السوية الانسانية نفسياً واجتماعياً , مشروطة بالتطابق بين القول والفعل ومتجسدة بالاتساق بين خطاب الانسان وسلوكه, إذ يلتزم بفعل ما يقول , أو يلزم نفسه بقول ما يقدر على فعله , فلا يأتي من الأفعال ما يناقض ما يقوله من كلام , ولا يقول ما لا يقدر على القيام به فعلياً .
والصلة بين القول والفعل, محكومة بمصفوفة قيم ومنتظمة في جملة من الأخلاق, تفترق بالإنسان بين الكريم والذميم من المحمود إنسانياً في القيم والأخلاق مثل الصدق والكذب, أو الأمانة والخيانة , أو الرياء والاخلاص , أو الحقيقة والخديعة , لذلك يستنكر الله على المؤمنين به أن يقولوا ما لا يفعلون , واصفاً ذلك بالمقت الأكبر , قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون . كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” الصف الآيتان 2 , 3 .
وحين يدع فرد أو جماعة غيرهما الى مالا يلتزما به في الظاهر والخفي من تصرفاتهما الفعلية , فإنهما يكونان كاذبين ومخادعين ومنافقين وخائنين , وكل هذا مما لا يليق بمؤمن بالله أن يقترفه ويكسب به كبر المقت عند الله , فالمؤمن صادق أمين ومخلص وفي سره كجهره , وظاهره كباطنه , لأنه مؤمن أن الله الذين يؤمن به ويتقرب إليه وحده في عبادته ومعاملاته , هو الله الذي أحاط بكل شيء علما ويعلم السر وأخفى ولا تخفى عليه خافية .
وفي السياسة تكثر حالات التناقض بين القول والفعل , حين ينطلق السياسي , فرداً أو حزباً , من وهم أن التأثير على الجمهور يأتي من قدرته الخطابية على إثارة اهتمامهم ونيل اعجابهم وتقديم للوعود التي يحلمون بها , وذلك بدافع إغراء الجمهور للانضمام إليه أو التصويت له في الدورات الانتخابية , حتى اذا فاز بثقة الناس , تنكر لقوله وفعل نقيض هذا القول , إما لأنه عاجز عن الالتزام به أو قاصد ابتداءً عدم الالتزام به , هذه الفئة من الناس يتحدث عنها كتاب الله في آياته البينات بسورة أخرى حين يشير الى حالة نجح قولها في تمكينها من ولاية السلطة , قال تعالى : ” ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد ” البقرة الآيات 204-206
فإذا تدبرنا آيتي سورة الصف , وجدناهما , نداءً للذين آمنوا بصيغة استفهام استنكاري عن الأسباب التي تدخلهم في المقت الأكبر عن الله بقول مالا يفعلون , وذلك يعني أن المؤمنين قد يقعون في حالة التناقض بين القول والفعل , ويكسبون منه كبير مقت يصل بهم الى بئس المهاد.
عبدالله الدهمشي