تعثرت كل مشاريع الانفصال التي شهدتها عدد من البلدان العربية والإسلامية في السنوات اﻷخيرة، وأبرزها ما حدث في جنوب السودان الذي جاء سلميا، ومرحليا بإشراف الأمم المتحدة،وعبر استفتاء، وحظيت دولة جنوب السودان بدعم أمريكي وغربي وأفريقي كبير، مع ذلك لم يتحقق لدولة جنوب السودان الأمن والاستقرار والتنمية المنشودة .
فعلاوة على الخلافات التي نشبت مع دولة الشمال حول الموارد النفطية وغيرها، برزت داخل دولة الجنوب تناقضات سرعان ما تطورت إلى انقسام وصراع مسلح بين الرئيس ونائبه قسم دولة الجنوب الناشيئة راسيا وأفقيا .
نحن لا نتمنى ولا نريد أن تكون دولة الوحدة اليمنية ضحية حسابات قاصرة وآنية للمغامرين بالقضية الجنوبية في دهاليز التآمر التي تجيد دول العدوان السعودي اﻻمريكي التحالفي الهمجي حبكها ، وتسعى لتوظيف المطالب العادلة للإخوة في الجنوب بالشراكة والحكم المحلي وعودة الحقوق باتجاه خلق تناقضات، ومعضلات وانقسامات ،بين أبناء الوطن الواحد الشمال والجنوب .
لا الإمارات ولا السعودية حريصة على الجنوب وقضيته من خلال استدعاء قوات احتلال أمريكية وبريطانية وسودانية وغيرها من قوى المرتزقة الإجرامية ، ولا هو حب للجنوب وأبنائه اتخاذ الجنوب قاعدة للعدوان والغزو اﻷجنبي على الشمال .
ما جرى بالتزامن مع بدء مشاورات الكويت في عدن ومناطق أخرى في الجنوب من ممارسات عنصرية مقيتة بحق أبناء الشمال الذين ولدوا في عدن وترعرعوا فيها منذ عدة أجيال ، وكذلك طرد للعائلات والأفراد الساكنين بعدن ، ونهب ممتلكاتهم بحجج وذرائع واهية وخارج أي سياق قانوني وطني او إنساني لهو مدعاة قراءة عميقة للمستقبل الذي يراد اختراعه للجنوب وللشمال على صورة ما جرى في العراق وسوريا بحق ما سمي باﻷقليات من طرد وتهجير قسري وقتل واغتصاب، وتدمير لموروث التعايش والتسامح الذي ظل البيئة الحضارية التي في ظلها تم الحفاظ على التنوع المجتمعي الديني والاجتماعي والثقافي .
إن مجرد حدوث تلك الممارسات الشائنة لمواطنين يمنيين من قبل أمراء الحرب وتجارها ومرتزقة هادي وفي ظل تواجد قوات الغزو الأجنبي يطرح الكثير من اﻷسئلة وعلامات الاستفهام عن مستقبل الجنوب نفسه .
إن القيمة الحضارية والرمزية لعدن نفسها تدين لتعدد مكوناتها المجتمعية والفكرية والمذهبية .
من يريدون عدن مدينة خالصة لانتماء جهوي معين ، هم في الحقيقة يغامرون باستدعاء نزعة التصفيات المناطقية داخل المكونات القبلية الجنوبية نفسها التي عبرت عن نفسها بشكل دموي في أحداث يناير 1986م التي حدثت حينئذ ودولة الجنوب ما تزال قائمة ، فما بالنا اليوم وفي ظل عدم وجود الدولة ، بل في ظل وجود قوات الاحتلال والغزو ؟ وفي ظل حالة الاستقطاب الجارية بين السعودية والإمارات على السيطرة على قبائل الجنوب ومكوناته .
حسنا إنهم يريدون عدن مدينة داعشية تضاهي الرقة في سوريا أو الموصل في العراق اللتين يحكمهما تنظيم داعش الإرهابي ، ويغامرون بحرمان عدن من الرأسمال البشري والمادي لتكون عدن مدينة أشباح للمليشيات وداعش والقاعدة التي تعربد وتقتل وترتكب المجازر والاغتيالات بوتيرة يومية .
لا شك بأن محاولة معظم القوى السياسية في الجنوب استثمار العدوان السعودي الأمريكي التحالفي الهمجي على اليمن لصالح مشاريعها الخاصة , وأطماعها كان الخطأ الكبير الذي وقعت فيه ومنذ اليوم يتبين خطأ تلك الحسابات التي راهنت على العدوان وجحافله في تحقيق مشاريعها الصغيرة, إذ انه حتى اليوم لا مشروع وطني يجمع الجنوبيين ولذاك لا نستغرب تجاهل موضوع الجنوب في مشاورات الكويت وما سبقها.
ما يجري اليوم من عدوان سعودي أمريكي وحصار على شمال اليمن يجري بموازاته عدوان من قبل قوى الإرهاب في الجنوب .
قدر اليمنيين أن يعيشوا لحظة المتغير الإقليمي والدولي بعناوين مختلفة مضمونها الفوضى, والتفتيت ووضع اليد الاستعمارية على المقدرات والموارد فيما بعضنا لايفهم ولا يرد أن يفهم.
قدرنا في شمال الوطن أن نقاوم العدوان ونواجهه, وليس قدر الاخوة في الجنوب أن يظلوا متفرجين فذلك ضد السنن الالهية والطبيعة وقوانينها وضد الجنوب نفسه.