ما يعتمل على بلادنا من عدوان خارجي وتداعيات داخلية، يجعل الحديث عن الوحدة اليمنية مدعاة للألم والحسرة، جراء التهديدات التي تكاد تعصف بالوحدة الوطنية، وتدفع إلى الانفصال المعنوي السيكولوجوي قبل أن يكون جيوسياسيا.
والمفارقة أن اليمن التي عاشت مراحل انفصال سياسية ، لم تواجه مأزق الكراهية والانقسام الجهوي كما تعيشه اليوم، ولم تعد المسألة تقتصر على نخبة انتهازية تتعيش من القضية الجنوبية، بقدر ما أصبحت متغلغلة في النسيج الاجتماعي الخاضع لإعلام موجه يقصف العقول كل ساعة وحين.
ومما لاشك فيه أن المؤامرة كبيرة وخطيرة على وحدة اليمن، وأن الإقليم من حولنا يتطلع إلى صناعة دويلات مجاورة منزوعة السلاح والقرار، بما يخدم الأجندة الأمريكية في المنطقة، بالاستفادة من تراخي بقية اللاعبين الدوليين والإقليميين، وعزوفهم عن التعاطي الجاد مع الملف اليمني.
لقد كان واضحا أن الاحتلال الأجنبي والبريطاني تحديدا لم يغادر منطقتنا إلا وقد قسمها إلى دول وإمارات تحد من إعادة توحيدها في دولة واحدة، لكن المشروع الأمريكي اليوم بات يعمل باتجاه تجزئة المجزأ، وتضخيم خلافاتنا وانقساماتنا الطائفية والإثنية، وتعميقها عمودياً وأفقياً، سياسياً واجتماعياً، حتى يبدو الانفصال وفك الارتباط حلاً للمشكلة.
ومن اللافت ان انفصال جنوب السودان جاء بالتزامن مع الربيع العربي، الذي تدخلت عبره الأيادي الخارجية حتى غدا خريفاً يابساً، لكنه ساخناً بالتداعيات والانهيارات الدراماتيكية، ما يؤكد أن مؤامرة تقسيم بلدنا غير منفصلة عما يحدث بالمنطقة من صراعات تتهدهد وحدة الأقطار العربية، وبالذات العراق وسوريا وليبيا. الأسوأ أن محاولة الحد من مثل هذه التداعيات بات أشبه بالمستحيل.
وإن كان الوضع في اليمن ما يزال أقل وطأة، إلا أن ما حدث ويحدث من انقسام اجتماعي بات هو الخطر الأكبر، فلا معنى لوحدة أي وطن، ما دامت العلل والأمراض تتناوش نسيجه الاجتماعي، وتفرض على أبناء الوطن عزلة بينية، في ظل التمترس خلف الهويات المحلية الطائفية، والجهوية والمناطقية.
إن الوطن بيت الجميع، واليمن في وحدته السياسية والوطنية بمثابة القصر الذي يحتضن الكل، فما بال البعض يعمل كي تكون اليمن أكواخاً غير قابلة للحياة؟! سبق وقلت: (لا إكراه في الوحدة..والانفصال ليس حلاً).
بيد أن ما حذرنا منه قبلاً بات أقرب إلى الواقع، فالجنوب الذي يراد له الإنفصال، قد يكون جنوبين أو أكثر، وإذا أطلقنا العنان لأهوائنا، ولإكراهات وضغوط اللحظة التاريخية، فإن اليمن ستصبح يمنات، وستتفرق دويلات كما حدث تاريخياً.
واهم من يعتقد أن مشروعه السياسي سينجح بمجرد الانفصال، أو فك الارتباط.
هاهي الأمم تتداعى على بلادنا، وبات الغازي الأمريكي والسعودي والإماراتي حقيقة واقعة ومرة، وبدل أن تجمعنا المسئولية الوطنية في الذود عن الوطن وتحريره من دنس المحتلين، يأبى الساسة الإنتهازيون إلا استثمار هذا المنعطف، والدفع بأسوأ السيناريوهات، للأسف الشديد. الوطن خيمتنا جميعاً، ووحدة اليمن، وصون سيادتها، واستقلال قرارها مسئولية وطنية وتاريخية، تهون في سبيلها التضحيات والتنازلات..ما يزال في الوقت متسع، ولات ساعة مندم!