإصلاح وبعض قوى اليسار المتحالفة معه) والتي شرعت مؤخرا بترتيبات منفردة مع هادي لادماج مليشياتها المسلحة ضمن قوام قوات الجيش النظامي المزعوم والذي أوكلت قوى التحالف ملفه إلى هادي واضطر تحت الضغوط تسليمه إلى حزب الإصلاح.
وأضافت الانتصارات التي حققها الجيش واللجان الشعبية في جبهات الحرب المحيطة بمحافظة تعز اثقال جديدة على كاهل هادي بعدما انعكست هذه الانتصارات انتكاسات داخلية في صفوف الجبهات الميدانية التي يقودها وبرزت إلى الواجهة في الخلاف المتصاعد بينه ونائبه رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح ومظاهر التمرد التي تقودها منذ ايام كتائب من المليشيا الجنوبية التابعة لهادي ونجله جلال على خلفية صراعها المحتدم مع الكتائب المسلحة التابعة لـ “جماعة انصار الشريعة” والتي تفاقمت أكثر بعد تسلّم دولة الإمارات العربية المتحدة ملف قيادتها لدعم نفوذها في مواجهة نفوذ حزب الإصلاح بتشكيلاته المليشياوية والإرهابية.
تضييق الخناق على هادي تصاعد أكثر مع شروع النيابة العامة تقديم ملف اتهام إلى محكمة البدايات الجزائية بصنعاء لمحاكمة هادي وستة من كبار معاونيه بتهمة الخيانة العظمى ومساندة دول العدوان في حربها على اليمن وافشاء الأسرار العسكرية وتدمير المنظومات الدفاعية الجوية والبحرية والجوية التي اثرت على جاهزية الجيش اليمني وقدراته الدفاعية قبل أن يبدأ تحالف العدوان حربه على اليمن.
بهذه التداعيات الدراماتيكية صار هادي مطلوبا للمثول أمام القضاء بالعاصمة صنعاء ومطلوبا من مرتزقته الذين يتهمونه بالخيانة والغدر بعد حشرهم في آخر حروبه العبثية على أبواب محافظة تعز كما صار مطلوبا من الدائرة الضيقة للمرتزقة الجنوبيين المحيطين به والذين يتهمونه بوضعهم في مواجهة مباشرة مع الجماعات الإرهابية وفي الصداره جماعة انصار الشريعة وخصوصا بعد أن منحهم الضوء الأخضر للاتجاه غربا نحو محافظة أبين للسيطرة على مدنها وبناء القواعد الحصينة للتنظيم الإرهابي بإسناد لوجيستي وعملاني إماراتي.
المسار السياسي لم يكن مواتيا مع هادي أيضا بعدما بدا مربكا وغارقا في معمعة بناء مراكز النفوذ في قراره المثير للجدل اجراء تعديل حكومي في حكومة نائبه رئيس الحكومة المستقيلة خالد محفوظ بحاح والذي اطاح بثلاثة من معاونيه الكبار كانوا يتصدرون حقائب سيادية من غير وزارات في المنفى وتصدى له بحاح بالرفض ووصف قرار هادي بأنها خطوة ” غير شرعية”.
وطبقا لمصادر ديبلوماسية فان خطوة هادي اجراء التعديل الحكومي لم تكن سوى جزء من اجندة الخلاف المتكابرة بين قطبي تحالف الحرب (السعودية والامارات) حيث توجه الأولى نفوذها لصالح هادي فيما يحظى بحاح بدعم إماراتي.
وأطاحت قرار هادي الذي حمل الرقم 29 لسنة 2015 بوزراء الخارجية والداخلية والإعلام وقضى بتعيين مستشاره والقيادي في التنظيم الناصري عبد الملك المخلافي وزيرا للخارجية نائبا لرئيس الوزراء خلفا للدكتور عبد الله الصايدي الذي عينه سفيرا في وزارة الخارجية وكذلك رياض ياسين خان الذي تولى في الشهور الماضية منصب القائم باعمال وزير الخارجية
وبموجب القرار عين هادي صهره اللواء حسين محمد عرب وزيرا للداخلية نائبا لرئيس الحكومة والقيادي في الحراك الجنوبي الدكتور محمد عبد المجيد قباطي وزيرا للإعلام خلفا لنادية السقاف والنائب في البرلمان اليمني أمين عام حزب التنمية والعدالة عبد العزيز جباري وزيرا للخدمة المدنية والتأمينات والقيادي في الحراك الجنوبي صلاح الشنفرة وزيرا للنقل واللواء عبدة محمد الحذيفي رئيسا للجهاز المركزي للأمن السياسي (المخابرات).
ووسط حراسة مشددة احيط بها قصر معاشيق المحاصر بمحافظة عدن استمر هادي بالمناورة من خلال حضوره مراسم أداء اليمين الدستورية للوزراء المعينين في ظل خطاب سياسي متغير كليا وصفه البعض بـ ” الانقلابي”.
الخطاب السياسي المغاير لهادي المحاصر في قصر معاشيق والذي حاول فيه العودة بالجميع إلى المربع الأول للأزمة عكس حجم الضغوط التي يواجهها وخصوصا في دعوته الفريدة إلى تظافر الجهود الداخلية لمواجهة ما سماه “تداعيات انقلاب الحوثيين وصالح ومواجهة المشاريع الظلامية الصغيرة التي تسعى الى تفتيت الوطن ونسيجه الاجتماعي” فضلا عن دعوته كل القوى إلى ” الانتصار للقضايا الوطنية التي اجمع عليها اليمنيون في العدالة والمساواة والعيش الكريم في إطار يمن اتحادي جديد يؤسس لمستقبل أمن وعادل لكل أبنائه” وأكد أن “الوقت قد حان لمشاركة كافة ابناء الوطن في السلطة والثروة وصنع القرار”.
نبرة هادي التي تغيرت كليا جاءت بعد التداعيات التي خلفها قراره الاخيرة في التعديل الحكومي والتي انتجت ضمن تداعيات اخرى مطالبات عبرت عنها مراكز القوى المليشاوية المحيطة بهادي
بالحصول على نصيب من كعكة الترتيبات الحكومية الجديدة بعد التقارير التي تحدثت عن ترتيبات يتوقع أن تعقب مفاوضات جنيف 2 تقضي بالانتقال إلى نموذج الدولة الاتحادية من اقليمين شمالي وجنوبي.
واستبق هادي بخطوة التعديل الحكومي زيارة رسمية لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى اليمن مقرره هذا الاسبوع لإجراء مباحثات اخيرة مع ممثلي جماعة انصار الله وحزب المؤتمر بزعامة الرئيس السابق تستهدف تسوية ملاحظاتهم الاخيرة بشأن وثيقة مفاوضات جنيف 2 المقررة منتصف الشهر الجاري.
وبحسب ديبلوماسيين تحدثوا إلى “لا” فأن كثيرا من التفاعلات الأخيرة التي شهدتها المحافظات الجنوبية كانت على صلة بطموحات هادي اعادة صياغة بعض بنود المسودة الاخيرة لمفاوضات جنيف 2 وخصوصا المتعلقة بالترتيبات السياسية لما بعد مرحلة وقف النار.
لكن الواضح أن هادي أراد بخطوة التعديل الحكومي واعادة اشعال الجبهات الريفية في تعز ومنح جماعة انصار الشريعة موطئ قدم في محافظة أبين ادارة مناورة اخيرة تضمن بقاءه لاعبا في المعادلة السياسية لما بعد مفاوضات جنيف 2 خصوصا وأن كل مشاريع التسويات المطروحة تقضي بابعاده كليا عن المعادلة السياسية اليمنية.
لكن المؤكد أن فرص طموحات هادي مهددة بالتحولات الميدانية على الأرض وهي التحولات التي قد تجعل من كل مناوراته الأخيرة هروبا إلى حقل الغام.
المحرر السياسي