بالأمس، كنت منهمكا في الحزن والصدمة، وفي متابعة السلطات، مع بعض الأصدقاء، للضغط للتعجيل بتنفيذ مطلب أسرة زميلنا الراحل محمد العبسي، التي اختارت طبيباً شرعياً لتشريح جثته.
وخلال ذلك كان الاستغلال البشع لمأساتنا في صديقنا، قد ذهب كل مذهب، وكانت ماكينة “الإخوان” في وسائل التواصل، تحديداً، منهمكة في الاستغلال بشكل أبشع، حيث وصل بها الأمر إلى محاولة النيل من زملاء العبسي بمن فيهم أنا، عبر الزج بإسمي في تلميحات مسيئة، كاذبة، تافهة، ورخيصة.
قالوا إني كنت مع محمد في غدائه أو عشائه الأخير..!
ومع أنها كذبة سامجة، وتلميح غير مقبول ولا يستحق أن أكتب لدحضه، إلا أنها مُناسٓبٓة لأذكّر هؤلاء ببعض آخر المناسبات العامة العظيمة التي تشاركتها أنا ومحمد ليس بينها غداؤه الأخير بالتأكيد..
بين آخر المناسبات: وقوفي أنا وهو، ولأيام عديدة، في ساحة المحكمة في قضية رفعها “الإخوان” ضدي وضده عبر جمعيتهم (جمعية الإصلاح)، مطالبين مني ومنه فيها تعويضهم بمبلغ مائة مليون ريال، على خلفية تحقيق شهير عن فساد جمعيتهم أنجزه محمد ونشرته أنا في صحيفتي (صحيفة الأولى).
آخر المناسبات المشتركة بيني وبين محمد كانت تحقيقاته الصحفية الجريئة التي اشتهر بها، وبها صنع اسمه، كنجم لامع في سماء الصحافة، والتي كانت تنشرها تباعا صحيفة “الأولى”، مسببة صداعاً هائلا لمراكز قوى عديدة أبرزها “الإخوان” إبان فترة حكمهم القصير مع هادي.
تعرضت انا وهو، بسبب ذلك، لأنواع من الملاحقات والتنكيل، ولما لم ينفعهم ذلك، جرجرونا أمام النيابات والمحاكم.
وكسبنا القضية وحصلنا على براءة.. فأوغر الحقد في صدورهم أكثر.
والآن لا أقول إنهم وراء ما حدث لمحمد، ولا أبرؤهم، ولا أتهم غيرهم ولا أبرؤهم، ولكني أشاهدهم يحتفلون كما لو أن القدر استجاب لدعائهم فقتل العبسي ولم يتبق إلا النيل من زملاء العبسي، فيكون “الثأر” قد اكتمل.
يا هؤلاء قليلاً من الضمير، وإن لم يكن، فقليل من الأخلاق، وإن لم يكن، فقليل من الخجل، وإن كنتم لا تملكون لا هذا ولا ذاك، فقليل من المنطق، أو على الأقل قليل من الكذب الممنطق؛ الكذب الذي يسهل ابتلاعه، أو الذي يمكن أن يصمد ٢٤ ساعة دون انكشاف.
بشكلٍ عام؛ على هذا الاستغلال المسيء لفاجعتنا بمحمد العبسي أن يتوقف فوراً، هذا الاستغلال يحولنا الى مجتمع منفلت يدوس على كل القيم.
وعلى فكرة إن كان محمد ضحية اغتيال فإن كل مراكز القوى والنفوذ في البلاد مشتبهاً بها:
الحوثيون وصالح مشتبه بهم فقد كتب محمد عن فسادهم الكثير؛ كتب عن الفساد في القطاع النفطي تحديدا للحوثيين، وكتب معارضا لهم بحدة في كل التطورات التي أقدموا عليها..
وكتب عن صالح الكثير وأشهر ما كتبه سلسلة التحقيقات التي نشرها في “الأولى” عن الفساد المالي المهول داخل الجيش أيام صالح.
الإصلاح وهادي وعلي محسن وحميد مشتبهون أيضاً، فأشهر وأكبر تحقيقات العبسي الصحفية، وأكبر فضائح بالأرقام تعرض لها الإصلاح وحميد الأحمر طوال تاريخهم كانت بقلم محمد، وخصوصا تحقيق “كلما زدنا رصيد” عن سرقة ملايين الدولارات الخاصة بالشهداء والجرحى على يد جمعية الاصلاح، وتحقيق “ملك النفط” عن حميد الأحمر، وسلسلة تحقيقاته عن فساد الكهرباء أيام صالح سميع، وتحقيقاته الأشهر عن فساد وزير المالية، حليف محسن والإصلاح، صخر الوجيه.
زميلي الذي أفتخر بأني عشت معه تفاصيل كل تحقيقاته الصحفية تلك لحظة بلحظة وتفصيلا تفصيلا، قبل أن أنشرها باحتفاء وبسابق ترويج كبير؛ خصومه كثيرون فقد كان ينشط في حقل ألغام، ومحوى ثعابين، متعدد الأفخاخ والشراك، اسمه القطاع النفطي، منذ أسس منظمته الخاصة بمناهضة صفقة بيع الغاز اليمني الشهيرة مرورا بتحقيقاته عن هوامير النفط وشركات آل الأحمر وصولاً الى تحقيقاته عن الحوثيين وتسببهم بأزمة الوقود في البلاد.
لذلك ابتعدوا عن الاستغلال فكل منكم صاحب شبهة. طالبوا جميعا بتحقيق شفاف ونزيه، هذا حقنا جميعا وحق محمد وحق أسرته وحق الحقيقة والعدالة علينا.
مسؤولية الحوثيين وصالح هنا أكبر باعتبارهم السلطة الفعلية والمعنية بتوفير البيئة اللازمة لإنجاز هذا التحقيق. بينما مسؤولية “الشرعية” التي ينبغي أن تقوم بها فوراً هي البحث عن شوية “أخلاق” لها ولشركائها..ألا يستطيع المال السعودي شراء بعض الأخلاق؟!
سحقا للأغبياء.
من صفحة الكاتب على “فيسبوك”