المخا، حرب بين الاف 16 والاباتشي في السماء والهمر في الأرض من جهة، وبين الموتورات والحفاة من جهة أخرى..
قلت لهم، طيب هاتوا لي ناظور أشوف بني ادم يسيرون على الارض لدى الطرف الاخر.. مافيش.
ماحد منهم يطرح رجله على الأرض في لحظة مواجهة أبدا أبدا..
ولايتحرك منا أحد الا على الارض.. بالكثير لدينا موتورات يتحرك بها الرجال، قلة منهم يتحركون بالموتورات، اما الاغلبية فراجلين..
أحكي لكم عن أبو حرب جديد، وجدته هنا في المخا.. هكذا اسمه “أبو حرب”، ولكن لايكاد عمره يتجاوز ال22 سنة.. سزلته كم عمرك، قال لي مدري، ماهوش فاضي للحديث عن مثل هذا السؤال..
يرد عليك جوابا بكلمة ونصف، لاتزيد.
يرتدي البدلة العسكرية، ويسير حافي القدمين..
أقول له: كيف تشوف الحرب، يرد وهو متلهف للعودة للصمت: خيال.
ضحكت، أحاول ان اسمع منه كلمة أخرى، فيلتفت لي ويضع ورقة القات في الارض، كانه يقول لي: أمرك لله، خليني أخزن، ويقول: والله ما كان الحرب الا خيال.
يسير رفقة ثلاثة من رفاقه في العمر، في اي اتجاه، يتتبع آثار المدرعات، وحين يجد الاثر، هو ليس استطلاعا ليعود، ولكنه ايضا ليس مجرد مقاتل ينتظرها..
قال لي قائده، ونحن نسير هناك بعيد عن خطوط المواجهات، من هنا لقيته راجع، ويصيح لي: لقيتها وفجرتها..
هل تعرفون عما يتحدث؟
عن الهمر..
انا لا افهم في العسكريات والحروب، فظننت الحكاية فيها تفاصيل اضافية، قلت لقائد ابو حرب: بئيش فجرها.. قال لي: بلغم.
قلت له: يعني هي سارت في منطقة الغام.. فقال: لا لا، هو ابو حرب دخل تحتها زرع اللغم، وخرج.
“يعني كانت واقفة؟”، هذا كان سؤالي الذي بدى ابلها للقائد، فصمت، ونقل الحديث لتفاصيل أخرى.
حين عدنا، لمكان كان ابو حرب موجودا فيه.. حاولت أن اسأله مرة وثانية وثالثة، ولم أخرج منه بشيئ، كل اجاباته، كلمة ونص، هذا الشاب الذي عمره نصف عمري، ادخر كل شيئ للحديث مع اهدافه ووسائله.. الهمر والالغام.
فتكفل رفيقا ثالثا لنا بالجواب، حين ادرك أني لا اعرف شيئا عن أمور الحرب، فقال لي: المدرعة هي الية متحركة تحصن من بداخلها من النيران، ولكن هذا التحصين يؤدي الى تحديد مجال رؤيته، فلايرى الا في اتجاه واحد، لايمكن لقائدها أن يرى الا زاوية رؤية واحدة، ولو استطعت أن تختبئ له حتى تسيطر على مجال رؤيته، وتتحرك خارجها، يمكن لك حتى أن تصل اليه وتسحبه من خارجها كأنه كيس رمل.
زادت علي التفاصيل، فعدت أتأمل أقدام ابو حرب، المتعايشة مع حمولتها من الرمال، تتعاونان في حمل شاب خفيف جسده كالريشة، ثقيلة اعماله، حادة شجاعته.
اخرج كاميرا من جيبه، وقال لي: امانه كيف يعملوا بها هذه؟، اشتي اصور لكم لوما تنفجر همر واحدة، فتهرب خمس أخرى كأنها لم تصنع للحرب بل للهرب.
أخيرا نطق أبو حرب بأكثر من كلمة.. لا ادري منى جابوا له الكاميرا ونسيها في جيبه، وذكرها الان..
ولكن دعى داعي المعركة، فترك لي الكاميرا وواصل طريقه. ولم التقيه بعد ذلك..
بقي تفصيل واحد لن انساه.
ضحكته.
سأنشر لكم صورته ذات يوم، بعد أن تنتهي هذه المعارك، وسترون وجها يبتسم لكأنه لاعلاقة له بالحروب، ابتسامة تشع اطمئنانا وتواضعا.
ابتسامة شاب في مقتبل عمره، لايتذكر من الحرب شيئا لحظة ابتسامته.
لك الثبات والسلامة والنصر، أيها المقاتل الصغير.
جبهة المخا اليوم.. قتال بين المجاهدين والطائرات؛؛؛
حتى المدرعات صارت وراء الجبهات..
طيب يعني بالطائرات كيف يمكن احتلال مناطق؟
هذه حرب للقتل فقط، عدوان ارعن قذر، يؤكد ليس فقط جبنه بل وانه بلا عقل.
تلاحق الطائرات الافراد كما ترونها في الافلام..
هناك عشرات الحكايا، يعجز الوصف عن نقلها لكم..
بالامس حدثتكم عن ابي حرب، الشاب الذي يحيل المدرعات هباء منثورا، لاحقته الطائرة اليوم من مكان لاخر.. حتى اصابته مع “ابو احمد”، الرجل الذي كان اول من لقيته في أرض المخا.. وقد قتلت الطائرات مجموعته من قبل، وهو الذي قال لي: ماقد لقينا حد مننا قتل برصاص من الارض.
لن تصدقوا كيف نجى يوم الاربعاء ويوم الجمعة، هكذا يقفز من مكان لاخر يسبق طلقات الاباتشي اللئيمة، كأنه يتجنب جمرا ليس الا.
أصيب اليوم، لكأن الطائرة تفرغت له ثلاثة أيام بلياليها..
صمدت جبهتهم، واسعفوا للعلاج، ولم تكن اصابتهم خطيرة.. غير أن قطرات دمهم على الارض جعلت الطيران سلاحا نذلا، يقتل فقط، ولا يرهب، وقد صمدت الجبهات في محيط المخاء وبقيت على حالها..
ابو حرب يمين الصورة، وابو احمد، هو الجالس على يميني، ونشر الصور عن الجبهات ليس امرا سهلا، فيتوجب عليك تغطية كل ماقد يتحول هدفا..
تيقنوا.. لقد انكسر الاختراق الذي حاول تطويق المخا من الشمال، لقطع الطرقات عنها. وعادت المواجهات فقط جنوبا، حيث بدأت قبل أربعة أيام..
لايزال الرجتا يسطرون ملاحما من الشجاعة والبطولة والارادة، من كهبوب لحج الى العمري والمخا في تعز، بانتظار الانتصارات الأكبر في ذوباب لتكتمل حلقة دفن المعتدين في ساحل باب المندب ورماله..
الجبهة صامدة صمود رجالها، وللأسف أنها صامدة مرتين، مرة ضد عنتريات العدوان، ومرة ضد سوء ادارة البعيدين عن المعارك، سواء في الحديدة أو في صنعاء.
يبتع