لم يكن مفاجئا اعلان واشنطن قراراتها التي وصفها البعض بانها “صادمة للسعودية” والتي اعلن عن فحواها بتقرير بثته وكالة ” رويترز” امس نسبت فيه إلى مسؤول أميركي القول إن واشنطن قررت تقييد الدعم العسكري للحرب العدوانية التي يقودها النظام السعودي في اليمن نتيجة جرائمه بحق المدنيين وتعليق صفقات الاسلحة الأميركية للسعودية.
فالتصريح الأميركي الذي لم يعلن بصورة رسمية حتى الآن على الاقل بدا وكأنه محاولة لدفع السعودية المضي قدما بعلاقات مصالح مفتوحة مع الحكومة البريطانية التي يزور وزير خارجيتها بوريس جونسن حاليا السعودية في ظل حفاوة غير عادية من النظام السعودي للمسؤول البريطاني الذي كان استبق زيارته للسعودية بتصريحات نارية تجاه السعودية ودورها في الصراع الطائفي المحتدم في الشرق الأوسط، فيما بدا مناورة اميركية جديدة لتبادل الأدوار.
من الواضح أن النظام السعودي يدرك منذ وقت مبكر أن المرحلة القادمة في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب ستكون بالنسبة للسعودية قاتمة، بدا ذلك واضحا في محاولاتها الاعلامية المحمومة التقليل من شأن المخاوف السعودية من الإدارة الاميركية الجديدة التي أعلنت بوضوح على لسان الرئيس المنتخب ترامب أنها لن تكون كحالها الذي كانت عليه في عهد ولايتي اوباما الذي يستعد لمغادرة البيت الأبيض وسط عواصف كبيرة خلفتها سياسته في الشرق الأوسط.
تخفيف الهزات السياسية ؛؛؛
استباق واشنطن هذا الاعلان قبيل أيام من مغادرة اوباما البيت الأبيض بدا وكأنه تكتيك فقط للتخفيف من حدة الهزات السياسية الداخلية التي تتوقع الكثير من الدوائر السياسية والديبلوماسية الدولية أن يواجهها النظام السعودي مع شروع ادارة ترامب باتباع سياسة جديدة مع السعودية استنادا إلى الرؤى السياسية التي اعلنها ترامب خلال حملته الانتخابية والتي تضع السعودية في مواجهة سيناريوات مرعبة.
يزيد من ذلك أن قرارات واشنطن المعلنة اليوم بشأن تقليص حجم التعاون الاميركي مع السعودية في الحرب العدوانية التي تشنها السعودية على اليمن منذ 20 شهرا واعلانها اعادة النظر في صفقات السلاح الاميركي للسعودية جاءت في الأيام الأخيرة لولاية أوباما، فيما بدا استباقا لقرارات اكثر حدة يتوقع ان تظهر مع بدء تقلد الرئيس ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض.
وكثير من المؤشرات تؤكد أن الانتصار الكبير الذي حققه الجيش العربي السوري في حلب بالتعاون مع الجيش الروسي، وقبلها الانتصارات المحققة في الموصل العراقية، وما هو مرجح في شأن الخطوط المعلنة في مسار العلاقات الاميركية الروسية في عهد ترامب، ستنتج تداعيات كبيرة كلها ستكون في غير صالح النظام السعودي الذي تورط إلى حد عميق في حربة على سوريا من طريق دعمه لأكثر التنظيمات الإرهابية وحشية في العالم خلال السنوات الماضية.
البحث عن حلفاء جدد؛؛؛
في الايام الأخيرة بدا النظام السعودي متخبطا كثيرا في محاولاته فتح قنوات جديدة مع بريطانيا والمانيا وفرنسا والزم بالمقابل ماكناته الاعلامية تغيير لغة الخطاب الاعلامي مع روسيا، في مؤشر عكس حجم القلق السعودي من امكان حصول انهيار وشيك مفتوح على كل الاحتمالات ولا سيما مع وضع الجيشين العراقي والسوري نهاية مروعة لمشاريع طالما دعمها النظام السعودي وهي اليوم في طريقها لأن تتحول إلى استحقاقات باهظة التكاليف سيدفع النظام السعودي الجزء الأكبر من ثمنها مرغما.
وزير الخارجية السعودي ونظيره البريطاني في جولة خاصة بالرياض ؛؛؛؛
وعلى أن بريطانيا والمانيا ابدتا تفاعلا مع النظام السعودي لاحتواء مخاوفه إلا أن الثمن الذي سيكون مطلوبا من السعودية دفعه لقاء دور بريطاني الماني يعوض الفراغ الذي ستخلفه ادارة اوباما سيكون باهظا من جانبين.
الأول يكمن في حجم الخسائر التي يتوقع ان يتكبدها النظام السعودي جراء التحول العاصف في العلاقات مع واشنطن في عهد ترامب والذي قد يضطر رؤوس الأموال السعودية على الفرار بحثا عن ملاذ آمن ولا سيما في ظل العواصف التي يتوقع أن تهب على ممالك وامارات الخليج بعد انتصارات الجيش العربي السوري في حلب والفشل الذي منيت به في الحرب التي تخوضها في اليمن والتي صارت على وشك الدخول في عامها الثالث في ظل تحول كبير في المواقف الدولية تجاه هذه الملف .
الثاني يكمن في مدى قدرة النظام السعودي على مواجهة الاعباء المالية الكبيرة التي سيضطر لتخصيصها لمواجهة التحولات الجديدة في محيط يكن العداء الشديد للسعودية إن بشراء المواقف العربية والدولية الداعمة أو في احتواء اطماع القوى الدولية الجديدة التي يحاول التحصن بها وخصوصا بريطانيا اللاهثة وراء خزينة سعودية مفتوحة.
مالذي سيواجه اليمن ؟
كل التقديرات تشير إلى أن استباق ادارة اوباما الاعلان عن رفع يدها عن النظام السعودي في حربه العبثية على اليمن سيقابل بدور بريطاني اكثر فعالية في ملف اليمن سيعمل ما بوسعة لاضفاء المزيد من التعقيدات على مسار الحل السياسي واطالت أمد الحرب خصوصا في ظل المساعي المحمومة للحكومة البريطانية الحصول على نصيب الأسد من صفقات اسلحة كبيرة مع السعودية والانظمة الخليجية الأخرى، تفرضها الخارطة السياسية والامنية الجديدة التي انتجها انتصارات الجيش السوري في حلب، الصمود الاسطوري اليمني أمام آلة العدوان السعودي لمدى 20 شهرا من العدوان، في ظل التحركات التي شرع فيها النظام السعودي والفار هادي لخلط الأوراق اليمنية والتأسيس لصراع يمني يمني طويل المدى.
يؤكد ذلك حرب الاتهامات الاخيرة التي عبر عنها مسؤولون اماراتيون اتهموا مليشيا مرتزقة العدوان السعودي في تعز بادارة حروب وهمية مع الجيش واللجان الشعبية للحصول على مكاسب مادية بالتزامن مع اتهامات لقادة المرتزقة المقربين من الفار هادي والذين تحدثوا عن محدودية الدعم اللوجيستي المقدم لهم من تحالف العدوان السعودي لحسم المعركة في تعز بعدما بدت كل مؤشراتها تؤكد أنها ماضية نحو الفشل الذريع.
مؤشر آخر يتعين قراءته بتمعن وهو التصريح الذي اطلقه اليوم القيادي في صفوف مرتزقة العدوان السعودي أمين عام التنظيم الناصري عبد الله نعمان خلال لقاءات جمعته اليوم بسياسيين من المحافظات الجنوبية في عدن وعزا فيها تأخر الحسم في الحرب الشاملة التي يشنها تحالف العدوان السعودي المرتزقة في تعز ما سماه ” ضغوط دولية مورست ولازالت على دول التحالف بعدم حسم معركة تعز لتبقى ورقة تفاوض ومساومة بين أطراف الحرب والصراع”.
رئيس التحرير