وقت كانت صنعاء وعواصم عربية واجنبية تنتظر تقديم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي ـ مون إلى الجلسة المغلقة لمجلس الأمن خطة أو مشروع خطة للحل السياسي تحسم دوران الحلقة الفارغة الجاري في الكويت، جاءت وقائع الجلسة صادمة، بعدما اطاحت ضغوط ديبلوماسية الشيكات السعودية المبادرة الأممية التي تضمنها بيان مجلس الأمن الأخير بشان اليمن، لتقضي من جديد على فرصة تاريخية للحل السياسي تحظى بقابلية للتطبيق بعيدا عن عقبات القرار الأممي 2216.
تكشف المقارنة بين الموقف الدولي الذي عبر عنه بيان مجلس الأمن الأخير الذي وضع مبدأ التوافق حاكما لقواعد الحل السياسي، ونتائج جلسته المغلقة نهاية الاسبوع الماضي، عن تحول كبير في الموقف، لم يكن بعيدا عن لوبي الضغوط الديبلوماسية السعودية التي افلحت في وقت سابق بتمرير القرار الأممي 2216 وتطبيقه فورا رغم انه لم يحظ باجماع، وهي ذاتها التي حالت اليوم دون انجاز خطة كي ـ مون للحل السياسي.
وظهر مشروع خطة بان كي ـ مون للحل السياسي بعد مضي سنة من العدوان السعودي نتيجة الافرازات التي انتجها العدوان في توسع رقعة وقوة التنظيمات الإرهابية وفشل تحالف الحرب السعودي في تحقيق اهدافه التي شن الحرب لأجلها في مقابل تفاقم الآثار الانسانية وتوسع رقعة الدمار، وخروج المجتمع الدولي بمنظماته الانسانية عن صمتها حيال جرائم العدوان على المدنيين.
هذه التداعيات وأخرى على صلة بتصادم الشرعيات، وانتهاك النظام السعودي لقوانين الحرب باستخدام اسلحة محرمة وارتكاب جرائم ابادة، شكلت موقفا دوليا مناهضا للعدوان ذهب باتجاه كبح مفاعيله المتمثلة بقرار مجلس الأمن الرقم 2216، من خلال اقرار خطة أممية تحل محل هذا القرار الذي اتاح للنظام السعودي ادارة حرب عدوانية وفرض حصار تجاوز قواعد القوانين الدولية بل وجعله في معزل عن المسؤولية والمساءلة حيال النتائج الكارثية الانسانية والامنية للعدوان والحصار.
لكن لوبي الضغوط السعودية داخل اروقة المنظمة الدولية استطاع لأسباب كثيرة يطول شرحها كبح للمبادرة الأممية ليقضي اهم الفرص التي كان يمكن تضع نهاية للعدوان السعودي على اليمن وتعيد اطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة قابلة للتطبيق وضمانات ترميم الجراح اعادة الاعمار.
ورغم أن بعض الأوساط الديبلوماسية قللت شأن الضغوط السعودية استنادا إلى سقف العلاقات الجديدة المتشكل حديثا بين واشنطن والرياض، إلا أن هذه الأوساط أقرت بنجاح السعودية في اخراج الملف من اروقة المنظمة الدولية واعادته إلى مكتب مبعوثها إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ.
هذه الخطوة فسرت سبب عزوف الأمين العام للأمم المتحدة تقديم خطة إلى مجلس الأمن استنادا إلى الطلب الذي ضمنه المجلس في بيانه الأخير بشأن اليمن وحدد له مهلة الشهر، وتقديمه عوضا عنها رسالة حملت المضامين ذاتها التي قدمها المبعوث الأممي في احاطته إلى المجلس في شأن التعقيدات التي تحول دون احراز نجاح في مفاوضات الكويت، وما تحتاجه المنظمة ومبعوثها ولد الشيخ والتي افضت في المحصلة إلى منح الجهود الأممية وقتا اضافيا وتعزيز قدراتها بفريق خبراء لم تحدد بصورة قواعد اختيارهم، ما اثار أسئلة عن الهدف من الوقت الإضافي والدور الذي يمكن أن يؤديه خبراء جدد في حلحلة تعقيدات تعيش أكثر مراحل الانكشاف وضوحا.
بموازاة ضغوط الرياض في المنظمة الدولية، كانت الكويت مسرحا لضغوط موازية مؤشراتها بدت بوضوح في الرؤية التي قدمها ولد الشيخ إلى مجلس الأمن وكرسها في الحديث عن التعقيدات والخلافات العميقة بين طرفي المفاوضات وتجاهله السبب المباشر في هذه التعقيدات والمتمثل بالانتهاكات السعودية لإعلان وقف النار، وضغوطها الواضحة على وفد حكومة هادي بوضع عراقيل وعقبات حالت دون أحراز تقدم في المفاوضات، كما ظهرت مؤشراتها بوضوح بالمطالب التي قدمها إلى مجلس الأمن والتي لم تتجاوز عتبة المطالب الإدارية بتوسيع عدد الخبراء العاملين في مكتبه.
وطبقا لديبلوماسين اجانب فإن الرسالة التي قدمها بان كي ـ مون لمجلس الأمن قبل تقديم ولد الشيخ احاطه إلى المجلس، تماهت إلى حد التطابق مع ما طرحه المبعوث الأممي حيث افردت مساحتها الرئيسية للحديث عن الخلافات العميقة بين وفد المفاوضات المشاركين في الكويت، وتأكيدها على أن “إنهاء الأعمال العدائية في البلاد بكاملها لا يزال هشا للغاية، ويتطلب تقديم دعم إضافي عاجل من الأمم المتحدة” بتكثيف وساطة الأمم المتحدة للتغلب على الخلافات العميقة بين وفدي التفاوض المشاركين في مفاوضات الكويت من طريق زيادة عدد موظفي البعثة الأممية التي يقودها ولد الشيخ وهي القضية التي وضعت بعض الأطراف ملاحظات عليها خشية استغلالها من جانب النظام السعودي.
رسالة كي ـ مون دعمت وصفة المهدءات التي اقترحها المبعوث الأممي لمواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية وفي الجانب السياسي اعادة انتاج رؤية المبعوث الأممي التي دائما ما تضع الأزمة اليمنية في معادلة الصراع اليمني اليمني وتقدم السعودية على أنها دولة راعية للتسوية، وهو ما بدا واضحا في مضمونها الذي اشار إلى التزام الأطراف اليمنيين بالتوصل إلى اتفاق للحل السياسي وأن هذا الالتزام تحول دونه عقبات وخلافات يجب التغلب عليها من أجل الوصول إلى نتيجة ناجحة” ناهيك باقتراحها نقل الفريق الأممي التابع لمكتب ولد الشيخ من نيويورك إلى عمّان، لتكثيف جهود الوساطة، وهو ما توافق مع ما طالب به ولد الشيخ.
وبعيدا عن التوصيفات الأممية لمسار الأزمة اليمنية فإن الجديد الوحيد الذي طرأ على المشهد العام للأزمة هو أن الخطة الأممية التي دعا اليها مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي، اصطدمت بضغوط اللوبي السعودي وهي الضغوط التي يتوقع أن تواجه جهود المبعوث الأممي إلى اليمن حتى بعد توسع مكتبه واضافة الخبراء الجدد الذين تراهن الأمم المتحدة عليهم احراز تقدم بتثبيت وقف إطلاق النار، فيما رآه كثيرون خطوة قد تفضي إلى المزيد من التعقيد في هذا البند الهش إن لم يلق باثار خطيرة على مسار المفاوضات برمتها.
وعلى أن المشهد يبدو قاتما فإن قادم الأزمة اليمنية سيتجه في مسارين الأول لا يزال في طور الأمنيات في أن يتحول هذا الزخم الدولي بمواقفه المؤيدة لوقف العدوان والمساندة لخيار الحل السياسي وابعاد هادي من المشهد، إلى ضغوط تساعد في خروج مفاوضات الكويت من المنطقة الحرجة المتمثلة بتأليف حكومة توافق انتقالية تضع نهاية للعدوان السعودي وادواته الداخلية وتنفذ استحقاقات التسوية بعيدا عن العصا الخارجية.
اما المسار الثاني فيكمن في احتمالات نجاح النظام السعودي بتعجيل انهيار مفاوضات الكويت بما يفسح الطريق لمفاوضات غرف مغلقة وصفات ثنائية قد تؤدي بالنظر إلى تداعيات الوضع السعودي إلى وقف العدوان لكنها لن تكون مضمونة في نقل الحرب إلى طور داخلي كما انها لن تكون بكل الاحوال مضمونة الكلفة.
رئيس التحرير