اعلن في العاصمة الكوبية هافانا وفاة الزعيم الكويبي فيديل كاسترو عن 90 سنة سجل خلالها سجلا حافلا بالنضال ضد الامبريالية العالمية.
واعلن شقيقه راؤول الذي خلفه في السلطة منذ العام 2006 وفاته في بيان بثه التلفزيون الكوبي وقال أن جثمان القائد الأعلى للثورة الكوبية سيحرق اليوم السبت تلبية لرغبة كاسترو، مطلقا هتاف الثورة “هاستا لا فيكتوريا سيمبري” (حتى النصر دائما).
وهيمن الزعيم الكوبي على المشهد السياسي في بلاده منذ نجاح الثورة التي أنهت حكم الديكتاتور باتيستا عام 1959، قبل أن ينهك الولايات المتحدة لعقود، مختتما مسيرته بتسليم السلطة لشقيقه راؤول في 2006 بعد مرضه.
وجاءت وفاة كاسترو بعد مرور ثلاثة أشهر على احتفالات كوبا بعيد ميلاده الـ 90 حيث نظمت احتفالات حاشدة في العاصمة هافانا في 18أغسطس الماضي شارك فيها الآلاف واستمرت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي وتزامنت مع كرنفال هافانا السنوي.
وولد فيدل كاسترو في 13 أغسطس عام 1926، في مقاطعة أورينت جنوب شرق كوبا، لعائلة ثرية تشتهر بأعمال الزراعة وتجارة الأراضي، التحق بمدرسة داخلية يسوعية في مدينة سانتياغو، وانتقل في المرحلة الثانوية لمدرسة كاثوليكية في مدينة هافانا، ثم أكمل دراسته في جامعة هافانا حيث التحق بكلية الحقوق وتخرج منها عام 1950، بحصوله على درجة الدكتوراه في القانون.
الثورة الكوبية
بعد التخرج بدأ كاسترو بممارسة المحاماة لمدة عامين، كان حينها ينوي الترشح في الانتخابات البرلمانية، قبل أن تلغى الانتخابات بعد قيام فولغنيسو باتيستا بانقلاب عسكري أطاح بنظام كارلوس بريو ساكاراس حيث بدأت الحياة السياسية في كوبا تتخذ مجرى آخر في ظل نظام ديكتاتوري مدفوع من الولايات المتحدة الأمريكية، قيد حرية الصحافة والإعلام، وبات يلاحق المعارضين وكل من لا يعلن ولاءه للحاكم.
واستنادا إلى ذلك دبت روح الثورة في كاسترو، حيث بدأ بتشكيل قوة ثورية لمهاجمة إحدى الثكنات العسكرية، إعلاناً لرفض سياسة باتسيتا القمعية، لكن محاولته باءت بالفشل، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 80 من أتباعه، كما تم إلقاء القبض عليه هو وبعض أعوانه، وحكم عليهم بالسجن لمدة 15 عاما، وبعد عامين فقط تم الإفراج عنهم في مايو 1955.
وسافر فيدل كاسترو إلى المكسيك بعد إطلاق سراحه، بهدف البعد عن عيون الاستخبارات الأمريكية المزروعة في مختلف أنحاء كوبا، وهناك اجتمع كاسترو برفاقه الثوريين وعلى رأسهم أخوه راؤول للتخطيط لثورة مسلحة بهدف إنهاء الهيمنة الأمريكية على كوبا، وإسقاط نظام باتيستا الديكتاتوري، كما قام بتأسيس حركة 26 يوليو الثورية، التي كانت سبباً في لقائه بالمناضل تشي جيفارا، وبمرور الوقت نشأت بينهما علاقة صداقة قوية، ساهمت فيما وصلا إليه كلاهما.
فور الانتهاء من تجهيز الخطة والتدريب الكافي، أبحر كاسترو ورفاقه إلى كوبا لإشعال فتيل الثورة، وبالفعل لاقت مبادئ كاسترو الثورية تأييدا شعبيا هائلا، كما انضم عدد كبير من أفراد القوات المسلحة الكوبية إلى جانب كاسترو، الأمر الذي ساعده ورفاقه في إسقاط نظام باتيستا الحاكم المستبد الذي اختار الهرب بعد فشل محاولة بقائه في الحكم في يناير 1959
بعد الإطاحة بنظام باتيستا تسلم كاسترو مقاليد الحكم في البلاد، وسرعان ما تحولت كوبا إلى بلد تعتنق الشيوعية، الأمر الذي أثار غضب الولايات المتحدة فأبت إلا أن تفشل الثورة، وتنتزع الحكم من كاسترو بأي ثمن كان.
رقم قياسي في محاولات الاغتيال؛؛؛
وحكم كاسترو البلاد قرابة الـ 50 عاماً، شهد فيها رحيل وصعود نحو 10 رؤساء أمريكيين، جميعهم حملوا البغض والكره والعداء لفيدل، فقد حاولت المخابرات الأمريكية اغتياله 638 مرة وفقاً لما صرح به أحد وزراء كوبا مؤخراً، وتنوعت هذه المحاولات ما بين محاولة قتله من خلال القناصة، وما بين حشو سيجاره الخاص بالمتفجرات، ودس السم له في كأس البيرة، وغيرها الكثير من الطرق التي باءت جميعها بالفشل.
لم تنحصر محاولات أمريكا في التخلص منه بالاغتيال فقط، فقد حاصرته اقتصادياً أيضاً لتضييق الخناق على الشعب الكوبي، أملاً في أن يحتج وينادي بإسقاطه، لكنها باءت بالفشل هي الأخرى، وباتت الوسيلة الوحيدة للإطاحة بحكمه هى التدخل العسكري والصراع وجهاً لوجه، وذلك في معركة خليج الخنازير عام 1961 التي شنتها الولايات المتحدة للاستيلاء على الجزيرة.
أقام فيدل كاسترو دولة شيوعية كانت بمثابة خنجر في خاصرة الولايات المتحدة، فكان لا بد له أن يواجه على مدى 50 عاماً محاولات أميركية لإسقاطه.
ومن استخدام القناصة، إلى تسميم السيجار ووضع العبوات الناسفة، مروراً بالحبوب السامة وتفخيخ كرة بيسبول، وإعطائه بدلة غوص تصيبه بمرض جلدي يقضي عليه.. تعددت محاولات الاستخبارات الأميركية لاغتيال كاسترو الذي تحدى 11 رئيساً أميركياً ونجا من أكثر من 638 محاولة لتصفيته.
ونجا الثائر الذي تحدى 11 رئيساً أميركياً من مؤامرات لا تحصى لاغتياله بلغت رقماً قياسياً من 638 محاولة بحسب موسوعة غينيس.
وقد استندت الموسوعة إلى وثائق “سي آي إيه” في منح كاسترو لقب “الشخص الذي تعرّض إلى أكبر عدد من محاولات الاغتيال في العالم”.
وتنوعت وسائل محاولات قتله من استخدام القنّاصة مروراً بالمتفجرات وسيجارة مسممة إلى العبوة الناسفة التي وُضعت في داخل كرة بيسبول.
ولمواجهة هذا الثائر العنيد لم تكف الاستخبارات الأميركية عن محاولات تصفيته بشتى الوسائل، ومنها المحاولة الشهيرة عن طريق إرسال سيجار متفجّر من النوع الذي يفضّله كاسترو.
كما حاولت استخدام الحبوب السامة لقتله، عبر تجنيد صديقته ماريتا لورينز كاسترو بحسب المذكرات التي نشرتها الأخيرة عام 1993، بعنوان: “ماريتا: حكاية حب وتجسس امرأة واحدة من كاسترو إلى كينيدي.”
وفي عام 1963، وفي نفس يوم اغتيال الرئيس كينيدي، فشل عميل آخر بباريس في إعطائه حقنة سامة على شكل قلم وضعه في ملابسه.
وجاءت أواخر محاولات اغتياله عام 2000 حينما كان من المقرر أن يزور بنما فدُبرت مؤامرة لوضع 90 كيلو من المواد شديدة الانفجار تحت المنصة التي كان من المقرر أن يُلقي خطابه عليها.
وفي نهاية المطاف لم تكن محاولات واشنطن ولا الكوبيين المنفيين ولا انهيار الشيوعية السوفيتية هي من أنهى حكم كاسترو، بل التقدم في العمر والمرض الذي أجبره على التنازل عن السلطة لشقيقه الأصغر.