يجمع معظم الفرقاء السياسيين اليمنيين ويدركون، باستثناء جماعة «الإصلاح» الإخوانية وأنصار الرئيس هادي المتحالفين مع السعودية، طبيعة ومسار الحرب العدوانية التي فرضتها السعودية وحلفاؤها، على الدولة اليمنية والتي تستهدف اليمن كلّ اليمن، فمعظم صنّاع القرار اليمنيين، على اختلاف توجهاتهم، يعون اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى، أنّ اليمن أصبح ساحة مفتوحة لكلّ الاحتمالات، التي قد تشمل، بالإضافة إلى الحرب الخارجية، حرباً داخلية مدعومة من دول وقوى خارجية تتمثل هذه الحرب بسلسلة اغتيالات وتفجيرات وانتشار للجماعات الإرهايية، خصوصاً أنّ المناخ العام في الداخل اليمني، المرتبط بالأحداث الإقليمية والدولية، بدأ يشير بوضوح إلى أنّ اليمن أصبح عبارة عن بلد يقع على فوهة بركان، قد تنفجر تحت ضغط الخارج لتفجر الإقليم بكامله.
ولكن هنا وبالتحديد، عند الحديث عن الداخل اليمني، يجب الإشارة إلى ملاحظة هامة، خصوصاً بعد مرور ما يقارب العامين من هذه الحرب العدوانية المفروضة على الدولة اليمنية، فهنا يمكننا القول، إنّ اليمنيين نجحوا في استيعاب واستقراء طبيعة الحرب السعودية. وهم بالفعل، أثبتوا أنهم قادرون على الردّ وما زالوا يعملون ولليوم، على بناء وتجهيز إطار عام للردّ على مسار هذه الحرب العدوانية.
على أرض الواقع، ما زال السعوديون مستمرّين في معركتهم العدوانية على اليمن، مرتكزين على قاعدة دعمهم من أميركا وبريطانيا وغيرهما، فهم اليوم ما زالوا يفتحون وبشكل واسع، معارك كبرى بالداخل اليمني وعلى جبهات ومحاور مختلفة. مع أنّ السعوديين يعلمون جيداً، ما مدى الخطورة المستقبلية وحجم التداعيات التي ستفرزها هذه المعارك. وبالأحرى، يعلمون حجم الإفرازات المباشرة للانغماس السعودي في هذه المعركة، على الداخل السعودي شرقاً وجنوباً. ومع كلّ هذا وذاك، قرّر السعوديون أن يخوضوا هذه المغامرة والمقامرة الجديدة، لعلهم يستطيعون أن يحققوا انتصاراً، حتى وإنْ كان إعلامياً، أو على حساب جثث أطفال ونساء الشعب اليمني، لعلّ هذا الانتصار يعطيهم جرعة أمل، بعد سلسلة الهزائم المدوية التي تلقوها في أكثر من ساحة صراع إقليمي.
على الصعيد الدولي والاقليمي، تدرك القوى الإقليمية والدولية أنّ استمرار مغامرة السعوديين الأخيرة، على حدودهم الجنوبية وإشعال فتيل حروب وصراعات جديدة في المنطقة، ستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل المنطقة واستقرارها الهشّ والمضطرب.
فاليوم مسار الحرب العدوانية السعودية على الدولة اليمنية، بات يحمل الكثير من المفاجآت الكبرى، حول طبيعة ومسار عدوان السعودية على اليمن، لأنّ للمعركة أبعاداً مستقبلية ومرحلية ولا يمكن لأحد أن يتنبأ مرحلياً بنتائجها المستقبلية، فمسارها يخضع لتطورات الميدان المتوقعة مستقبلاً. وستكون لنتائج الميدان مستقبلاً، الكلمة الفصل وفق نتائجه المنتظرة، في أيّ حديث عن تسويات للحرب السعودية على الدولة اليمنية ومعظم الملفات الإقليمية العالقة وتغييرا كاملا ومطلقا في شروط التفاوض. فالمرحلة المقبلة، من المؤكد أنها ستحمل الكثير من التكهّنات والتساؤلات حول مستقبل ونتائج كلّ ما يجري في الإقليم بمجموعه.
ختاماً، إنّ مسار الحرب العدوانية السعودية على الدولة اليمنية، بعد ما يقارب العامين، يقودنا إلى طرح سؤال رئيسي يشتق من نمطية وتراتبية مسار حروب الدولة السعودية، في الإقليم ككلّ وهو: ما الفائدة التي ستعود على السعودية ونظامها، من تداعيات هذه الحرب الشعواء التي تشنّ اليوم على اليمن أو غيره؟
فالنظام السعودي منغمس اليوم في مجموعة أزمات افتعلها في الإقليم، بدءاً من الحرب على الدولة السورية وليس انتهاء بانغماسه المباشر في الحرب على اليمن. اليوم، النظام السعودي يستطيع تقديم مئات المبرّرات والحجج الواهية لأسباب ومبرّرات حروبه في المنطقة، على تعدّد أشكالها. ولكن الواضح اليوم، أنّ كلّ الرهانات السعودية على كسب معركة واحدة من هذه المعارك والأزمات المفتعلة، باءت بالفشل. فالسعوديون يدركون حقيقة هزيمتهم في ميادين عدة، مؤخراً، خصوصاً في الميدان السوري. والواضح أنهم يسيرون بمسار واضح وهو تلقي المزيد من الهزائم والانتكاسات، سياسياً وعسكرياً والأخطر اقتصادياً ومجتمعياً.
هشام الهبيشان- كاتب وناشط سياسي، الأردن.