وفقا لتأكيدات ديبلوماسيين تحدثوا إلى “المستقبل” فإن أكثر ما يخشاه النظام السعودي في تداعيات عدوانه الغاشم على اليمن هو أن تقود مفاوضات الحل السياسي الجارية في الكويت برعاية أممية إلى نزع “الشرعية” عن عبد ربه منصور هادي بعدما تمتمرست السعودية في عدوانها على اليمن لأكثر من سنة خلف ذرائع “شرعية هادي” التي اتاحت له العام الماضي ارضية قانونية لشن حرب على اليمن بدت مؤخرا أنها تقلصت إلى حد كبير في موازاة شرعية شعبية متعاظمة، ناهيك عما افرزه العدوان من تداعيات بعدما انزلقت السعودية في مستنقع حرب بدت مؤخرا للعالم عدوانية ومفرطة في الوحشية.
الأوساط الديبلوماسية الأرووبية تتحدث بقدر كبير من الثقة على أن النظام السعودي ولأسباب عدة صار على وسك السقوط،بعد أن ظل خلال أكثر من سنة من العدوان على اليمن يقدم نفسه في أكثر المحافل الدولية الديبلوماسية والسياسية والانسانية بوصفه النظام المؤهل للعب ادوار سياسية وعسكرية في منطقة تتجاذبها العواصف، ناهيك بتكريسه نظرية أن تدخله المباشر في اليمن جاء استجابة لدعوة ” سلطة شرعية ممثله بهادي وحكومته التي اطاحها انقلاب غير شرعي ” وهي الذراعة التي ابقت النظام السعودي بعيدا عن الضغوط الانسانية والقانونية رغم ما سجله من مجازر وحشية وخراب شامل وحصار.
وتخشى الرياض أن تقود مفاوضات الكويت إلى الاطاحة بالورقة الأخيرة التي بدت مؤخرا أنها تتمترس خلفها لمواجهة تداعيات خارجة عن السيطرة في نذر الحظر العالمي عليها في ملف السلاح بعدما اثبتت التقارير الدولية تورطها في جرائم ترقى إلى جرائم الحرب ضد الإنسانية ناهيك بادواها في اشعال فتيل التوتر الطائفي في المنطقة ورعاية ودعم توسع أكثر التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن العالمي ” القاعدة و داعش”.
وبحسب مصادر ديبلوماسية صارت الرياض تتخذ من ورقة ” شرعية نظام هادي وحكومته ” جدارا اخيرا لتجنب آثار جرائم الحرب على اليمن وكلفة الخراب التي فاقت التوقعات بعد أكثر من سنه من شنها حربا فاشلة على اليمن.
يزيد من حجم المخاوف السعودية التوجهات الجديدة التي تقودها تقودها الأمم المتحدة استنادا إلى مراجعات في المواقف الدولي حيال القرار الأممي 2216 والذي عملت السعودي في وقت سابق على اصداره من أجل توفير ارضية قانونية اممية في عدوانها على اليمن خصوصا وهو استبق العدوان باعترافه بشرعية هادي وتعريفه للمشكلة اليمنية بأنها كانت انقلاب على حكومة شرعية.
ويقول خبراء وديبلوماسيون إن الرياض كثفت في الآونة الأخيرة ضغوطها الديبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن بصورة غير اعتيادية من أجل كبح التوجهات الدولية والأممية التي تسعى إلى صياغة خطة للحل السياسي يتصدر أهدافها تعطل أو الغاء القرار الأممي 2216 بعدما بدا أنه غير قابل للتطبيق، وهي التوجهات التي ينتظر أن تتظمنها الخطة التي سيقدمها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي ـ مون إلى مجلس الأمن بحلول نهاية فترة الشهر التي حددها مجلس الأمن الدولي له في بيانه الأخير بشأن اليمن.
يأتي ذلك بعدما تساقطت سريعا كثير من العناوين الدعائية التي اشاعها النظام السعودي لتبرير عدوانه على اليمن ولا سيما ما يتعلق بمخاوفه من “النفوذ الإيراني” والمد الفارسي” بعدما اثبتت الوقائع على الأرض عدم وجود أي حضور لإيران في المشهد اليمني وفشل الرياض في تقديم أي دليل واحد على دعم أيران لجماعة أنصار الله، ما ابقى ذريعة طلب “الحكومة الشرعية” متصدرا قائمة الذرائع التي يقدمها النظام السعودي عند أي انتقادات أو توجهات لتحميلة المسؤولية حيال المجازر المروعة التي اقترفها بحق المدنيين والخراب الذي طاول أكثر مرافق البنية التحتية والحصار الجوي والبري والبحري الذي يفرضه على اليمن منذ أكثر من سنة.
اسباب مباشرة
عند محاولة التعرف على الأسباب الرئيسية التي تعرقل مسار المفاوضات الجارية في الكويت تقود القراءة التحليلية، إلى نتائج مهمة على صلة بموضوع ” الشرعية” والتي عبر عنها وفد الرياض في مناسبات كثيرة وبصورة متكررة واعاد انتاجها مؤخرا بقضية “الاعتراف بالمرجعيات” والتي فصلها تاليا رئيس وفد حكومة الرياض المفاوض عبد الملك المخلافي بست نقاط تقود كلها إلى القضية المركزية التي أتى وفد حكومة الرياض بسببها إلى مفاوضات الكويت وهي محاولة انتزاع اعتراف من الداخل اليمني الذي يمثله أنصار الله وحزب المؤتمر بشرعية الرئيس هادي ” بما يقود إلى نتيجة أخرى وهي الإقرار بان ما حدث في اليمن كان انقلابا” على سلطة شرعية”.
ولم تكن النقاط أو المطالب التي قدمها وفد الرياض في السابق بعيدة عن هذا الإطار إذ طالما افصح أنه ما جاء إلى المفاوضات إلا لمناقشة آليات تنفيذ القرار الأممي 2216 والذي لخصه تاليا المبعوث الأممي في مبادرة النقاط الخمس.
وجل ما طرحه وفد الرياض على مائدة المفاوضات كان على صلة بالقضية المحورية بالنسبة للرياض وعلى سبيل المثال قضايا الانسحاب من المدن وتسليم السلاح واستعادة مؤسسات الدولة وهي قضايا تدعم من وجهة نظر القانون الدولي والانساني فكرة أن ما حدث كان انقلابا غير شرعي على سلطة شرعية.
وكل ذلك يقود في المحصلة إلى ما تبحث عنه الرياض وإلى السبب الرئيسي الذي دفعها للتعاطي بإيجابية مع الجهود الدولية والأممية بالعودة إلى المسار السياسي حلا للأزمة اليمنية، وهي انتزاع اعتراف بشرعية هادي المتسبب في تورط السعودية في عدوان وحشي على اليمن.
وهذا الدافع وفقا لأوساط ديبلوماسية هو من شجع الرياض كذلك على دفع هادي وحكومته للمشاركة في المفاوضات بعد أن ظلت تتمترس بخيار الحسم العسكري لأكثر من سنة.
لم تكن الرياض التي احرزت نجاحا تاريخيا في اصدار مجلس الأمن قراره 2216، تكترث في وقت سابق حيال تداعيات عدوانها الوحشي على اليمن واستثمارها القرار في سلسلة انتهاكات ا للقانون الدولي والإنساني، لكن التغير في الموقف الدولي قلب الطاولة تماما.
وينبغي الإشارة إلى أن ما سجله اليمنيون من صمود اسطوري في وجه العدوان وآلته الغاشمة، والنتائج التي ترتبت على الحرب في توسع خطر التنظيمات الإرهابية، وتفاقم المعاناة الانسانية ساهمت بشكل كبير في احداث تغير كبير في الموقف الدولي المؤيد للسعودية في حربها على اليمن، وهو ذاته الذي قلص إلى حد كبير من مستوى الاعتراف الدولي بشرعية هادي.
وحيال ذلك فإن العديد من الأوساط الديبلوماسية تؤكد أن الرياض صارت اليوم بحاجة قوية إلى انتزاع اعترافا من الداخل اليمني بشرعية هادي يعادل الضمور في الموقف الدولي حيالها لتلافي استحقاقات ثقيلة تحاول الرياض تجنبها، بعدما صارت وحيدة في مواجهة قاطرة استحقاقات مندفعة نحوها بكل قوة.
استنادا إلى ذلك فإن أي اقرار بشرعية هادي في مفاوضات الكويت سيلقي بآثار كارثية على اليمن ليس في الوقت الراهن وحسب بل لعدة عقود قادمة، ولعل اسرعها واكثرها كارثية أنه سيقدم شهادة براءة للنظام السعودي حيال عدوانه الوحشي على اليمن ناهيك بتحمل تبعات انتهاكاته الانسانية وخروقاته للقوانين الدولية والانسانية سواء في ملف الحرب أم في ملف الحصار.
رئيس التحرير