2024/11/24 4:17:42 صباحًا
الرئيسية >> أحدث الأخبار >> من جيوش بوش إلى ثوار أوباما .. التضليل في الاستراتيجية الأميركية لنشر الديمقراطية

من جيوش بوش إلى ثوار أوباما .. التضليل في الاستراتيجية الأميركية لنشر الديمقراطية

اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية إعلامية تهدف إلى اقناع الرأي العام العربي بأن هدفها من غزو العراق في العام 2003م هو نشر الديمقراطية وليس احتلاله ونهب ثرواته, وذلك لتجنب الغضب الجماهيري ومقاومة عدوانها على قطر عربي والتصدي لأهدافها العدوانية وأطماعها الاستعمارية.

نجحت استراتيجية التضليل الاعلامي الامريكي في ترويج مقولات واشنطن عن دمقرطة الأقطار العربية, وتزييف الوعي الجمعي بالقضايا والوقائع العدوانية, وتمكن الاعلام الموجه لخدمة الاستراتيجيات الامريكية من تكريس منطق الخداع والتضليل استناداً إلى الصلة الزائفة والمقارنة الخادعة بين المستبد الوطني والاستعمار الأجنبي, ثم القول بأن الحكومات المستبدة والأنظمة المتسلطة, لا تستحق الدفاع عنها في وجه الغزاة المعتدين, بل وتفصيل الغزاة على المستبد الوطني, واعتبار الغزو العسكري هو الخيار الأمثل للتحرر من الاستبداد والقضاء على الطغاة ونشر البديل الديمقراطي في البلدان المحتلة, ابتداء من العراق في مشروع أمريكي لدمقرطة الأقطار العربية وتغيير خارطتها القائمة إلى ما أسمته واشنطن “الشرق الأوسط الجديد” والذي تحول إلى “الشرق الأوسط الكبير والأوسع” بعد ضم الأقطار العربية في الشمال الأفريقي إلى هذا المشروع الامريكي لفرض الديمقراطية بالقوة العسكرية.

كانت الصورة الاعلامية السائدة في رسالة الاعلام الامريكي عن عراق ما بعد الشهيد الخالد صدام حسين, تقدم للرأي العام العربي ما تسميه “العراق الجديد”, الذي سيكون أنموذج للديمقراطية ومثالاً لما تحمله الجيوش الامريكية إلى كل “الشرق الأوسط الجديد والكبير”, لكن هذه الصورة الخادعة لم تكن هي التي عكست ما هو عليه الواقع في العراق المحتل, إذ سرعان ما ظهرت الحقيقة في العراق الجديد بصورة مرعبة من الفوضى والدمار وجرائم القتل والقمع وتدمير الوطنية العراقية بالطائفية والاحتلال, والتدمير الممنهج للمؤسسات والبنى التحتية بالتزامن مع نهب التراث الحضاري والثروة الوطنية وتصفية الكوادر العلمية والكفاءات العراقية بالقتل والتشريد.

كان الغزو العسكري للدول العربية التي وصفتها الولايات المتحدة بـ” الدول المارقة” ووضعتها فيما أسمته “محور الشر” واستهدفتها بالغزو تحت راية نشر الديمقراطية, أقول كان هذا الغزو في العراق مكلفاً بدرجة تحول دون استمراره وتكراره فيما بعد العراق من أقطار عربية هي سوريا وليبيا, فقررت الإدارة الامريكية لبوش الابن وقف العمل باستراتيجية نشر الديمقراطية بالقوة العسكرية, والبحث عن بدائل أخرى لدمقرطة المنطقة العربية وتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد والكبير” وابتدأ البحث عن هذا البديل مبكراً في العام 2004م, بالترويج الاعلامي والتحفيز السياسي لأفكار وبرامج الاصلاح السياسي, حتى اكتملت أسس ومضامين استراتيجية جديدة لنشر الديمقراطية لا تعتمد على الغزو العسكري المباشر وإنما تعيد صياغة وسائله على أسس من الشرعية والمشروعية, وبغير كلفة أو خسائر بشرية واقتصادية, وهذا ما جاءت به إدارة باراك أوباما.

من جامعة القاهرة في العاصمة المصرية, أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما استراتيجية إدارته الجديدة, في خطاب شهير له في العام 2009م, تضمن التأكيد على أن امريكا ستتوقف عن نشر الديمقراطية بالقوة العسكرية وأنها ستسحب جيوشها من أفغانستان والعراق, وستغلق معتقل جوانتانامو, وجدد أوباما في خطابه ذاك تمسك إدارته بمبدأ نشر الديمقراطية استناداً إلى أسس جديدة, حيث ستدعم واشنطن كل حركة محلية تنشد التغيير وتسعى إلى التحول نحو الديمقراطية, فالديمقراطية بحسب أوباما لا تفرض من الخارج, بل تبنى من الداخل, وعلى هذا ستستجيب واشنطن لكل محاولة أهلية للديمقراطية وتقدم لها كل الدعم اللازم للنجاح والانتصار.

لم تنتظر إدارة أوباما كثيراً, حتى تفي بالتزاماتها المعلنة عن استراتيجيتها الجديدة لنشر الديمقراطية في الوطن العربي, فمع نهاية العام 2010م, اندلعت في تونس حركة احتجاج شعبي ضد السلطة الحاكمة, سرعان ما وصلت إلى العاصمة, وصعدت مطالبها ليصبح رحيل الرئيس وتغيير النظام الحاكم مطلباً وهدفاً منجزاً بعد الهروب المفاجئ للرئيس التونسي من بلاده إلى السعودية, في 12 يناير 2011م, ومن تونس إلى مصر, تحركت الجماهير الشعبية في حرك احتجاجي سلمي يطالب بالتغيير ويهتف بسقوط النظام الحاكم ورحيل رأس السلطة ابتداء من 25 يناير 2011م, حتى انتصرت الجماهير لمطالبها وقبل الرئيس المصري التنحي عن السلطة, وتسليمها للمجلس العسكري الأعلى في 11 فبراير 2011م, ثم انداحت موجة الانتفاضات الجماهيري لتصل إلى أقطار عربية كثيرة, شملت المغرب والأردن والبحرين والسعودية وسلطنة عمان, حيث تمت معالجة هذا الانتفاض بوسائل تمكنت من إخمادها نهائياً في كل تلك الأقطار عدى البحرين, وليتخذ الحراك الجماهيري مساراً آخر نحو ليبيا واليمن في فبراير 2011م, ثم نحو سوريا في 15 مارس 2011م.

في ليبيا, ركبت صورة الحراك الشعبي في الاعلام وفقاً لاستراتيجية التضليل الامريكي الجديدة حول نشر الديمقراطية في الوطن العربي, والتي ركزت على شيطنة الدكتاتور الليبي وبطشه بالمتظاهرين المدنيين حيث كرر الاعلام الموجه مزاعمه عن قيام الجيش الليبي الذي سيصبح اسمه في الاعلام كتائب القذافي, بقتل ما يزيد عن 20 ألف متظاهر في بنغازي, وهنا سارع ساسة ليبيون إلى دعوة المجتمع الدولي لحماية الشعب الليبي من بطش الحاكم وجبروت قوته, لكن هذه الدعوة لم تكن كافية لقيام الإدارة الامريكية بالاستجابة لها, فتحركت دول مجلس التعاون الخليجي للمطالبة بحماية الشعبي الليبي, وتمكنت من فرض قرارها على الجامعة العربية, وتقديمه باسم الجامعة إلى مجلس الأمن الدولي, الذي قرر تحت الفصل السابع ضرورة حماية المدنيين وفرض حظر جوي على الطيران الليبي, وهو القرار الذي تحركت الإدارة الامريكية لتنفيذه كقائدة لحلف الأطلسي الذي تولى عملية تغيير النظام الليبي واسقاطه ودعم ما سمي بالثورة الليبية الساعية إلى الديمقراطية والمتحركة من اجلها وفي سبيلها.

في 20 أكتوبر 2011م, بعد استشهاد الزعيم الليبي, خطب الرئيس باراك أوباما, معلناً أن بلاده تمكنت من القضاء على سلطة عربية مستبدة, والتخلص من طاغية آخر في ليبيا دون أن تخسر جندياً واحداً أو دولاراً واحداً, وهكذا تم التخلص من دولة مارقة ثانية بعد العراق, والعضو الثاني في محور الشر, لتبقى سوريا الدولة المارقة الأخيرة والعضو الأخير في محور الشر المستهدف بالإزالة والمحو في الاستراتيجيات الامريكية, وسياساتها الثابتة نحو المنطقة العربية, وقد اتجه التآمر الامريكي نحو سوريا بذات الصيغة التي تم تنفيذها في ليبيا وتقضي بإخراج صورة إعلامية لوحشية بطش السلطة السورية الحاكمة بجماهير الانتفاضة السلمية, ليتحرك المجتمع الدولي نحو حماية المدنيين استجابة لمطالب المعارضة السورية ومطلب الجامعة العربية, لكن هذه الخطة لم تعد صالحة للاستخدام الامريكي ضد سوريا, فاستعادت واشنطن تجربتها في استخدام المجاهدين بأفغانستان في ثمانينات القرن العشرين لتكون وسيلتها للتدخل العسكري الغير مباشر بسوريا والمستمرة منذ العام 2011م.

 

بهذه الاستراتيجية نجحت الولايات المتحدة الامريكية في تسويق صورتها لدى أغلبية الرأي العام العربي, باعتبارها القوة الحامية للشعوب العربية والمناصرة لنضالها الديمقراطي, والمنتصرة لها في مواجهة التسلط والطغيان, حيث يعود لها فضل التخلص من الاستبداد الجاثم في ليبيا لأكثر من أربعة عقود والقضاء على الشهيد الخالد معمر القذافي, ولهذا ارتفعت أعلامها في الشوارع العربية, وعلت أصوات الداعين لجيوشها إلى تحريرهم من الطغيان ونشر الديمقراطية في الأقطار العربية, لتصبح الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس أوباما, صديقة للشعوب العربية, وحليفة لنضالها في سبيل الحرية والديمقراطية, حتى وإن لامها بعض الساسة على ترددها في تحرير سوريا, فإنها تبقى صاحبة فضل كبير في الانجازات المتحققة بما عرف بـ “الربيع العربي”.

إن النجاح الذي حصدته إدارة أوباما باستراتيجيتها الجديدة للتضليل الاعلامي حول عدوانيتها العسكرية وأطماعها في الثروات العربية, تحت غطاء نشر الديمقراطية, لم يصمد طويلاً أمام العواصف التي هزت مصداقيتها عميقاً بالحقائق التي تجلت في ليبيا ما بعد الشهيد الخالد معمر القذافي, وأكدت تطابق الأهداف الامريكية في كل من ليبيا والعراق, مع اختلاف وسائل تحقيقها فالتدمير والتخريب والتفتيت الممنهج للهوية الوطنية يتسيد الموقف في العراق وليبيا, ولا يترك فرصة لأي تحول ديمقراطي في القطرين اللذين يتوزعان طائفياً وجغرافياً على عصبيات الطائفة والقبيلة ومالها من ميليشيا وسلاح, وهكذا تستخدم الديمقراطية مادة للتضليل الاعلامي وخداع الرأي العام بحقيقة العدوانية الامريكية التي تستهدف الهيمنة على الثروة وتدمير القوة العربية التي تقاوم الصهيونية وترفض الهيمنة الامبريالية, وتحققت في العراق وليبيا وسوريا, وستبقى الحقائق في التاريخ العربي صامدة في وجه التضليل, خالدة في ذاكرة الأجيال.

 

عبدالله الدهمشي

اخبار 24

شاهد أيضاً

الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون

المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...