2025/01/11 8:59:00 مساءً
الرئيسية >> الأخبار >> اليمن >> كيف سعى النظام السعودي إلى هدم المجال السياسي اليمني واعادة تشكيله على اساس التمزق الفئوي والجهوي ؟

كيف سعى النظام السعودي إلى هدم المجال السياسي اليمني واعادة تشكيله على اساس التمزق الفئوي والجهوي ؟

  • السعودية في تأمرها على اليمن وعدوانها العسكري تمكنت نسبيا من هدم المجال السياسي اليمني ومحاولة اعادة تشكيله على أسس التمزق الفئوي والجهوي والصراع وتكريس غياب الدولة غير أن هذا النجاح الباهض الثمن للعدوانية السعودية لن يكتمل ولن يستمر.

 

في المسار التاريخي للأسرة السعودية, تشكلت صورة واضحة لرؤيتها لليمن, وتصورها لمجاله السياسي وتحديداً لطبيعة النظام العام للحكم وسلطاته المؤسسية, بحيث يتحدد الموقف السعودي من اليمن وعلاقاته به كدولة مستقلة على أساس التخوف الدائم من أخطاء التأثير المحتمل للوضع العام في اليمن على ملك الأسرة السعودية وطبيعة حكمها للجزيرة العربية وشعبها.

تحرص الأسرة السعودية على إبعاد اليمن من مواقع التأثير في محيطها الجغرافي, بأي صورة قادرة على تقليص التسلط والطغيان الملكي, أو تقليل مساحة التخلف التي يفرضها الملك المطلق والكهنوت على البلاد والعباد.

تجلى الحرص السعودي في تاريخ علاقاته باليمن الجمهوري قبل الوحدة الاندماجية بين الشطرين 1990م وبعد وحدتهما في دولة الجمهورية اليمنية على أساس من النظام الديمقراطي المنفتح على قيم الحرية والتعددية والسيادة الشعبية.

تحدثت قيادات سياسية في السلطة والمعارضة عن استياء السعودية من البث التلفزيوني لجلسات مجلس النواب عقب قيام الجمهورية اليمنية, وقامت وزارة الإعلام اليمنية قبل حرب صيف العام 1994م وبعدها, بإغلاق الصحف ومقاضاة صحف أخرى بطلب من سفارة المملكة في صنعاء, بدعوى اساءتها للملكة وعلاقاتها باليمن, وقد سمعت شخصياً من أمين عام حزب معارض بأن سفارة المملكة في صنعاء طلبت من الحكومة اليمنية, ومن الرئاسة تحديداً وقف البث التلفزيوني لجلسات الحوار الوطني التي انعقدت في صنعاء من 18 مارس 2013م, وانتهت في 5 يناير 2014م, لأنها تؤثر على الرأي العام الخاضع لطغيان الأسرة السعودية.

يطول الحديث عن رؤية وتصور مملكة آل سعود للمجال السياسي اليمني, وما قامت به المملكة للحد من تأثيره على الملك السعودي أولاً بنقل فكرة الجمهورية, وثانياً بنقل الفكرة الديمقراطية إلى الوعي الجمعي لمواطني مملكة آل سعود, وإجمالاً حرصت السعودية على إفساد النظامين الجمهوري والديمقراطي وفرض الفقر على اليمن, وتكديس تخلفه عبر أدوات تابعة لآل سعود وعاملة في خدمة سياستها نحو اليمن, من القوى الرجعية الاجتماعية, والقوى المتطرفة دينياً, ومع ذلك فشلت في منع حركة التقدم العام في المجالين السياسي والاجتماعي في اليمن, رغم تمكنها من تعطيل هذه الحركة حينا وإعاقتها في كثير من الأحيان.

سارعت المملكة إلى التدخل في الأزمة التي عصفت بالمجال السياسي اليمني في العام 2011م, واستطاعت أن تفرض على أطراف الأزمة تسوية حظيت بقبول يمني واسع, ودعم دولي كامل, ومن خلال هذه المبادرة, التي عرفت بالمبادرة الخليجية, دخل اليمن في مرحلة انتقالية استغلتها كل القوى السياسية اليمنية في السلطة والمجتمع لإعادة بناء الدولة وتنظيم المجال السياسي من خلال الحوار الوطني الواسع والشامل حول ملفات الأزمة اليمنية وأسس الانتقال إلى يمن جديد ومستقبل سعيد, غير أن الأسرة السعودية, تنبهت إلى خطورة ما سيكون عليه اليمن الحديد من قوة كامنة في ترسيخ الديمقراطية, وتعزيز نظامها بآليات مؤسسية مجسدة للشراكة الوطنية والمشاركة السياسية في التخطيط والبناء, وفي صناعة القرار والتنفيذ.

أدركت الأسرة السعودية أن اليمن الذي يتشكل على طاولات الحوار الوطني الشامل, ويخرج منها إلى مرحلة البناء والنماء هو يمن قادر على تغيير محيطه الجغرافي بقوة تأثيره القيمي والثقافي على الوعي السياسي بالحقوق والحريات, فسعت عبر أدواتها القديمة أولاً إلى اختراق واحتواء القوى الممانعة للهيمنة السعودي من احزاب اليسار والقومية, وعملت ثانياً على اختراق المجتمع المدني واستتباعه لسياستها, وبهذا عوضت ما كانت تخسره يومياً في صفوف أدواتها القديمة من القوى الرجعية, وامتدت بنفوذها تقريباً إلى كل الفئات والجغرافيا.

لم تتوقف الأسرة السعودية عند شراء الولاءات بالمال بل عملت على تحريك أتباعها من مواقع قوتهم السياسية في السلطة والخارطة الحزبية  والمجتمع, للذهاب باليمن بعيداً عن المسار الذي تحدد للوطن في مخرجات الحوار الوطني, حيث تصاعدت قوة الحوثيين من خلال التحرك العسكري الواسع الذي أسقط هيمنة المشيخ والاقطاع العسكري في شمال الشمال اليمني, وتوسع بعد ذلك ليشمل مؤسسات الدولة في المركز والمحافظات, بتواطؤ واضح من رئاسة الدولة وأحزاب موالية للأسرة السعودية, لتضع اليمن, البلاد والعباد, في وضع متفجر بالصراعات المسلحة داخلياً, ومهيأ لعدوان عسكري خارجي قادته السعودية وباشرت به في 26 مارس 2015م.

ما يزال العدوان السعودي مستمراً على اليمن, لكنه كشف منذ الغارات الأولى وحتى اللحظة عن ذات الصورة السعودية المركبة من مخاوف الأسرة على ملكها وطغيانها, حيث حرصت السعودية على تفكيك الخارطة الحزبية الناظمة للمجال السياسي اليمني والمنظمة لبنيته الرسمية وغير الرسمية, ولوظائفها العامة والخاصة, فعلى الرغم من أن السعودية استمالت أحزاباً يمنية وقوى مدنية لصالحها في تأييد عدوانها على اليمن باسم “الشرعية” المزعومة لرئاسة الرئيس الانتقالي المستقيل والمنتهية ولايته وفقاً لمرجعيات المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل, أقول رغم هذا, إلا أن السعودية حرصت على تهميش الإطار الحزبي لما تسميه تحالف الشرعية, وعملت على إلغاء وجود دور القوى الحزبية على المستويين: السياسي والميداني, مستبدلة هذه القوى بمسميات “المقاومة الشعبية” والمحصورة نشأة وحركة بنطاقها الجغرافي المحدود في المدن الرئيسة, كعدن وتعز, أو بمحافظات كمأرب والبيضاء والجوف.

تتأكد صدقية هذه الرؤية بالإشارة إلى الحرص السعودي على إفراغ عدن من التعددية السياسية والمدنية, منذ عودتها إلى سلطة ما يسمى شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي, إذ لم تعمل المملكة على تمكين شرعية هادي من سلطة حكم متاحة له فيما يقال عن عدن كعاصمة مؤقتة للسلطة الشرعية, لأن هذا التمكين سيعيد القوى الحزبية والمدنية المنضوية في تأييد العدوان السعودي تحت مسمى الشرعية اليمنية, إلى صدارة المجال السياسي, وهو ما يزيح عملياً صدارة القوى التي تسيدت المشهد السياسي, بانتماءات مناطقية وطبيعة ميليشاوية, ولتبقى الصورة العامة للمجال السياسي اليمني مركب من الميوعة الجامعة لأطراف التفاوض في الكويت, ومن التشطي المناطقي للتشكيلات المسلحة في الداخل اليمني.

يمكن القول بأن السعودية من مقدمات تأمرها على اليمن إلى مسارات عدوانها العسكري الراهن , قد تمكنت من هدم المجال السياسي اليمني ومن البدء بإعادة تشكيله وبنائه على أسس التمزق الفئوي والجهوي, والتناحر بين التشكيلات المسلحة في ظل غياب الدولة وتغييب القوى الوطنية, أو القوة المركزية القادرة على تجسيد الوطنية اليمنية في نظام ودولة وسياق سياسي مجسد لما هي عليه الجمهورية اليمنية من ديمقراطية ومدنية, غير أن هذا النجاح الباهض الثمن للعدوانية السعودية على الوطنية اليمنية في مجالها السياسي, لن يكتمل ولن يستمر, لأن التشظي الراهن في الوطنية اليمنية, هو وضع طارئ ومصطنع سرعان ما سوف يستعيد طبيعته ومسارها, كما أن المجال السياسي الذي قام على التعددية حاضن لعناصر التجدد وعوامل التطور التي تجعل اندثار الأحزاب المنسلخة عن وطنيتها حتماً مقضياً بالحاجة إلى والمصلحة من انبعاث روح الوطنية اليمنية من جديد في المستقبل القريب.

عبدالله الدهمشي

 

 

اخبار 24

شاهد أيضاً

الهيئة العامة للزكاة تدشن مشروع السلال الغذائية النقدية لـ 6 آلاف جريح بقيمة 150 مليون

المستقبل نت: دشنت الهيئة العامة للزكاة الخميس بصنعاء، بالتنسيق مع مؤسسة الجرحى، مشروع توزيع السلال ...