الأفكار التي كشف عنها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في ختام مباحثاته بجدة السعودية, كجزء من خطة جديدة للحل السياسي في اليمن, موضوعة للنقاش بين أطراف الأزمة اليمنية, للوصول إلى صيغة نهائية للخطة المقترحة, والتي تتضمن كما أشار كيري مسارين: أحدهما سياسي الآخر أمني، ركزت على مسألتين احداهما حول تشكيل حكومة وحدة وطنية, والأخرى عن تسليم الحوثيين الأسلحة لطرف ثالث والانسحاب من المدن بما فيها العاصمة صنعاء.
بدا أن الأفكار المقترحة للحل السياسي, تحظى بقبول مبدئي من تحالف الشرعية المعترف بها دولياً, ومن تحالف العدوان السعودي الداعم لها عسكرياً, ولذلك أكد كيري أنها تمثل فرصة للحوثيين للمشاركة في الحكم , وسوف يتعرضون حال رفضها إلى إجراءات مشددة من قبل المجتمع الدولي, ولهذا جاء رد الناطق الرسمي للحوثيين محمد عبدالسلام سريعاً مبدياً ترحيبه بأي مقترحات للحل السياسي مؤكداَ التمسك بالأسس المعلنة منها لهذا الحل والمتمثلة بوقف العدوان السعودي ورفع الحصار.
من المسلم به بداهة أن أفكار كيري, ستأخذ وقتاً غير محدود للمشاورات حولها بين أطراف الأزمة للوصول إلى صيغتها النهائية, وهو الوقت الذي سوف تستمر فيه المعارك القتالية وتشتد شراستها مع سعي كل طرف إلى تحقيق انجاز ميداني مؤثر على موقف خصمه في طاولات التفاوض.
ذلك يعني عملياً أن مباحثات كيري في جدة مع نظرائه السعودي والإماراتي والعماني وبحضور مساعد وزير الخارجية البريطاني والمبعوث الأممي ولد الشيخ أكدت تمسك القوى الكبرى بالحل السياسي للأزمة اليمنية, وفتحت لهذا الحل باباً كان قد أغلق بانتهاء مفاوضات الكويت, لكنها تركت للخيار العسكري فرصة الاستمرار في الأعمال القتالية, حتى يتحدد موعد العودة إلى المشاورات حول المقترحات الامريكية في بلد لم يتعين بعد, وعليه, تكون المعارك المحتدمة في اليمن محكومة بالباب المفتوح أمريكياً للحل السياسي عبر المشاورات.
سيترتب على الوضعية الراهنة للأزمة اليمنية أولويات عسكرية مفروضة على طرفي الحرب بحسابات كل منهما لموقعه في ميدان القتال, وبحيث يكون على تحالف الشرعية المدعوم بالتحالف السعودي تحقيق انجازات عسكرية متجسدة في قدرته على دحر قوات الحوثي – صالح من مواقع سيطرتهما العسكرية, في حين يكون تحالف الحوثي – صالح, معنياً بالصمود في مواقعه والدفاع عن جغرافيا سيطرته إن لم يتمكن من التقدم نحو مواقع خارج سيطرته, وفي الحد الأدنى, العمل بكل قوته على جعل أي تقدم لتحالف الشرعية محدوداً وغير ذي قيمة استراتيجية مؤثرة, ومحكوماً بالكر والفر المستمرين في كل جبهات القتال.
إذاً, فالحل السياسي المقترح امريكياً للأزمة اليمنية, ينفتخ ابتداء على الحرب ليمنحها فرصتها المتاحة زمنياً والكافية عملياً لإدراك طرفي القتال فداحة واستحالة الحل العسكري, ثم ينطلق من وقائعها الميدانية إلى المفاوضات وإلى ما يترتب على فشلها من بدائل أو على نجاحها من مهام وأعمال, وهكذا تكون الحرب هي الحقيقة الوحيدة القائمة على الأرض اليمنية والمستمرة على شعبها, بين كل وعود متكررة بالسلام, وجهود مبذولة لإحلاله في اليمن عبر مفاوضات التسوية وآمال توافق أطراف الأزمة على الحل السياسي النهائي والدائم والشامل والعادل للحرب والصراعات في اليمن.
تضمن حديث كيري في المؤتمر الصحفي مع نظيره السعودي إشارات إلى الصورة التي ترسمها الإدارة الامريكية للمجال السياسي في اليمن, وهي الصورة المركبة من الطائفية والمناطقية للدولة المحمولة على الحل السياسي, فانصار الله الذين ركز عليهم كيري, كطرف معني بالحل ومسؤول عنه, هم قلة طائفية مدعوون للشراكة بحسب وجودهم الجغرافي والعددي في اليمن.
وكان تجاهله الإشارة إلى حليف انصار الله وشريكهم في الأزمة والحرب, ممثلاً في الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي العام, دالاً على تعمده تجاهل الطبيعة السياسية للحزب, مقابل تركيزه على الطبيعة الطائفية للحوثيين.
هذا يعني أن الشراكة التي تريدها واشنطن لن تكون وطنية الهوية سياسية التمثيل, بل ستكون محاصصة طائفية وقسمة مناطقية بين جماعات لا وطنية ولا سياسية, وهو ما أكده كيري في تحذيره لإيران من أن امدادها للحوثيين بالصواريخ لا يهدد السعودية والخليج فحسب بل هو تهديد للولايات المتحدة الامريكية.
وفي لقاءات جدة ومباحثاتها, يتحدد عملياً التحالف المعني بالأزمة اليمنية, وهو التحالف الذي ابتدأ ظهوره الرباعي بلندن في وقت سابق, وتجدد في جدة, ليكون محصوراً بالسعودية والامارات, ليكون محصوراً بالسعودية والامارات وبريطانيا والولايات المتحدة, حتى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تابعة لهذه الرباعية, والعمل بما يصدر عنها من قرارات وخطط.
والحال كذلك مع المبعوث الأممي, فقد تبلغ وزراء خارجية المجلس الخليجي ومعهم المبعوث الأممي مقترحات كيري, ونتائج مباحثاته مع شريكي التحالف الرباعي, وهنا, يسقط كيري عن التحالف السعودي صفته العربية وحتى الخليجية, ليكون تحالفاً سعودياً إماراتياً, بقيادة بريطانية وامريكية مشتركة, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإن زيارة كيري للملكة ولقاءاته بالعاهل السعودي ونجله ثم مباحثاته مع شريكي التحالف, وما أعلنه من مقترحات لحل الأزمة اليمنية سياسياً, تدل على أن مهمة كيري كانت في الأصل إبلاغ السعودية أن الحل والعقد في اليمن متروك بإطلاق لواشنطن ومعها بريطانيا.
عبدالله الدهمشي