الجديد الأبرز في المعارك الدائرة في نهم هو حجم القوة المهاجمة وكثافة الغارات الجوية الداعمة للغزاة والمرتزقة، إذ كان يفترض أن تمنحهم معادلة تفوق المهاجم بنسبة (2-1:3 ) في القوات البرية والوسائل الهجومية الثقيلة، وخصوصاً أنهم يمتلكون طيران حربي ومروحي مساند، كما أن قيادة الهجوم أنيطت إلى اللواء على محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى المدرعة سابقاً، لأن النظام السعودي كان يريد من هذا الهجوم تحقيق المستحيل، لدرجة أن الطيران الحربي قصف مواقع أنصارالله والجيش اليمني خلال 12ساعة فقط 150 مرة.
منذ أن حل جنود آل سعود ومرتزقتهم من اليمنيين وغير اليمنيين في منطقة نهم القريبة من العاصمة صنعاء، تصور النظام السعودي، أنه بات بامكانه السيطرة على العاصمة صنعاء، وإرجاع الفار هادي وحكومته بعد دحر” أنصار الله وحلفائهم”.
ولذلك كان العميد أحمد العسيري الناطق العسكري باسم العدوان السعودي على اليمن،قد أعلن مراراً، أن الغزاة سوف يستولون على العاصمة خلال يومين، أو خلال أيام!! بل ذهب البعض من المرتزقة اليمنيين أبعد من العسيري، عندما قال إن صنعاء ستعود إلى الأحضان خلال ساعات!!
منذ ذلك الوقت، أي منذ أن حل الغزاة في نهم قبل أكثر من عام تقريباً، وهذه الجبهة تشهد كل أسبوع أو أكثر تقريباً هجوماً كبيراً من قوات العدوان لكسر دفاعات أنصار الله والجيش اليمني والتقدم نحو العاصمة….لكن هذه الجماعات باءت بالفشل وتكبد فيها المهاجمون خسائر فادحة في المعدات وفي الأفراد.
وعلى الرغم من الأعداد الكبير لكل هذه الهجمات من قبل آل سعود وآل زايد، إلا أن الهجوم الأخير وليس الآخر، الذي قام به جنود ومرتزقة العدوان يوم الجمعة الماضي- 22/12/2016 يتميز من حيث الإعداد العسكري له ومن حيث عديد القوات المشاركة فيه عن كل الهجومات السابقة، فهو هجوم أٌعدَّ ليحقق اختراقاً مؤكداً في هذه الجبهة من المعركة المترامية الأطراف والموزعة على أكثر من محافظة يمنية. وفي مناطق الحدود مع مملكة آل سعود.
وفي هذا السياق يقول المحلل العسكري اليمني أحمد عايضي أحمد “…أن المعركة الهجومية التي قادها المرتزقة والغزاة على قوات الجيش واللجان في نهم حاليا هي كأي معركة يقودها الغزاة والمرتزقة ويخسرونها، ولكن جديد هذه المعركة حجم القوة المهاجمة وكثافة الغارات الجوية الداعمة للغزاة والمرتزقة، وكان من المفترض أن تمنحهم معادلة تفوق المهاجم بنسبة (2-1:3 ) في القوات البرية والوسائل الهجومية الثقيلة، وخصوصاً أنهم يمتلكون طيران حربي ومروحي مساند”.
والى ذلك فإن قيادة هذا الهجوم أنيطت إلى اللواء على محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى المدرعة سابقاً، فالنظام السعودي كان يريد من هذا الهجوم تحقيق المستحيل، لدرجة أن الطيران الحربي قصف مواقع أنصارالله والجيش اليمني خلال 12ساعة فقط 150 مرة، الأمر الذي يكشف كثافة النيران التي استخدمها النظام السعودي لفتح طريق في جبهة المدافعين عن العاصمة نحو المدينة، لان النظام أراد من هذه المعركة تحقيق نصراً مادياً يوظفه في دعايته الإعلامية في إطار ما يلي:
1- التغطية أو على الأقل التقليل من الآثار النفسية والمعنوية للانتصار الذي حققهٌ الجيش السوري وحلفاؤه في حلب، ذلك أن هذا الانتصار في الوقت الذي تشكل ضربة كبيرة للنظام السعودي، فإنه ترك انعكاسات كبيرة على جبهة العدوان السعودي، لعلّ أهمها مضاعفة الإحباط واليأس وفقدان الأمل عند هؤلاء مما أثر على أدائهم العسكري وعلى اندفاع المرتزقة.
فالنظام السعودي اراد بهذا الهجوم منحهم العزيمة وتجديد الأمل عندهم لمواصلة القتال مع أنصار الله والجيش اليمني من جانب، ومن جانب آخر أراد آل سعود بهذا الانتصار التعويض على أنفسهم عن الانكسار في حلب، لان وقع هذا الانكسار الذي منوا به كبيراً وضخماً، نظراً لمليارات الأموال من الدولارات التي صرفوها على الإرهابيين، وللأسلحة التي اشتروها لهم، فكانوا يعولون كثيراً على إطالة الحرب في سوريا واستنزاف محور المقابل على الأقل، إن لم يستطع هؤلاء الإرهابيون من إسقاط الحكومة السورية.
وتحرير حلب شكل نكسة لآل سعود وللمحور الصهيوني الأمريكي الرجعي الذي ينتمون إليه، كرس الخوف والهلع عند آل سعود من عواقب الأمور، وزادهم قلقاً على مصيرهم بعد انتصار الرئيس السوري وحلفائه في هذا المواجهة مع أمريكا والصهاينة وعملائهم من السعوديين والقطريين ومن لف لفهم.
2- مثلما كانت انعكاسات انتصار السوريين وحلفائهم في حلب كبيرة على جنود ومرتزقة العدوان في اليمن، فهي أيضاً كانت كبيرة على الشعب اليمني ومقاتليه من أنصار الله والجيش اليمني، إذ عزز لديهم هذا الانتصار الثقة بالنفس، ومنحهم قدرات إضافية في الثبات والصمود والأيمان بإلحاق الهزيمة بالمعتدين، وألهمهم حماساً إضافيا وعزيمة مضاعفة في مواجهة المعتدين وكسر ارتالهم وهجماتهم وتدمير أوكارهم ومدرعاتهم، ولذلك أراد آل سعود بتحقيق هذا الانتصار في نهم، سلب الشعب اليمني هذه الفرصة واضعاف هذه العزائم التي تركها انتصار الجيش السوري في حلب.
3- إضافة إلى ما تقدم أراد النظام السعودي من هجوم نهم، أن يقنع به الأوساط الإعلامية وحتى السياسية الغربية بأنه قادر على صنع المعجزات في هذا الصراع وانه قادر على تغيير المعادلات، لان هذه الأوساط ماانفكت تؤكد أن النظام فشل في اليمن كما فشل في سوريا والعراق، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما باتت تتحدث عن احتمالات سقوط النظام وتلاشيه كنتيجة حتمية لتورطه في التآمر على سوريا والعراق ومصر وليبيا ولشنه العدوان على الشعب اليمني.
على سبيل المثال قال الخبير الأمريكي سايمون هندرسون، وهو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في تقييم له لأداء الجيش السعودي…”أن أداء سلاح الجو السعودي ضعيف جداً، كما أن أداء القوات البرية السعودية كان سيئاً في حماية المنطقة الحدودية جنوب غرب المملكة” وأضاف هذا الخبير قائلاً ” إن الجيش السعودي هو أحد أفضل الجيوش تجهيزاً في العالم، لكنه في واقع الأمر(نمر من ورق) وقد كان خيبة أمل كبيرة لمزوديه الأجانب بالأسلحة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة”.كما أشار الخبير الأمريكي، إلى أن الرياض تلقي باللوم على إيران لدعمها ” المتمردين ” أي أنصارالله، الذين يخوضون حرباً بالوكالة (على حد زعم وقول هذا الخبير، لذي شدد على أن ” فشل المملكة في تحقيق أي ميزة عسكرية ينبع على ما يبدو من قصورها في ساحات المعارك أكثر من تدخل طهران” وذلك ما أكده أيضاً خبراء آخرون من الدول الغربية.
وعلى أساس هذا التحليل، ذهب الكثير من المحللين البريطانيين والأمريكيين إلى أن النظام السعودي بالإعداد لمعركة نهم هذه المرة أراد تغيير الأجواء والمناخات التي ارتكزت إليها تحليلات الخبراء والكتاب والمحللين الغربيين والأمريكان، وبالتالي تغيير قناعات هؤلاء، التي ستؤشر بدورها على مواقف الحكومات الغربية دعمها ومساندتها لآل سعود ولعدوانهم على الشعب اليمني.
وفيما كان النظام السعودي يعوّل على تحقيق تلك الأمنيات، فأن نتائج الهجوم جاءت مخيبة للآمال تماماً، فقد مني المهاجمون بهزائم منكرة، وبخسائر جسيمة في الأرواح وفي المعدات، إذ عرض تلفزيون المسيرة اليمني مشاهد لجثث جنود العدوان ومرتزقتهم متناثرة في ميدان المعركة، وكاد أنصار الله وحلفائهم والجيش اليمني، أن يقتلوا على محسن الأحمر،إذ نجا بأعجوبة من الموت المحقق كما تقول بعض الأوساط اليمنية.
أسباب هزيمة الغزاة ومرتزقتهم
صحيح أن التفوق في عديد القوى المتحاربة وفي تفوقها النوعي من ناحية التسليح، يشكلان عاملاً مهماً وأساسياً في حسم المعركة، لكن ثمة عوامل أخرى تعتبر الأكثر أهمية، في قضية حسم المعركة، فكثيرة هي الأمثلة على جيوش جرارة موجحة بأسلحة متطورة هٌزمت أمام مقاتلين لا يمتلكون ما تملكه هذه الجيوش من العديد والعدة.
وفي هذا السياق هٌزم الجيش الأمريكي في الستينات أمام ثوار الفيتكونغ الفيتناميين، وهزمت جيوش مدعومة من أمريكا أمام مجموعات من الثوار في أمريكا اللاتينية في عقود الستينات والسبعينات، وهٌزم الكيان الصهيوني و”جيشه الذي لا يقهر” أمام مقاتلي مقاومة حزب الله في عام2000م وعام 2006، وأمام المقاومة الفلسطينية في عامي2009،2012م. وقبل ذلك هٌزمت قوات الاتحاد السوفيتي المنحل أمام المجاهدين الأفغان، واليوم تتكبد قوات آل سعود ومرتزقتهم الخسائر الفادحة تلو الخسائر على أيدي أنصار الله والجيش اليمني وحلفائهم…وذلك يعود إلى ما يلي:
1- عدم إيمان الجنود السعوديين والمرتزقة بهذه الحرب،وأية حرب إذا لم تتوفر فيها العقيدة القتالية لا يمكن أن تحقق النتائج المرجوة مطلقاً، فأكثر هؤلاء الذين زج بهم آل سعود في هذه المعركة، إما من الجنود الذين زج بهم النظام السعودي بالإكراه، أو مرتزقة اشترى النظام خدماتهم القتالية، ولذلك فأن دافع التضحية والاندفاع نحو القتال عند هؤلاء يساوي صفر أو حتى أقل من الصفر.
لذلك لاحظنا إنذارات بعض قادة المرتزقة لهادي ولآل سعود، نتيجة عدم وصول الأموال لهؤلاء المرتزقة، بأن بعضهم بدأ يسلم نفسه لأنصار الله، أو حتى ينقل خدماته القتالية إليهم…ذلك على عكس مقاتلي الجيش اليمني وأنصار الله الذين يمتلكون عقيدة قتالية واضحة، فهم يدافعون عن وطنهم وعن أهلهم وذويهم وعن أعراضهم وأموالهم وبالتالي، فأن هذا الأيمان الذي يدفعهم إلى التفاني في القتال والدفاع وفي بذل الأرواح رخيصة، هو الذي يقلب موازين المعركة، ويغيّر من مآلاتها ونتائجها، مهما تفوق الخصم بالعدد والعدة التسليحية.فعدم الإيمان، هو الذي جعل الجيش السعودي نمراً من ورق كما يقول الخبير الأمريكي سايمون هندرسون.
2- عدم وضوح الأهداف عند الجندي السعودي، وعند المرتزقة، فالنظام السعودي وضع أهدافاً لهذا العدوان لا تبعث في هذا المقاتل الحماس والاندفاع نحو القتال والتضحية بالنفس، فآل سعود قالوا أنهم يريدون إعادة ” الشرعية ” المتمثلة بهادي الرئيس الفار وشلته، ومرة يقولون إنهم يريدون القضاء على” الانقلابيين “،وكل هذه الشعارات وغيرها تستبطن هدفاً أساسياً هو مصادرة حرية الشعب اليمني ومنعه من الانعتاق من التبعية وهيمنة آل سعود، وهذا ما بات يدركه المقاتل الآتي من السعودية، بل حتى المقاتل من المرتزقة اليمنيين أيضاً يعرفون إنهم يقاتلون أبناء جلدتهم من أجل الأموال ومن أجل تمكين آل سعود من إعادة السيطرة على شعبهم وعلى مقاليد بلدهم، لذلك مثل هذا المقاتل ليس لديه الاستعداد للتضحية بنفسه من أجل هذه الأهداف غير المنطقية وهو ما يفسر مظاهر التمرد والفرار من ساحة المعركة لدى الجنود السعوديين والإماراتيين ولدى المرتزقة اليمنيين وغير اليمنيين، ذلك بعكس الجيش اليمني وأنصار الله، فهم يمتلكون هدفاً واضحاً وهو الدفاع عن هوية وحرية واستقلال شعبهم، لأنهم يدركون أن تحقيق هذه الأهداف، يشكل محور هذا الشعب، ومحور نهضته ووحدته واستغلال ثرواته و.و.وبالتالي يعرف هذا المقاتل أن تضحيته في سبيل هذا الأهداف، تعني الحياة لمجتمع ولشعب بأسره، فيسترخص روحه من أجل تحقيق هذه الأهداف، ويزداد ثباتاً وصموداً ومقاومة قبال هجمات وزحوفات الخصم، وذلك ما يؤدي بالطبع إلى إلحاق الهزيمة بهذا الخصم.
3- طبيعة الأرض وتضاريسها، تدخل أيضاً عاملاً مهماً في تحديد نتيجة المعركة، ودائماً هذه التضاريس تقف مع أصحاب الحق، فهؤلاء الذين يمتلكون الإيمان والإرادة على القتال يحاولون الاستفادة أقصى ما يمكن من هذه التضاريس وتحويلها إلى دروع لحمايتهم من نيران اعدائهم، أو جعلها مصيده للإيقاع بهؤلاء الأعداء والفتك بهم، إلى ما هنالك مما يعرفه العسكريون والخبراء في هذا المجال…ذلك بعكس المقاتل الذي لا يمتلك الإرادة وليس لديه إيمان بهذه المعركة كما هو حال الجنود السعوديين ومرتزقتهم، فهؤلاء المقاتلين لا يتعاملون مع التضاريس الأرضية كعامل مهم من عوامل حسم المعركة، بل قد يصبح وبالاً عليهم بسبب خوفهم وهلعهم من جانب، ومن جانب آخر هو جهلهم بتفاصيل هذه التضاريس.
ذلك، فضلاً عن التفاف الشعب اليمني حول الجيش اليمني وأنصار الله، ورفده لهم بالمقاتلين وبالدعم المادي والمعنوي، وبالسلاح وكل مستلزمات القوة والثبات والصمود، إضافة إلى طاقات هذا الشعب الخلاقة التي تتفجر باستمرار وترفد جبهات القتال بما تتوصل إليه هذه الطاقات من تطوير للصناعات العسكرية، فعلى سبيل المثال دخول سلاح الصواريخ المصنعة محلياً قلب موازين المعركة لصالح أنصار الله والجيش اليمني كما هو معروف.
تلك الأسباب وغيرها كثير خلق هزيمة وانكسار العدوان في نهم ، رغم الأعداد الضخم لهذا الهجوم، كما أشرنا، فيما مضى.
وفي الوقت الذي شكل هذا الانكسار صفعة جديدة لآل سعود ولطموحاتهم، فإنه يؤشر إلى استحالة تحقيق العدوان لأي من أهدافه، بل تحولت الحرب إلى وبال على النظام السعودي، فاستمرارها يستنزفه عسكرياً ومادياً ومعنوياً وعلى كل الأصعدة، بل وستشكل كما يقول الخبراء الغربيون عاملاً أساسياً في انهيار هذا النظام وتلاشيه.
عبد العزيز المكي