نشرت صحيفة نيويورك تايمز” الاثنين الماضي ملفا متكاملا حول الدور السعودي في صناعة التطرف والإرهاب، عرضت فيه مواقف اكثر مراكز الابحاث والخبراء والمحللين وكذلك مواقف مرشحي الرئاسة الأميركية تجاه النظام السعودي الذين وصفا السعوديين بأنهم ” أكبر ممولين للإرهاب في العالم”.
وسلط التقرير الضوء على الفكرة الشائعة على مستوى العالم والتي تؤكد أن ما تصدره السعودية من نهج الإسلام المتشدد والمتعصب والأبوي والأصولي المعروف باسم الوهابية أدى إلى تغذية التطرف العالمي وساهم في زيادة الإرهاب، فضلا عما وصفه التقرير بأنه اجماع عالمي واسع على أن القوة الأيديولوجية الهائلة للسعودية شوّهت التقاليد الإسلامية في عشرات البلدان، نتيجة الانفاق الباذخ لنصف قرن بعشرات المليارات
وتناول التقرير الوهابية السعودية والتي قال أنها الاسلام الذي يدرس في السعودية، وتدرسه كذلك في الخارج ويشير إلى أن أتباع الوهابية، والتي هي عبارة عن نموذج حرفي ومحافظ ومتشدد من الإسلام السني، غالبًا ما يشوهون سمعة المذاهب الإسلامية الأخرى، فضلًا عن سمعة المسيحية واليهودية”.
“المستقبل” يعيد نشر التقرير لأهميته ؛؛؛ وهنا نص الحلقة الثانية والأخيرة منه
لقد بدأت مسؤولة أمريكية سابقة بالتحدث في الأمر علنًا، وهي السيدة بانديت، أول ممثلة وزارة خارجية خاصة لدى المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم. من العام 2009 وحتى العام 2014، زارت المسلمين في 80 دولة، وخلصت إلى أن التأثير السعودي سلبي وعالمي. إذ كتبت في صحيفة “نيويورك تايمز” العام الماضي: “كان التأثير الوهابي مسيئًا في كل مكان زرته”. ورأت أنه على الولايات المتحدة “تعطيل عملية تدريب الأئمة المتطرفين”، و”رفض الكتب والترجمات السعودية المجانية المليئة بالكراهية”، و”منع السعوديين من هدم المواقع الدينية والثقافية الإسلامية المحلية التي تعتبر دليلًا على تنوع الإسلام”.
إلا أن بعض علماء الإسلام والتطرف، بما في ذلك الخبراء حول التطرف في العديد من البلدان، يعارضون الفكرة القائلة بأن المملكة العربية السعودية تتحمل معظم المسؤولية في موجة التطرف والعنف الجهادي الحالية. كما أنهم يشيرون إلى مصادر متعددة أدت إلى تصاعد الإرهاب الإسلامي وانتشاره، بما فيها الحكومات القمعية العلمانية في الشرق الأوسط، والظلم المحلي والانقسامات المحلية، والاستيلاء على الانترنت للدعاية الإرهابية، والتدخلات الأمريكية في العالم الإسلامي، من الحرب ضد السوفييت في أفغانستان وصولًا إلى غزو العراق. من جهتهم، فإن واضعي الأيديولوجيات الأكثر تأثيرًا في القرن العشرين بالجهاديين الحديثين، مثل سيد قطب من مصر وأبو الأعلى المودودي من باكستان، وصولوا إلى وجهات نظرهم المتطرفة والمعادية للغرب من دون مساهمة السعوديين. كما أن تنظيمَي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” يحتقران الحكام السعوديين، إذ يعتبران أنهم أسوأ المنافقين.
“يحب الأمريكيون إلقاء اللوم على طرف ما، إن كان شخصًا أو حزبًا سياسيًا أو بلدًا” برأي روبرت س. فورد، وهو السفير الأمريكي السابق لدى سوريا والجزائر. لكنه يضيف: “بيد أن الأمر ليس بهذه البساطة. إذ لدي تحفظات حول إلقاء اللوم على السعوديين”.
وهو يعتبر، بالإضافة لآخرين، أنه في حين قد يكون التأثير الديني السعودي مدمرًا، فإن نتيجته ليست متجانسة. مبدأ طاعة الحكام من المبادئ الرئيسية للتعاليم الإسلامية السعودية الرسمية، وهو يكاد يكون المبدأ الذي يشجع الإرهاب بهدف هدم الدول. إذ إن العديد من رجال الدين السعوديين وأولئك الذين حظوا بتدريب سعودي يعتمدون موقف الصمت أو الانعزال، أي موقف الهدوء واللافعالية السياسية، وهم يتميزون بالتفاني للقرآن والصلاة والابتعاد عن السياسة، ناهيك عن العنف السياسي.
يُذكر بشكل خاص أنه منذ العام 2003، عندما نبهت هجمات “تنظيم القاعدة” في المملكة النظام الملكي إلى الخطر الذي يواجهه جرّاء التشدد، تصرفت المملكة العربية السعودية على نحو أكثر شراسة للحد من الدعاة الذين يدعون إلى العنف، وقطع التمويل عن الإرهاب والتعاون مع الاستخبارات الغربية لإحباط المؤامرات الإرهابية. فمن العام 2004 حتى العام 2012، عزلت المملكة 3500 إمامًا لرفضهم نبذ الأفكار المتطرفة، فيما خضع 20 ألف إمام غيرهم إلى إعادة التدريب، وفقًا لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في المملكة، على الرغم من أن اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية أعربت عن ارتيابها من أن يكون التدريب فعلًا عبارة عن عملية لـ”غرس التسامح”.
هذا وقال باحث أمريكي يتمتع بخبرة طويلة في الشؤون السعودية، تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه للحفاظ على قدرته على السفر إلى المملكة لإجراء الأبحاث، إنه يعتقد أنه غالبًا ما تمت المبالغة بالتأثير السعودي في الخطاب السياسي الأمريكي. لكنه شبّه الأمر بالتغيّر المناخي. فتمامًا كما يمكن لدرجة حرارة مئوية واحدة إضافية أن تؤدي في نهاية المطاف إلى آثار جذرية في جميع أنحاء العالم، مع ذوبان الأنهار الجليدية وانقراض النباتات والحيوانات، فإن التعاليم السعودية تتبلور في العديد من البلدان بطرق يصعب التنبؤ بها ويصعب تتبعها، ولكنها غالبًا ما تكون عميقة، وفق رأي الباحث.
وقد أكمل معتبرًا أن الدعوة السعودية يمكن أن تؤدي إلى “إعادة ضبط مركز الجاذبية الديني” للشباب، الأمر الذي “يسهّل عليهم تقبل أو فهم السرد الديني لتنظيم “الدولة الإسلامية” عندما يصل إليهم. فهذا السرد لا يبدو مختلفًا بقدر ما كان ليبدو عليه لو أن التأثير السعودي لم يلعب دوره”.