تجد غالبية الأسر اليمنية نفسها، بعد أكثر من عام على العدوان السعودي وحصاره الخانق وغير المبرر، وقد استنفذت مدخراتها النقدية والعينية لتوفير احتياجاتها الأساسية في ظل ارتفاع الأسعار وانعدام الدخل، والاضطرار للهرب من مساكنها والنزوح بعيدا عن جحيم الغارات العبثية لطيران تحالف العدوان، وحرب مرتزقته الداخلية.
تكالبت كل هذه الظروف المنبثقة من منبع واحد هو العدوان والحصار، على الأسر اليمنية، لتضعها بعد أكثر من عام أمام اختبار صعب لقدرتها على الاستمرار في الحياة، واحتدام السباق نحو الدفع بالمزيد الى هاوية الفقر والعوز، في ظل الصمت الدولي المخزي على استمرار العدوان الظالم والحصار الجائر.
ويظهر مسح ميداني أجرته منظمة أوكسفام الدولية في فبراير الماضي، في 31 منطقة بمحافظة حجة، ان 60% من الأسر اضطرت إلى الاقتراض المالي أو البحث عن الغذاء، وقال بعض السكان النازحين بسبب أنهم يخشون من الجوع والمجاعة والتي قد تطاولهم وعائلاتهم ، إذا استمر العدوان..
وتؤكد كثير من الاسر استطلع “المستقبل”، ارائها، انها قد استنفذت بيع مدخراتها الثمينة من مجوهرات او عقارات، لتغطية نفقاتها خلال اكثر من عام على الحرب بعد فقدان مصادر دخلها، واجبارها على النزوح من منطقة الى اخرى بعيدا عن الحرب، غير أنها الى الآن تحاول تجنب التفكير والهرب من سؤالها فيما ستعمله لاحقا اذا ما استمر العدوان والحصار.
ويعتقد احد خبراء الاقتصاد ان المدخرات للأسر اليمنية لم تعد موجودة بالمعنى الاقتصادي، وإنما يمكن القول أن الأسر لازال لدى بعضها أراض زراعية أو منازل في القرية أو سيارة وهذا يمكن أن ينتهي من الأسر محدودة الدخل قريبا إذا لم يتحسن دخلها لمواجهة أعباء المعيشة مالم فسوف تبيعه لمن لديه المال وهنا الكارثة، بحسب توصيفه.
وبحسب أوكسفام، فان ثلثي الأسر اليمنية تقريبا يعتمدون على الائتمان المالي لشراء الأغذية مقابل تزايد عدم رغبة المقرضين في تقديم القروض للأسر الفقيرة.. وأضافت “ان كل الأدلة تشير الى أن اليمنيين الاكثر فقرا ليس لديهم القدرة على التكيف مع هذه الأزمة المالية لفترة طويلة”.
وكشفت ان جميع من شملهم المسح اكدوا بأنهم ينفقون شهريا اكثر مما يكسبون من مال.. موضحا ان ما يقرب من نصف الأشخاص الذين شملهم المسح قالوا بأنهم يعتمدون على الجيران وأفراد المجتمع المحلي لتكملة إمداداتهم الغذائية، وأكد جميعهم انهم سيواصلون الحد من الوجبات وتواترها.
الخبير الاقتصادي عاصم الزبيري، يلفت الى اقدام النازحين من المحافظات الى العاصمة صنعاء على بيع مدخراتهم وممتلكات نسائهم من الذهب والمجوهرات من اجل العيش والسكن بعد ان تقطعت بهم السبل هناك.. مشيرا الى ان الاف العائلات التي دمرت منازلها وممتلكاتها واضطرت الى النزوح اصبحت في عداد الفقراء.
وتقدر دراسات دولية انحدار ما يقارب 80% من سكان اليمن الى خط الفقر، منذ بدء الحرب العدوانية على البلاد، وهي نسبة مهولة في الارتفاع بعد ان كانت نسبة الفقر قبل العدوان تتراوح بين 35-40%.
ويشير الخبير الاقتصادي نبيل الطيري، الى إن الحرب خلفت آثار كارثية على موازنة الأسر اليمنية جعلتها تفقد حوالي 50% من دخلها، نتيجة ارتفاع التضخم بنسبة تفوق 30%، وآثار الحصار والحرب، والذي حملها اعباء جديدة في حياتها.
ويؤكد في دراسة اجراها حول آثار الحرب والصراع في اليمن، ان دخل الفرد في اليمن من الناتج الحقيقي تراجع من 532 دولاراً عام 2010م، إلى 239 دولاراُ العام الماضي، بسبب العدوان وتدمير اقتصاد البلد والذي أدى الى فقدان الاعمال، وهذه اكبر خسارة للفرد اليمني لم يشهدها في تاريخه المعاصر.
ويجمع اقتصاديون، ان الحل الوحيد لهذه المعضلة الاقتصادية الكارثية بمعناها الانساني والمعيشي، هو العمل بكل الوسائل على وقف العدوان والحرب على اليمن، والرفع الفوري للحصار الجائر المفروض عليه، لمنع حدوث كارثة محققة سيتحمل المجتمع الدولي تبعاتها وآثارها.. مشيرين الى ان الصمت والتواطؤ الدولي تجاه العدوان والحصار على اليمن لا يمكن تبريره وسيظل وصمة عار في جبين الانسانية ولعنة تطاردهم في كل الازمان.