في موازاة الانتقادات والاتهامات المتصاعدة للسعودية حيال عدوانها وحصارها وجرائمها الوحشية بحق المدنيين فإن أكثر ما يحتاجه النظام السعودي للاستمرار بهذا ا لعدوان والافلات من الجرائم، هو مبعوث أممي يتحدث مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة بلسان اليمنيين وينقل تقارير منحازة طافحة بالأكاذيب ليس آخرها اقناع المجتمع الدولي والمنظمات الانسانية بأن ما يحدث في اليمن ليس سوى حرب داخلية ليس لتحالف العدوان السعودي شأن بها وأن اليمن يتخبط في دوامة من العنف والصراعات السياسية يدعي فيها كل طرف احراز انتصارات ميدانية.
رسائل شديدة الخطورة وجهها المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي في احاطته المقدمة أمس الخميس تنذر بكوارث هائلة ستواجه اليمن بعدما حول ولد الشيخ والنظام السعودي جلسات مجلس الأمن إلى منبر لنقل رسائل كاذبة إلى العالم يدعي فيها أن ما يدور في اليمن ليس سوى حرب داخلية تعض فيها الاطراف المتصارعة نظرها عن مقترح للسلام مطروح على الطاولة، مستبعدا مسؤولية النظام السعودي وتحالفه عن نحو عامين من الحرب الشاملة والحصار والقتل الوحشي والدمار ناهيك بجرائمه في دعم بؤر الصراع الداخلية وتحويل اليمن إلى مأوى آمن لأكثر التنظيمات الإرهابية خطورة في العالم.
في احاطته الأخيرة انجز ولد الشيخ المهمة ببراعة شديدة ويكفي أن العالم كله كان يوم الخميس الماضي ينصت لولد الشيخ في مجلس الأمن الدولي وهو يصنف ما يدور في اليمن أنه ” دوامة من العنف والصراعات السياسية الداخلية ” وليس عدوانا همجيا تشنه أكثر الانظمة الاستبدادية في المنطقة عمالة ووحشية،
ليضمن موجزه بمناشدة للعالم بأن “يكثف جهوده للضغط على اليمنيين وقف القتال والعودة للحوار السياسي.
العالم الحزين من جرائم النظام السعودي انتابه الاحباط ليل الخميس الماضي عندما استمع إلى احاطة ولد الشيخ في مجلس الأمن الدولي فهذا المبعوث الذي لم تقدم اليمن أي رسالة اعتراض على مهمته أعلن بصوت جهوري أن التصعيد العسكري لتحالف العدوان السعودي ليس سوى صراع يمني داخلي مستمر، في توصيف كان كافيا لأن يدير العالم ظهرة مرة أخرى لليمن وما يحدث به مجازر وحشية مروعة .
اوبرين بعيد عن الأضواء ؛؛؛
في جلسة مجلس الأمن يوم أمس الخميس كان لافتا أن الاحاطة التي قدمها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية ستيفن اوبراين لم تحظ بأي اهتمام اعلامي حتى أن نص الاحاطة لا يزال حتى اليوم في عالم المجهول سوى شذرات قليلة، في حين سلط الاعلام الدولي الضوء بكثافة على احاطة ولد الشيخ .
لم يكن الأمر صدفة على كل حال فصرخة أوبراين كانت مدوية باتهامه التحالف السعودي ارتكاب مجازر يومية في اليمن لكن سرعان ما تلاشى هذا الصوت مع الحجم الهائل من الاكاذيب والتضليل الذي قدم للعالم خلاصة مروعة لما يجري في اليمن.
وحتى كثافة الغارات الجوية التي كان العالم يتحدث عنها مؤخرا تلاشت مع تقديم ولد الشيخ ثلاثة ذائع لها الأولى أنها كانت كثيفة فقط في مناطق الساحل الغربي وثانيا أنها كانت ضمن قصف بري وجوي متبادل وثالثا أنها جاءت في إطار عملية ” الرمح الذهبي ” التي ادعى ولد الشيخ أن من يشنها هو الحكومة اليمنية وليس تحالف العدوان السعودي الاماراتي المدعوم اميركيا وبريطانيا.
هكذا منح ولد الشيخ صك البراءة الدولية للنظامين السعودي والاماراتي حيال سلسلة من أكثر جرائم الابادة وحشية ارتكبها طيران العدوان السعودي الاماراتي خلال الأسابيع الماضية مع رفعه مستوى الغارات العشوائية على القرى والمدن والاحياء السكنية والتي قتل فيها عشرات المدنيين ودمر خلالها عشرات المنازل والمرافق والطرق والجسور في سائر المحافظات اليمنية ، ناهيك باستخدامه المفرط للقنابل العنقودية والصواريخ الفسفورية المحرمة دوليا.
هل سمعتم أي كلمة أو جملة أو اشارة في احاطة ولد ا لشيخ عن كل هذا العدد الهائل من الغارات الوحشية على المدن اليمنية ؟
على ان ولد الشيخ استغرق في التوصيفات لما يجري في اليمن على أنه صراع داخلي ليضع الاساس لتمديد مهمته وسيطا امميا، فقد بذل جهدة في سبيل اخفاء حقيقة أن هناك عدوان مباشر على اليمن تقوده السعودية تحت مظلة تحالف قتل وجرحى وشرد الآلاف ومدمر آلاف المساكن والمرافق الحيوية في ظل حصار بري وبحري وجوي يفرضه تحالف العدوان الذي طالما أعلن وصرح أنه يشن حربه على اليمن لمواجهة الانقلاب واعادة الحكومة الشرعية ومحاربة نفوذ ايران.
اخفاقات الملف السياسي ؛؛؛
في المحور الخاص بالتهدئة ووقف النار، حقق ولد الشيخ اهدافه في جلسة مجلس الأمن الأخيرة خصوصا بعدما حصل من الوفد الوطني على موافقة بإعادة تفعيل اعمال لجان التهدئة ووقف النار في الأردن، ورغم ذلك فقد أوصل رسالة مغايرة للعام إذ رحب بموافقة لم تعلن رسميا لحكومة هادي ارسال ممثليها من اعضاء لجنة التهدئة لورشة العمل في الاردن في حين أتهم حزب المؤتمر وانصار الله بعرقلة هذه الخطوة وعدم تأكيد حضور ممثليهم، رغم أنه صرح في زيارته الاخيرة قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن أنه تم الاتفاق معهم على هذه المحور.
وفي المحور السياسي، تجنب ولد الشيخ الافصاح عن موقف هادي وحكومته الرافضين حتى الآن لخارطة الطريق الأممية واكتفى بالتأكيد على أنه حث هادي على الالتزام العلني بالمشاورات على اساس مقترحاتي التي قدمت في الكويت و ما بعد الكويت. ان انتقاد الرئيس هادي المتواصل للمقترحات من دون القبول بمناقشتها لتعديل بنودها يقوض الثقة بمسار السلام و يطيل أمد الصراع.
ورغم انه لم يكرر كذبه هذه المرة وأقر أن وفد انصار الله والمؤتمر وافقوا على خارطة الطريق كورقة قابلة للبحث والتفاوض في شهر نوفمبر الماضي، إلا أنه استبدل تلك الأكاذيب باتهامات مطاطية ادعى فيها أن الوفد الوطني امتنع عن ” تقديم أية طروحات عملية وعن وضع خطة مفصلة للترتيبات الأمنية تتطرق الى تفاصيل الانسحاب العسكري وتسليم الأسلحة الثقيلة ” ما شكل عائقا لم يساعد على التقدم”، كما لم يغفل تذكر الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأن خطوة تشكيل حكومة الانقاذ الوطني وضعت عراقيل اضافية لمسار السلام واثرت سلبا على عامل الثقة بين الأطراف.
ورغم أن كل المؤشرات على الأرض تؤكد اخفاق المبعوث الأممي في مهمته السياسية إلا أنه استطاع أن يدفع بكل ما لديه من اجل تمديد مهمته كوسيط أممي سواء في الملف العسكري أم السياسي وقد منح نفسه التمديد المطلوب لمهمته باعلانه أنه سيتابع مباحثاته لوضع حلول سياسية تساهم في تقريب وجهات النظر، ولم يكن غريبا أن يهز أعضاء مجلس الأمن الدولي رؤوسهم لهذا القرار كما تابع كثيرون.
نصف ورقة الجوكر ؛؛؛
ورقة الجوكر (حصار مطار صنعاء وازمة الرواتب ) التي ظل ولد الشيخ يحتفظ بها لفترة طويلة، استخدم ولد الشيخ نصف الورقة كعنصر موضوعي يصعب التعامي عنه، حيث تحدث عن الحظر الجوي على مطار صنعاء المفروض منذ نحو ستة اشهر مكتفيا بالاشارة إلى أن الابقاء على مطار صنعاء الدولي مغلقا يزيد من صعوبة الوضع العام.
وفي شأن أزمة الرواتب التي ظلت تراوح مكانها لفترة طويلة بادارة من السعودية وحكومة الفار هادي في ظل معاناة انسانية خانقة، أكمل ولد الشيخ الدور المطلوب منه مبلغا مجلس الأمن والمجتمع الدولي أن معلومات وصلته من حكومة هادي تقول أنها باشرت صرف مرتبات الموظفين في بناء انطوى على رسالة بأن صرف الرواتب شمل سائر الموظفين في سائر المرافق الحكومية وليس موظفي التربية والتعليم في امانة العاصمة فقط في خطوة لم كانت نتائج لحملة اعلامية شعواء شنها الاعلام الوطني وارغم فيها الفار هادي وحكومته على صرف الرواتب في اللحظات الاخيرة قبيل انعقاد جلسة مجلس الأمن.
ورغم حساسية ملف حظر الطيران المدني لم يقدم المبعوث الأممي أي إشارة إلى مسؤولية التحالف السعودي في النتائد الكارثية لحظره غير القانوني للطيران المدني بل حمل حكومة هادي مسؤوليتها ودعاها إلى اعادة تفعيل حركة الطائرات المدنية والتجارية من والى مطار صنعاء الدولي كما لم يففل توجيه رسائل بانعدام امن الملاجة الجوية بدعوته “جميع الأطراف الى ضمان أمن وسلامة الملاحة الجوية والمطار”.
حال الرسائل الكارثية لولد الشيخ كان كذلك مع المجلس السياسي وحكومة الانقاذ الوطني، ففي كل محتويات احاطته المقدمة لمجلس الأمن استمر ولد الشيخ بتجاهل المجلس السياسي الأعلى كسلطة شرعية وحيدة استندت إلى اجراءات دستورية وحظيت بثقة البرلمان واسناد شعبي لا سابق له، كما استمر في تجاهل حكومة الانقاذ الوطني التي حظيت بثقة البرلمان والتأييد الشعبي مستطردا في وصف طرف صنعاء بأنه فقط جماعة انصار الله وحزب المؤتمر.
اليمن يخسر كثيرا ولا قيمة ايجابية للقبول بولد الشيخ وسيطا ؛؛؛
عندما طالب كثيرون المجلس السياسي الأعلى مطالبة الأمم المتحدة تغيير الوسيط الأممي بمبرر عدم حياديته ورفض استقباله بصنعاء، كانوا في واقع الأمر محقين فتعاطي الوفد الوطني والمجلس السياسي معه لم يضف أي جديدا في معادلة هيمنة اللوبي السعودي كما لم يؤثر ولو قليلا على الدور المشبوه الذي يلعبه ولد الشيخ بالانحياز للنظام السعودي والدفاع عنه في المحافل الدولية، بل أنه كان في كل مرة يستثمر تعاطي صنعاء معه لصالح العدوان السعودي ولدعم تقديم نفسه للعالم وسيطا يحظى بموافقة كل الأطراف.
من المؤكد أن كثير من الاحاطات التي قدمها المبعوث الأممي لم تقدم شيئا ايجابيا لليمن في حدوده الدنيا، سوى أنها استخدمت مجلس الأمن الدولي منبرا لتشويه الحقائق بوصف ما يدور في اليمن على أنه صراع داخلي تتحمل مسؤوليته الأطراف اليمنية المتصارعة واخفاء حقيقة العدوان الهمجي الذي تقوده السعودي وحلفائها وجرائمها الوحشية في هذا البلد.
من يخشون تعرض اليمن لخسائر في حال رفضها استمرار ولد الشيخ في مهمته غير مصيبين في الواقع، فالعالم كلة يستمع لصوتنا اليوم بلسان ولد الشيخ الذي استطاع طيلة فترة عملية كوسيط ان يقنع العالم بعدم جدوى الاستماع إلى اليمنيين وعدم تصديق أي تقارير حقوقية وانسانية تصدر من اليمن بشأن جرائم العدوان ومجازره اليومية.
لعل من المهم التأكيد أن الاعلان رسميا عن رفض استمرار المبعوث الأممي وسيطا في ملف الأزمة اليمنية صار ضرورة وطنية ملحة لقلب الطاولة على النظام السعودي وداعميه وهو لا شك سيحرك الأصوات النزيهة في المنظمة الدولية البعيدة عن نفوذ اللوبي السعودي والأميركي والبريطاني للاتفات لمطالبنا بتغييره بوسيط آخر أكثر نزاهة وفي اسوأ الأحوال لن يضيف اعلاننا رفض التعامل مع ولد الشيخ جديدا مؤثرا على هذا المشهد القاتم اليوم.
وفي موازاة الانتقادات والاتهامات المتصاعدة للسعودية حيال عدوانها وحصارها وجرائمها الوحشية بحق المدنيين فإن أكثر ما يحتاجه النظام السعودي للاستمرار بهذا ا لعدوان والافلات من الجرائم، هو مبعوث أممي يتحدث مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة بلسان اليمنيين وينقل تقارير منحازة طافحة بالأكاذيب ليس آخرها اقناع المجتمع الدولي والمنظات الانسانية بأن ما يحدث في اليمن ليس سوى حرب داخلية ليس لتحالف العدوان السعودي شأن بها وأن اليمن يتخبط في دوامة من العنف والصراعات السياسية يدعي فيها كل طرف احراز انتصارات ميدانية.
رئيس التحرير