لم ينهزم أو ينكسر و لكن المرتزقة خذلوه وباعوه نكايةً به وبالوطن الذي لم يكبر عليهم وهم يسلمونه للغزاة لينجو هو بكرامته وشرفه ويقبعوا هم تحت نير ووطأة المحتل الغازي الذي لم يجد من يستعبد و يذل إلا من أسلموه رقابهم ووطنهم بالإمس القريب، أما هو بعد ان قاتل إلى آخر رجل معه فقد آثر معانقة البحر وتسليم نفسه للموت على أن يُسلِّم نفسه للغزاه !
هكذا فعل التُبَّع الحميري الملك ذو نواس عندما طوقه خذلان الكثير من بني وطنه قبل أن يطوقه العدو !
أنا لا علاقة لي اليوم بعقيدته ؛ مسلماً كان أم كافرا، يهودياً ام نصرانيا، ما يعنيني هو وطنيته ومدى حبه لأرضه وشعبه وقد ضحى بنفسه من أجلهما .
إنطلق على ظهر فرسه وحيداً من (ذو باب) بإتجاه المخا على البحر الأحمر ليدافع عن ساحل اليمن الغربي و كلما رأءه (مرتزقٌ) صاح و نادى في الأحباش قائلاً :
شكراً أكسوم شكراً أكسوم، هاهو المخلوع ؛ هاهو المجوسي الرافضي، إلحقوه و أقتلوه و من معه من الحرس و اللجان !
و كانوا كلما أعترض من العقلاء أحدٌ عليهم مستنكراً منهم ذلك و مستغرباً موقف هؤلاء و كيف أنهم يضحون بسيادة وكرامة الوطن لمجرد أنهم يكرهون أو يحقدون على (ذي نواس) قاموا له و دقّوه و سحلوه ثم صلبوه بتهمة أنه من أتباع ذي نواس (نواسي) أو بمعنى (حوثي أو عفاشي) بمصطلحات عالم اليوم !
كانوا يظنون أن التُبَّع هرب أو يريد أن يختبئ في كهفٍ هناك أو حفرةٍ حتى حين، و على هذا كانوا يبثون و ينشرون الشائعات و يختلقون الأكاذيب لغرض ضرب الجبهة الداخلية وشق وحدة الصف !
و لما أحس ذو نواس منهم التواطؤ و الخيانة و علم أن لا طاقة له بذلك في مواجهة العدوان ومرتزقته، قرر أن يُعلّم الأجيال المتعاقبة من بني وطنه درساً فريداً و نادراً من دروس الوطنية وعدم الخضوع والإستسلام . لقد إتجه بفرسه إلى البحر معانقاً لأمواجه المتلاطمة كما لو انه قرر أن يقدم نفسه و مُلكَه قرباناً لوطنه يقيه و يحصّنه من فيروسات الغزو إلى الأبد، فكان له أن تلقّفته حوريات البحر ملكاً عزيزاً جميَرياً يمانياً، وكان لوطنه وشعبه ان حُرِّمت أرضه على الغزاة والطامعين، فلا يدخلها غازٍ إلا هلك ولا مستعمرٌ إلا هُزِم وطُرِد ليبقى الطريق الذي عبره ذو نواس من (ذو باب) إلى المخا و ما حولهما شاهداً على صمود و إستبسال هذا الشعب و عصيّاً على الغزاة !
فهل أدرك اليوم أحباش و أوباش العرب والعجم سر إنكساراتهم و هزائمهم المتلاحقة في مثلث الموت (ذو باب – المندب – المخا) ؟!
إنها القرابين ؛ قرابين الشهداء لو كانوا يعلمون !