السعودية وممالك الخليج تعطلت لديها القراءات الواضحة والأفق الاستراتيجي ، ظلت تحارب وتفكر بذهنية الشرير الذي يرى في إيران شراً محضاً ولا خيار لمواجهة الخطر الذي يمثله توسعها الطائفي غير الاجتثاث ..!! وتتعاطى مع حلفاءها في المنطقة كالجندي الذي علموه كيف يكون آلة للقتل ..! تستغرق كل مقدراتها في اجتثاث دولة واقتلاع نظام وشعب إن كان هذا سيضمن لها الحماية ويوفر لها الهدوء لتعيش دول الخليج بمفردها دون أن يعكر صفوها أو يقظ مضجعها شيء وكي تمارس سطوتها بأعصاب باردة لا مشدودة ..!
بانتصار وتحرير حلب السورية تتسع دائرة الهزائم الضمنية التي تتلقها المملكة في المنطقة وبصورة متلاحقة ، وبالنسبة إليها فإن ذلك لن يكون مدعاة لتلتفت إلى الوراء ، من الممكن أن يقوم نظام بعينة بتصرفات شريرة لمرة أو لمرتين ولكن أن تكرس المملكة غرورها وسلطتها وقوتها الناعمة (المال ـ الإعلام) في تتبع شبح الهاجس الإيراني الذي تشعر أنه يطاردها في كل دول المنطقة منذ وقت ويجعلها تعيش تحت تأثيره بصورة يومية فقد كان سبباً في دفعها لركل كل الفرص التي توفرها كل محطة أوجولة تفاوضية دون أن تستغلها لإنهاء صراعات المنطقة والخروج المشرف وفي أقل تقديراتها الخروج بماء الوجه ..!
لقد أقحمت المملكة نفسها في صراع أقل ما يقال عنه بـ”الصراع الغبي” وظلت تغامر بجنون إلى أن فقدت الخيوط التي كانت تمسك بها ، وبدأت الكثير من الأشياء تضيع منها وتخرج عن نطاق سيطرتها ، فلا أنجزت وعودها القديمة باستعادة صنعاء من الحوثيين ، ولا أسقطت “ميشال عون” الرجل الذي تريده إيران رئيساً للبنان ، وسحبت سفيرها في بغداد خوفاً على حياته دون مقدرتها على فتح سفارتها مجدداً ومنافسة إيران في عقر دارها العراق .
عند أي هزيمة ستقرر المملكة الانسحاب وإيقاف كل هذا الجنون ، يتعين عليها الآن وبصورة لا تحتمل التأخير القبول بإيران كدولة ندية وكيان له تأثره الإقليمي ، التعاطي معها كشريك قوي في تأمين المنطقة وضماناً لأمنها القوم.
اعتبارات المصالح المشتركة ستوقف نزيف الدم اليومي الذي تعيشه دول المنطقة على غرار التهديد الإيراني المزعوم..!
على ممالك الخليج أن تتظاهر بالتسامح وتتأهب لتبديل سياساتها لاحتواء إيران وبما يليق مع المتغيرات الجديدة، سيما عقب إخفاقاتها المتلاحقة ابتداءً بفشل مخططها بإغراق السوق النفطية العالمية لتدفع بأسعارها إلى الانهيار ثم رضوخ المملكة السعودية في النهاية لشروط اتفاق “أوبك” الذي خرجت به إيران منتصرة.
لقد منيت بصفعات متلاحقة تلقتها في فترة وجيزة ومثلت هزائم ضمنية قاتلة على مختلف الصعد في اليمن وسوريا ولبنان والعراق وفي منظمة “أوبك” أيضاً.!
ليس هيناً عليها أن تعبر كل هذه الإخفاقات غير أنها فيما يبدوا لن تتعلم.!
مؤخراً شهدت علاقتها الاستراتيجية مع مصر حالة من التردي والانهيار ، ولجأت لتهديدها عبر شركة أرامكو السعودية لوقف إمداد النفط لمصر التي تعاني من أزمة خانقة في الطاقة.
جاء هذا النوع من التهديد الابتزازي بعد أربعة أيام من تصويت مصر لصالح القرار الروسي الذي دعى لوقف النار في كامل سوريا باستثناء حلب ، غير أن مصر لم تتخلى عن دورها الريادي في المنطقة لقاء ما تتلقاه من مساعدات مالية تغدق بها المملكة على بنوك مصر لانقاذ اقتصادها الذي يعيش فترة مضطربة وحرجة للغاية.! ويمكن لمصر الآن أن تشعر بمتعة التفكير وبأنها صوتت لصالح حلب وهاهي اليوم تنتصر ..!
عبدالخالق النقيب
aallnaqeeb@gmail.com
رأي اليوم